فتاوى شيعية مسيئة!

السؤال: يتَّهم كثير من المفكرين العلمانيين الإسلام ورجاله، بأنهم يسيئون للطفولة، بفتاويهم الغريبة على العقل، وغير السَّوية أخلاقياً! مثال ذلك: ما ذكره السيد الخميني بتحرير الوسيلة: «لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواماً كان النكاح أو منقطعاً. وأما سائر الاستمتاعات ـ كاللَّمس بشهوة، والضمِّ، والتفخيذ ـ فلا بأس بها، حتى في الرضيعة». والمرجع الخوئي أيضاً، أفتى بـ«وأما الاستمتاع ـ بما عدا الوطء ـ من النظر، واللَّمس بشهوة، والضمِّ، والتفخيذ، فجائز في الجميع، ولو في الرضيعة». هل التمسُّك بهذه الفتاوى الآن جائز؟ أم تعديلها أمر واجب؟ #

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

{الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}

[أولاً] هذي المسألة فقهية بحتة، ذكرها الفقهاء في كتبهم الفتوائية، ولها شرح استدلالي مفصَّل للمختصِّين.

وممَّن ذكرها من الشيعة:

• السيد الخميني في تحرير الوسيلة: ج٢ ص٢٤١ م١٢، بنفس العبارة المنقولة في السؤال.

• السيد اليزدي في العروة الوثقى: ج٥ ص٥٠٢، بنفس العبارة المنقولة في السؤال، والمنسوبة خطأ للسيد الخوئي، باعتباره نقلها في شرحه على العروة الوثقى، كما في كتاب النكاح: ج١ ص١٥٣ م١، وكتاب المباني: ج٢ ص١٢٥ م٣٦٩٤-١.

وممَّن ذكرها من السُّنة:

• ابن قدامة في المغني: ج١١ ص٢٧٦، قال: «فأما الصغيرة التي لا يوطأ مثلها: فظاهر كلام الخرقي تحريم قُبلتها، ومباشرتها لشهوة، قبل استبرائها. وهو ظاهر كلام أحمد، في أكثر الروايات عنه، قال: تُستبرأ، وإن كانت في المَهْدِ. ورُوِي عنه أنه قال: إن كانت صغيرة بأيِّ شيء تُستبرأ إذا كانت رضيعة؟! وقال في رواية أخرى: تُستبرأ بحيضة إن كانت تحيض، وإلا بثلاثة أشهر إن كانت ممَّن تُوطأ وتحبَل. فظاهر هذا: أنه لا يجب استبراؤها، ولا تحرُم مباشرتها. وهذا اختيار ابن أبي موسى، وقول مالك، وهو الصحيح؛ لأن سبب الإباحة متحقق، وليس على تحريمها دليل، فإنه لا نصَّ فيه، ولا معنى نص؛ لأن تحريم مباشرة الكبيرة، إنما كان لكونه داعياً إلى الوطء المحرَّم، أو خشية أن تكون أمَّ ولد لغيره. ولا يُتوهم هذا في هذه، فوجب العمل بمقتضى الإباحة».

[ثانياً] المراد من هذه المسألة عند الشيعة: هو أنه لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمالها تسع سنين، سواء أكانت الزوجة دائمة أم منقطعة، لورود النهي عن وطء الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين. وأما سائر الاستمتاعات فهي جائزة، لعموم ما دلَّ على جواز الاستمتاع بالزوجة، ولا مخصِّص له في البين يدلُّ على الحرمة.

جواهر الكلام للنجفي: ج٢٩ ص٤١٦ م٦، والنكاح للخوئي: ج١ ص١٥٥ م١، والمباني للخوئي: ج٢ ص١٢٦ م٣٦٩٤-١.

ثم إنَّنا لم نسمع برجل سويٍّ متَّزن استمتع برضيعة! وإن كان جائزاً بحدِّ ذاته، فليس كل جائز يُفعل. هذا لا يحصل عادة في المجتمعات الإسلامية، ولو حصل فهو شاذ نادر جداً، ما يقاس عليه، ولا يُلتفت إليه.

كمثل دخول رجُل إلى المحافل العامة بملابسه الداخلية! هذا في نفسه جائز، ولكنه مستهجَن جداً في المجتمعات الإسلامية، ويعتبرونه من خوارم المروءة ونواقض الآداب، لا يفعله إلا السَّفلة والسَّفهة من الناس.

وهذه المسألة تُذكر بكتب الفقه على نحو الفرضية، بغضِّ النظر عن وقوعها أو عدم وقوعها، فتلك مسألة أخرى.

وهي من علامات حيوية الفقه الإسلامي، وقدرته الفائقة على تلبية احتياجات الإنسان في كل زمان ومكان، وإجابة أسئلته ـ الواقعية والفرضية ـ من صميم أصوله الفكرية، لا عبر استيراد أجوبة هَجِينة من ثقافات أجنبية.

[ثالثاً] مصادر التشريع لدى الشيعة تنحصر في أربعة:

١- القرآن.

٢- السُّنة.

٣- الإجماع.

٤- العقل.

مصادر الفقه الإسلامي ومنابعه للسبحاني: ف١ ص٩.

وليس من بينها استهجان الآخرين، فإن استهجانهم ـ بأيِّ عنوان كان ـ لا يحرِّم حلالاً، ولا يحلِّل حراماً. فلا معنى بتاتاً لتعديل الأحكام الشرعية لإرضاء أهواء هؤلاء، بل هذا من المنهي عنه في الدِّين، لأنه افتراء على الله ..

• قال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس ١٥].

• وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس ٥٩].

[رابعاً] حسب مبدأ النِّسبية الأخلاقية الذي يلتزم به أغلبية هؤلاء ـ بأيِّ معنى فلسفي فُرضت النِّسبية ـ لا يحق لهم أن ينتقدوا المنظومات الأخلاقية المختلفة عنهم. وتجربتُهم تخصُّهم وحدهم ولا تعني غيرهم بشيء، وهي غير صالحة لمحاكمة الآخرين على أساسها، لأن رؤيتهم القِيَمِية نِسبية لا مطلقة كما يقولون .. فلِمَ يتناقضون مع مبدئهم هذا؟!

ثم بدل رفع الشعارات الفارغة، وإطلاق الاتهامات التافهة، فليتوجَّهوا بالانتقاد لظواهر الشذوذ الجنسي: من جَنْدَرِيَّة ومِثْلِيَّة وتَشَهِّي الأطفال، وفرضِها على الناس بقوة القانون، ومحاولة تَطْبِيعِها وعَوْلَمَتِها بمختلف الوسائل الشيطانية!

إن كانوا صادقين في زعمهم، ولا يكيلون بمكيالين!