هل التسمية بـ (عبد الحسين) و(عبد الرسول) شركٌ وحرام؟
السؤال: ضلال وشرك من سمّى عبد الرسول وعبد الحسين وغيره.. قال ابن حزم في «مراتب الإجماع»: (واتفقوا على تحريم كلِّ اسمٍ معبَّدٍ لغير الله (عزَّ وجلَّ)، كعبد العزَّى، وعبد هبل، وعبد عمرو، وعبد الكعبة وما أشبه ذلك، حاشا عبد المطلب، وما خالفه أحدٌ في زمانه وبعده، وأول من ظهر فيهم هذا الاسم (عبد النبيّ) القرامطة والرافضة، فأقدم من وقفت عليه بهذا الاسم هو عبد النبيّ بن المهديّ اليمنيّ الخارجيّ الملقَّب بالمهديّ، المتوفى: ٥٦٩ هـ، وهو قرمطيٌّ باطنيٌّ...ولم يُسمِّ أحدٌ من أهل البيت أبناءه بالعبودية لغير الله كما يفعل الشيعة الآن..!
الجواب:
تُثار بين الحين والآخر شبهةٌ حول التسمية بـ (عبد الحسين) و(عبد الزهراء) و(عبد الرسول)، بدعوى أنَّها نوعٌ من الشرك أو العبوديَّة لغير الله. وللإجابة عن هذه الشبهة بشكلٍ دقيق، لا بُدَّ من النظر إلى المسألة من عدة زوايا:
الأولى: هناك فرقٌ جوهريٌّ بين (العبادة) و(العبوديَّة). فالعبادة لا تجوز إلَّا لله وحده، ومن عبد غيره فقد وقع في الشرك. أما العبوديَّة، فتشمل معنى المملوكيَّة، حيث إنَّ الله (سبحانه وتعالى) هو المالك الحقيقيُّ لكل شيءٍ بالأصالة، في حين أنَّ أيَّة ملكيَّةٍ لغيره تكون بالتبع وبتمليك الله تعالى؛ ولذلك، فإنَّ للعبودية معنىً خاصاً يختص بالله، ومعنى عاماً يمكن إطلاقه على غيره، كإضافة المملوكيَّة إلى البشر، كما في قوله تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾ [النور: 23]، حيث أُطلق لفظ ﴿عِبَادِكُمْ﴾ على المملوكين للبشر.
الثانية: العبوديَّة تأتي أيضاً بمعنى الطاعة والولاء، وهو ما أكَّده القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، فالطاعة للرسول وأهل بيته تعني التسليم والاتباع لهم، وهذا نوعٌ من العبودية بالمعنى المجازيّ، لا بالمعنى التوحيديّ. فقد ورد في الروايات: أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «إنَّما أنا عبدٌ من عبيد محمّد» [الكافي ج1 ص90]، وهو تصريحٌ واضحٌ بأنّ العبوديّةَ للنبيّ (صلى الله عليه وآله) بالولاء والطاعة أمرٌ مشروع، ولا ينافي التوحيد.
وكذلك ورد عن لقمان قوله لابنه: «يا بنيّ، كُنْ عبداً للأخيار» [معاني الأخبار ص253]، ممّا يدلّ على أنّ العبودية تأتي بمعنى التبعيّة والاقتداء.
وكذلك قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «أنا عَـبْدُ مَنْ علّمني حرفاً واحداً، إنْ شاء باع، وإنْ شاء أعتق، وإنْ شاء استرق»، [العلم والحكمة في الكتاب والسنة ص٤٢١]، وهو تعبيرٌ عن عمق الطاعة والولاء، وليس عن العبوديّة بالمعنى الشرعيّ الممنوع.
الثالثة: هناك فرقٌ واضحٌ بين العبوديّة بالملكيّة والعبوديّة بالطاعة. فالعبوديّة بالملكيّة تتعلق بالرقّ، وتنتهي بمجرّد تحرير العبد أو موت السيّد، أمّا العبوديّة بالطاعة فلا تنقطع بالموت، بل تستمر، كما هو الحال مع طاعة النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام)، فهم أولياء المؤمنين حتّى بعد وفاتهم، كما قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير: «ألستُ أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، قال: فمَن كنتُ مولاه فهذا عليّ مولاه».
وقد أوضح الإمام الرضا (عليه السلام) هذا المعنى حين قال: «الناس عبيدٌ لنا في الطاعة، موالٍ لنا في الدين»، ففي الكافي عن محمّد بن زيد الطبريّ قال: «كنت قائماً على رأس الرضا (عليه السلام) بخراسان وعنده عدّة من بني هاشم وفيهم إسحاق بن موسى بن عيسى العباسيّ فقال: يا إسحاق، بلغني أنّ الناس يقولون: إنّا نزعم أنّ الناس عبيدٌ لنا! لا وقرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ما قلته قطُّ، ولا سمعتُه من آبائي قاله، ولا بلغني عن أحدٍ من آبائي قاله، ولكنّي أقول: الناس عبيدٌ لنا في الطاعة، موالٍ لنا في الدين، فليبلغ الشاهد الغائب» [الكافي ج1 ص187]، ممّا يؤكد أنّ العبوديّة هنا تعني لزوم الطاعة والاتّباع، وليس العبوديّة الحسيّة التي تعني الرقّ والاستعباد.
الرابعة: الحرمة في الشريعة الإسلاميَّة لا تثبت إلّا بدليلٍ صريحٍ من القرآن أو السنّة، ولا يكفي في ذلك مجرّد الاجتهاد أو الادّعاء غير الموثّق. وبمراجعة النصوص، لا نجد أيّ دليلٍ على تحريم التسمية بـ (عبد) مضافاً إلى غير الله، ولو كان الأمر محرَّماً لورد فيه نهيٌ صريحٌ، كما ورد في بعض الأسماء مثل (ملك الأملاك)، فقد روى البخاريّ عن رسول الله أنّه قال: «أخنى الأسماء يوم القيامة عند الله رجلٌ تسمّى ملك الأملاك» [صحيح البخاريّ ج7 ص119]. وفي المقابل لم يثبت أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) نهى عن هذه الأسماء، بل نجد أنّه لم يغيّر اسم (عبد المطلب)، رغم أنّ (المطلب) ليس من أسماء الله؛ فلو كان كلُّ ما أضيف إلى (عبد) لغير الله محرّماً لكان تغييره أولى.
الخامسة: الادّعاء بأن هذه التسمية ظهرت مع القرامطة لا يستند إلى دليلٍ تاريخيٍّ موثوقٍ، إذ إنّ هذه الأسماء كانت متداولةً في عصورٍ مختلفةٍ ولم تكن خاصّةً بالشيعة. كما أنّ القرامطة فرقةٌ منحرفةٌ خالفت أهل البيت (عليهم السلام) في العقيدة والسلوك، ولم يكن لهم أيّ ارتباط بالتشيّع الأصيل؛ فلذا لا يمكن ربط هذه التسمية بهم، كما لا يمكن ربط الشيعة بهم، ومحاولة إثبات ذلك مجرّد ادّعاءٍ بلا أساسٍ علميّ.
السادسة: هناك العديد من الصحابة الذين حملوا أسماءً تتضمّن إضافة (عبد) إلى غير أسماء الله، وهو ما يتوافق مع التسمية بـ (عبد الرسول) أو (عبد الحسين). وقد أورد صاحب الإصابة أسماء بعضهم، ولم يثبت أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قام بتغييرها، ممّا يدلّ على عدم وجود نهيٍ عن هذا النوع من الأسماء. ومن هؤلاء:
1ـ عبد رضا الخولانيّ. [الإصابة ج4 ص312].
2ـ عبد شمس بن الحارث بن كثير الغامديّ. [الإصابة ج4 ص312].
3ـ عبد شمس بن عفيف بن زهير الأزديّ. [الإصابة ج4 ص312].
4ـ عبد عمرو بن عبد جبل الكلبيّ. [الإصابة ج4 ص314].
5ـ عبد عمرو بن نضلة الخزاعيّ. [الإصابة ج4 ص315].
6ـ عبد عمرو بن يزيد بن عامر الجرشيّ. [الإصابة ج4 ص316].
7ـ عبد عوف بن عبد الحارث بن عوف الأحمسيّ. [الإصابة ج4 ص316].
8ـ عبد قيس بن لأي بن عصيم الأنصاريّ. [الإصابة ج4 ص316].
9ـ عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث الهاشميّ. [الإصابة ج4 ص317].
10ـ عبد يزيد بن هاشم بن المطلب الهاشميّ. [الإصابة ج4 ص320].
11ـ عبد ياليل بن عمرو بن عمير الثقفيّ. [الإصابة ج4 ص320].
12ـ عبد الجد بن عبد العزيز الأزديّ. [الإصابة ج5 ص79].
13ـ عبد الحجر بن سراقة الكلابيّ. [الإصابة ج5 ص79].
14ـ عبد خير بن يزيد الهمدانيّ. [الإصابة ج5 ص79].
وكل ذلك يؤكّد أنّ هذه التسمية لم تكن مستنكرةً في ذلك العصر، ولم يرد أيّ نهيٍّ نبويٍّ عنها.
وفي المحصلة، يتضح أنّ التسمية بـ (عبد الحسين) و(عبد الزهراء) وغير ذلك، لا تعني العبوديّة المطلقة، وإنّما تعبّر عن الولاء والخدمة والتبعيّة، وهو معنى لا يتعارض مع التوحيد. فالعبوديّة في الإسلام لها معانٍ متعدّدة، وليست جميعها مختصّةً بالله تعالى، كما تدلّ عليه النصوص القرآنيّة.
كما لم يثبت وجود أيّ إجماع فقهيّ على تحريم هذه الأسماء، بل نجد في التاريخ الإسلاميّ أسماءً مشابهة لم يُنكرها النبيُّ (صلى الله عليه وآله) ولم يغيّرها. أمّا عدم ورود هذه الأسماء بين أهل البيت (عليهم السلام)، فلا يعني تحريمها، إذ إنّ هناك العديد من الأسماء التي لم يستخدموها، لكنها لا تُعدُّ ممنوعة شرعاً.
بناءً على ذلك، فإنّ هذه الشبهة لا تستند إلى دليلٍ علميٍّ أو شرعيٍّ قاطع، وإنّما تأتي في سياق محاولات الطعن في مذهب أهل البيت (عليهم السلام) دون حجّةٍ رصينةٍ.
اترك تعليق