هل روعة الإنسان في جسده أم روحه؟
(2)يقول الملحدون: ألا تغنينا روعة الجسد وجماله عن الحاجة إلى الاعتقاد بأنّ هنالك روحاً تعيش فيه، خاصّة وأنّ الروح أمر ثابت؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
قبل أن نعلق على هذا الكلام لابد من توضيح معنى الروح التي ندافع عن وجودها، وهي الروح العاقلة التي خص بها الله الإنسان، وهي التي تسمو بالإنسان بعيداً عن عالم الحيوان، فالإيمان بالله وبالقيم والفضائل من مختصات الإنسان دون غيره من الكائنات وذلك لوجود تلك الروح التي تجعله يعشق الكمال، واعتماداً على هذا التعريف سنبين ضرورة الايمان بوجود الروح ضمن النقاط التالية، وقد راعينا فيها عقلية السائل فجاءت النقاط منسجمة مع طريقة تفكيره.
أولاً: يصح هذا الكلام إذا كان الاعتقاد بوجود الروح يتنافى مع الإحساس بالجسد، أما إذا كان الاحساس بالجسد يتكامل مع الإحساس بالروح فحينها لا وجود للتعارض فلسنا مضطرين حينها للترجيح بينهما.
ثانياً: الإحساس بالجسد لا يكون دون الإحساس بالروح، فالميت والنائم والمغمى عليه لا يحس بروعة الجسد حتى لو كان جسده موجوداً، الامر الذي يجعل العقل مضطراً للبحث عن شيء أخر مكمل لهذا الجسد، فإذا لم يكن هذا الشيء الآخر هو الروح فما عساه أن يكون في نظر الملحدين؟
ثالثاً: مجرد الكلام عن الإحساس والشعور بالروعة هو كلام عن الروح دون الجسد؛ لأن الإحساس ليس أمراً مادياً ملموساً وإنما حيقه لها علاقة بعالم المعنى، فالذي يرفض الروح لأنها غير ملموسة أولى به أن يرفض هذا الإحساس لأنه غير ملموس أيضاً، وإن كان يكفي الشعور بهذا الإحساس فإن الإحساس بالروح يكون كافياً أيضاً.
رابعاً: الإحساس بالروح يخدم الإحساس بالجسد لأن الروح هي التي تهذب الجسد وترشده لما فيه صلاحه، فكلما كانت الروح نقية كلما كان الجسد نقياً، وكلما كانت الروح منحطة ينحط معها الجسد، مثال لذلك المدمنين على المخدرات يهلكون أجسادهم لأن أرواحهم متهالكة.
خامساً: الاهتمام بالجسد دون الالتفات للروح يعني الاهتمام بالغرائز الحيوانية، وحينها يصبح الإنسان مجرد حيوان يتلخص اهتمامه في الاكل والشرب والجنس، أما الروح وما تحمله من تطلع للكمال نجدها تضحي بكل ذلك من أجل الحفاظ على القيم والمثل. فحالة التسامي والتجرد التي نجدها عند الإنسان لهي خير دليل على وجود هذه الروح.
سادساً: لا تعيش الروح في الجسد وإنما الجسد هو الذي يعيش بتلك الروح، واللحظة التي تقادر فيها الروح الجسد تتبخر روعة ذلك الجسد، فيسعى الجميع للتخلص منه بدفنه في التراب أو حرقه بالنار كما في بعض الأعراف.
سابعاً: هل حقيقة الإنسان ومعناه في جسده أم في روحه التي يحملها؟ وقد اتفق البشر جميعاً على أن حقيقة الإنسان وجوهره تكمن في روحه التي يحملها، وبالتالي لا يمكن للإنسان أن يكتفي بروعة جسده في الوقت الذي لا يعيره الاخرين اهتماماً.
هناك عبارة غير واضحة في كلامه وهي قوله (خاصّة وأنّ الروح أمر ثابت) فماذا يقصد بثبات الروح؟ هل يقصد بكونها ثابتة بمعنى أنها موجودة بالفعل؟ أم أنه يقصد بانها ثابتة بمعنى أنها غير متطورة؟ وبكلى المعنيين لا محصل من هذه العبارة، فإن كان يقصد المعنى الأولى فلا داعي لسؤاله من الأساس، فلو كانت موجودة فلماذا لا نؤمن بحقيقة موجودة بالفعل؟ وإن كان يقصد بأنها غير متطورة فقد خالف بذلك بديهيات ما يحس به الإنسان، فالروح هي التي تطلع دائماً إلى الجديد، وحب الإنسان في التغيير والتطور إنما نابع من كونه كائن له روح وليس لكونه كائن له جسد.
وفي الختام إذا كانت الروح في نظر المؤمن بها تقوم بهذه الأدوار المميزة فلماذا هذا العداء لوجودها من قبل الملحدين؟، ألا يكفي هذه التصور الإيجابي للروح بأن نحترم من يقول بوجودها؟
اترك تعليق