كَيْفَ أَثْبَتُّم أَنَّ أَبَا طَالِبٍ هُوَ مُؤْمِنُ قُرَيْشٍ وَهُوَ لَمْ يُسَلِّمْ وَلَمْ يُطِعِ النَّبِيَّ (ص)؟!!
فَاضِلُ الْعُبَيدِيّ: يَعْنِي شلون مُؤْمِنُ بَني قُرَيْشٍ.. وَهُوَ لَمْ يُسَلِّمْ وَلَمْ يُطِعْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهِ وَسَلّمَ.. تَعْلِيقٌ عَلَى مَوْضُوعِ (السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ رَجَبٍ ذِكْرَى وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ مُؤْمِنِ قُرَيْش): https://www.alrasd.net/questions/1393
الأخُ فَاضِلٌ الْمُحْتَرَمُ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
لَقَد ذَكَرْنا بِشَكْلٍ وَاضِحٍ وَصَرِيحٍ عِدَّةَ شَوَاهِدَ عَلَى إيمَانِهِ (رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ)، مِنْهَا أَشْعَارُهُ الْمُتَوَاتِرَةُ فِي الْإيمَانِ بِنُبُوَّةِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ)، وَالَّتِي مِنْهَا:
۱ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّا وَجَدْنا مُحَمَّدًا*** نَبِيَّاً كَمُوسَى خُطَّ فِي أَوَّلِ الْكُتُبِ
۲ نَبِيٌّ أَتَاهُ الْوَحْيُّ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ*** وَمَنْ قَالَ لَا يَقرَعُ بِهَا سِنَّ نَادِمِ
3 يَا شَاهِدَ اللهِ عَلَيّ فاشهدِ*** إنّي عَلَى دِينِ النَّبِيِّ أَحَمْدِ
4 يَا شَاهِدَ الْوَحْيّ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ*** إنّي عَلَى دِينِ النَّبِيِّ أَحَمْدِ
5 أَنْتَ الرَّسُولُ رَسُولُ اللهِ نَعْلَمُهُ*** عَلَيْكَ نُزِّلَ مِنْ ذِي الْعِزَّةِ الْكُتُبُ
وَغَيْرُهَا كَثيرٌ كثير..
وَأَيْضًا لِما وَرَدَنَا عَنْهُ صَرَاحَةً بِأَنَّهُ كَانَ يَتَعَامَلُ بِالتَّقِيَّةِ مَعَ قُرَيْشٍ فِي مَوْضُوعِ إعْلَانِ إِسْلَامِهِ، فَقَدْ نَقَلَ الْحَلَبِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ سَيْرَتِهِ مِنْ وَصِيَّتِهِ الَّتِي جَاءَ فِيهَا:( وإِنِّي أُوصِيكُمْ بِمُحَمَّدٍ خَيْرًا فَإِنَّهُ الْأَمينُ فِي قُرَيْشٍ اي وَهُوَ الصَّدِيقُ فِي الْعَرَبِ وَهُوَ الْجَامِعُ لِكُلِّ مَا أُوصِيكُمْ بِهِ وَقَدْ جَاءَ بِأَمْرٍ قَبِلَهُ اُلْجِنانُ وَأَنْكَرَهُ اللِّسَانُ مَخَافَةَ الشَّنَآنِ أَي الْبُغْضِ وَهُوَ لُغَةٌ فِي الشَّنَآنِ وَأيِّمِّ اللهِ كَأَنِّي أَنَظُرُ إِلَى صَعَالِيكِ الْعَرَبِ وَأهْلِ الْبِرِّ فِي الْأَطْرَافِ وَالْمُسْتَضْعِفِينَ مِنَ النَّاسِ قَدْ أَجَابُوا دَعْوَتَهُ وَصَدَّقُوا كَلِمَتَهُ وَعَظَّمُوا أَمْرَهُ فَخَاضَ بِهِمْ غَمَراتِ الْمَوْتِ فَصَارَتْ رُؤَسَاءُ قُرَيْشٍ وَصَنَادِيدُهَا أَذْنَابًا وَدُورُهَا خَرَابًا وضُعفاؤُها أَرَبَابًا وَإِذَا أَعْظَمُهمْ عَلَيْهِ أَحْوَجُهُمْ إِلَيْهِ وَأَبْعَدُهُمْ مِنْهُ أَحْظَاهُمْ عِنْدَهُ قَدْ مَحَضَتْهُ الْعَرَبُ وِدَادَهَا وَأَعْطَتْهُ قِيَادَهَا دونَكُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ كُونُوا لَهُ وُلَاةً وَلِحِزبهِ حُمَاةً وَاللهِ لَا يَسْلُكُ أحَدٌ مِنْكُمْ سَبِيلَهُ إِلَّا رَشَدَ وَلَا يَأْخُذُ أحَدٌ بِهَدْيِهِ إِلَّا سَعِدَ).
اِنْتَهَى[ السِّيرَةُ الْحَلَبِيَّةُ 2: 50، تَارِيخُ الْخَمِيسِ 1: 339، السّيرَةُ لِزَيْنِي دَحلَانِ هَامِشُ الْحَلَبِيَّةِ 1: 93، الرَّوْضُ الْآنْفُ لِلسُّهَيْلِيِّ 1: 259]
قالَ السَيِّد زَيْنِي دَحلان : (فَانْظُرْ وَاعْتَبِر أَيُّها الواقِفُ عَلى هٰذِهِ الوَصِيَّةِ كَيْفَ وَقَعَ جَمِيعُ ما قالَهُ أَبُو طالِبٍ بِطْرِيقِ الفَراسَةِ الصّادِقَة الدّالَّةِ عَللى تَصْدِيقِهِ النَبِيّ ) .إنْتَهَى
فَهٰذا التَصْرِيحُ الصَّرِيحُ مِن أَبِي طالِبٍ ساعَةَ موتِهِ (الّتي لَم يَخشَ التَقِيَّةَ فِيها لِأَنَّها ساعَةُ مَوتٍ وَوَداعٍ) بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ بِما جاءَ بِهِ النَبِيُّ مُحَمَّدٌ (صَلّى اللهُ عَلِيهِ وَآلَهِ وَسَلّمَ ) بِقَلْبهِ وَلكنّهُ يُنْكِرُهُ بِلسانهِ حَتَّى لا يَكُونَ مَحَلاً لِبغضِ قُرَيْشٍ ،فَهُو كَآن يَرْجُو مِن كِتْمانهِ لِإِيمانهِ أنْ يَحميَ النَبِيَّ مُحَمَّداً ( صَلّى اللهُ عَليهِ وَآلهِ وَسلّمَ ) مِن بَطْشِ قُرَيْشٍ وَجَبَرُوتهِم ، وَالدَّلِيل أَنَّهُ (ص ) لَمّا فَقَدَ عَمّهُ أَبُو طالِبٍ سَمَّى ذلِكَ العامَ بِعامِ الحُزْنِ وَفَكَّرَ بِالهِجْرَةِ مِنْ مَكَّة لِفُقْدانِ ناصِرِهِ فِيها ، حَتَّى وَرَدَ التَّصْرِيحُ عَنهُ (ص ) : (نالَتْ قُرَيْشٌ مِنّي مِنَ الأَذَى ما لَمْ تَكُنْ تَطمَعُ فِيهِ حَياَة أَبَي طالِبٍ ).
وَأَيْضاً لِما وَرَدَ مِن وَصَيِّتهِ لَأَبْنائِهِ وَبَني هاشِمٍ أنْ يَتْبَعُوا النَبِيَّ (ص ) ، فَقَد أَخرَجَ إبنُ سَعْدٍ فِي " الطَّبَقاتِ الكُبْرى " : (إِنَّ أَبا طالِبٍ دَعا بَني عَبَدَ المُطّلبِ فَقالَ لَن تَزالُوا بِخَيْرٍ ما سَمِعتُم مِنْ مُحَمَّدٍ وَما ٱتَّبَعْتُم أَمرَهُ فَٱتَّبِعُوهُ وأعينوه تَرْشُدُوا ) [ الطَّبَقاتِ الكُبْرى 1: 123]
وَبِهٰذِهِ الوَصِيَّةِ أَثْبَتَ البَرزنجيُّ ( مِنْ عُلَماءِ أَهلِ السُنَّةِ ) إِيمانَ أَبِي طالِبٍ ، حَيْثُ قالَ : (قُلتُ بَعيدٌ جِدّاً أَنْ يَعرِفَ أنَّ الرَّشادَ فِي إتّباعِهِ وَيَأْمُرَ غَيْرَهُ ثَمَّ يَتْرُكُهُ هُو ). ٱِنْتَهَى [أُسَنى المَطالِبِ : 10]
وَأَيْضاً لِلرِّواياتِ المُتظافرَةِ عَن أَئِمَّةِ أَهَلِ البَيْتِ (عَلَيهِمُ السَّلامُ) الّتي تَشْهَدُ بِإِيمانهِ :
قالَ الإِمامُ عَليٌّ (عَليهِ السَّلامُ ): (ما ماتَ أَبُو طالِبٍ حَتَّى أُعْطَى رَسُولَ اللهِ (صَلَى اللهُ عَليهِ وَآلهِ ) مِنْ نَفْسِهِ الرِّضا ) .[ شَرْحُ نَهجِ البَلاغَةِ 14: 71]
وَواضِحٌ أنَّ رَسُولَ اللهِٰ (صَلَى اللهُٰ عَليهِ وَآلهِ ) لا يَرضى إِلّا عَنِ المُؤمِنِيْنَ ، وَقالَ الإِمامُ عَليٌّ (عَليهِ السَّلامُ ): ( كَآن واللهِ أَبُو طالِبٍ عَبدُ مَنافٍ بِنِ عَبدِ المُطَّلبِ مُؤْمِناً مُسْلِماً ، يَكتُمُ إِيمانهُ مَخافَةً عَلى بَني هاشِمٍ أنْ تُنابِذها قُرَيْشٌ ) .[ وَسائِلُ الشِّيعَة 16 : 231]
وَعَنْ أَبِي بَصِيرٍ لَيْثٍ المُرادِيّ : ( قَلْتُ لِأَبي عَبْد اللهِ (عَليهِ السَّلام): سَيِّدي ، إِنَّ النّاسَ يَقُولُونَ : إِنَّ أَبّا طالِبٍ فِي ضَحْضاحٍ مِنْ نارٍ يَغْلِي مِنْه دِماغهُ ! فَقالَ (عَليهِ السَّلامُ ): كَذَبُوا وَاللهِ، إِنَّ إِيمانَ أَبِي طالِبٍ لَو وُضِعَ فِي كَفَّةِ مِيزانٍ وَإِيمانُ هٰذا الخِلَقِ فِي كَفَّةٍ لَرَجَحَ إِيمانُ أَبِي طالِبٍ عَلى إِيمانِهِم .
ثَمَّ قالَ : كَآن واللهِٰ أُمِيرُ المُوْمِنِيْنَ يَأْمُرُ أنْ يُحَجَّ عَنْ أَبِ النَبِيّ وَأُمّهِ (صَلَى اللهُ عَليهِ وَآلهِ ) وَعَن أَبِي طالِبٍ فِي حَياتهِ ، وَلَقدْ أُوَصى فِي وَصِيَّتِهُ بِالحَجِّ عَنهُم بَعْدَ مَماتهِ ) .[ بِحارُ الأَنْوار 35 : 112]
وَعَن مُحَمَّدٍ بِنِ يُونِس ، عَن أَبيهِ ، عَن أَبِي عَبَد اللهِ (عَليهِ السَّلامُ ) أَنَّهُ قالَ : ( يا يُونُس ، ما تَقولُ النّاسُ فِي أَبِي طالِبٍ ؟ قُلْتُ : جُعِلتُ فِداكَ يَقُولونَ : هُوَ فِي ضَحْضاحٍ مِن نارٍ ، وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلانِ مِن نارٍ تَغْلِي مِنهُما أُمُّ رَأْسهِ ! فَقالَ : كَذَبَ أَعْداءُ اللهِ! إِنَّ أَبا طالِبٍ مِن رُفَقاءِ النَّبِيّيْنَ وَالصَّدِّيقيْنَ وَالشُهَداءِ وَالصّالِحِيْنَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ) .[ المَصْدَرُ السّابِق : 111]
وَجاءَ عَنِ الإِمامِ الصّادِق (عَليهِ السَّلامُ ) قَوْلهُ : ( إِنَّ مَثَلَ أَبِي طالِبٍ مَثَلُ أَصْحابِ الكَهْفِ أَسَرُّوا الإِيمانَ وَأَظْهَرُوا الشِّرْكَ، فَآتاهُم اللهُ أَجرَهُم مَرَّتَيْنِ ) .[ الكافِي 1: 448 ]
وَفِي الكافِي الشَّرِيفِ أَيْضاً عَن إِسْحاقِ بِنِ جَعْفَرٍ عَن أَبِيهِ (عَليهِ السَّلامُ) ، قالَ : قَيْل لَهُ : إِنَّهُم يَزْعُمُونَ أنَّ أَبا طالِبٍ كَانَ كافِراً ؟ فَقالَ : كَذَبُوا كَيْفَ يَكُونُ كافِراً وَهُوَ يَقُولُ : أَلَم تُعْلَمُوا أَنّا وَجَدنا مُحمَّداً * نَبِيّاً كَمُوسَى خُطَّ فِي أُوَّلِ الكُتُبِ . [ المَصْدَرُ السّابِقُ ]
وَقَد أَشَرنا فِي مَنْشُورِنا السّابِق إِلَى تَهافُتِ رِواياتِ تَكْفِيرهِ فِي كُتُبِ القَوْم وَكَذِبِها ، مَعَ ذَكرِ المَصادِرِ آلّتي تَعَرَّضَتْ لَها ، فَراجِعْ ثَمَّةَ .
وَدُمتُم سالِمَيْنِ.
اترك تعليق