الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر!
السؤال: يدّعي القرآن بأنّ الصلاة بشكلها الإسلاميّ تنهى عن الفحشاء والمنكر، لكنّ الواقع أثبت بأنّ العبادات والطقوس المفروضة لا تُنشئ بالضرورة مجتمعات فاضلة، بل تُنشئ مجتمعات منافقة، ظاهرها التديّن وباطنها الفحشاء. ها هي بعض الإحصائيّات أمامكم لتروا بأنفسكم بأنّ الصلاة والصوم رغم أنّهما من أركان الإسلام لكن لم يصلحا من أحوال المجتمعات الإسلاميّة في أيّ شيء!
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ما هو الشكل الإسلاميُّ للصلاة؟
هل هو مجرَّد هذه الحركات من الركوع والسجود ونحوهما، أم هي شيءٌ آخر وراء ذلك؟
وأيُّهما أراد القرآن منهما؟
ينبغي أن نفرّق بين أمرين: الصلاة المجزية والصلاة المقبولة.
ولكن دعني أضرب لك بعصا التقريب هذا المثل.
يدخل المدرّس إلى الصفّ فيطلب من طلابه أن يكتبوا واجباً معيَّناً، وفي اليوم التالي يأتي بعض الطلبة الكسولين وهم لم يكتبوا الواجب.
ويأتي صنفٌ آخر كتب واجبه ولكن من غير عناية واهتمام، مجرَّد كتابة.
والصنف الثالث يكتب الواجب ويلوّنه بالقلم الأزرق والأخضر ويخطط الورقة، ويكتب عناوين البحث بالأحمر وهكذا.
لا ريب أنَّه يحقُّ للمدرس أن يعاقب الصنف الأول وهم الكسالى من الطلبة، وهذا من حقّ المدرس على التلاميذ أن يؤاخذهم بالعقوبة.
وليس له الحق في معاقبة الصنف الثاني الذين كتبوا الواجب من دون اهتمامٍ به، مجرَّد كتابة لإسقاط الفرض لا أكثر.
أمّا الصنف الثالث فهم لا يُعاقبون، ويستحقون علاوةً على ذلك الدرجة العالية لأنهم كتبوا واجباتهم بروح واهتمام.
فتركُ الواجب عصيان، وإتيانه من غير شرائطه وآدابه إجزاء، وإتيانه بكمال آدابه وشرائطه وأجزائه يوجب القبول.
كذلك الصلاة.
لا كلام فيمن لم يُصلّها، إنّما الكلام فيمن أتى بها لمجرَّد إسقاط الفرض، وهذا لن يسأله الله تعالى يوم القيامة: لِمَ لم تصلّ؟
أمّا الثالث الذي أتى بها على أحسن وجهٍ وأكمله فذاك الذي يُثاب على صلاته؛ لأنّها وصلت إلى مرحلة القبول.
وفي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام إنه قال : الصلاة عمود الدين، مثلها كمثل عمود الفسطاط، إذا ثبت العمود ثبت الأوتاد والأطناب، وإذا مال العمود وانكسر لم يثبت وتدٌ ولا طنب. [وسائل الشيعة: 4 / 27]
فالصلاة التي يتكلَّم عنها الإمام هي الصلاة المقبولة، وهي التي يترتَّب عليها الأثر على نحو المقتضي لا انّها علَّةٌ تامَّةٌ للنَّهي عن الفحشاء والمنكر كما توهَّم المستشكل.
وذلك نظير قول صاحب محطّة الوقود: لا تشعل السيكار فإنّ ذلك سببٌ للاحتراق.
وليس المراد أنّه إذا أشعلت السيكار فإن الاحتراق متحققٌ فعلاً، بل مراده أنه سببٌ مع شرائط عدَّة للاحتراق.
وكذلك الصلاة فإنها سببٌ ضمن منظومة أسبابٍ إذا اجتمعت تحقّق النَّهي عن الفحشاء والمنكر، لا أنها علَّة تامَّة له.
لذلك القرآن الكريم يحذر من تلك الصلاة التي لا روح فيها ولا توجّه؛ لأنَّها لن تؤدّي الغرض المقصود منها، فقال تعالى: - فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ - [الماعون 4 - 5]
وإنّما كان الويل لهم وهي كلمة تهديد لأنّهم سهوا عن الصلاة، فلم يَصِلُوا إلى حقيقتها، ولم تؤثّر الأثر المرجوَّ منها وهو كونها تنهى عن الفحشاء والمنكر.
وبيَّن أنّ الفلاح متوقفٌ على الخشوع فيها، قال تعالى: - قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ - [المؤمنون 1 و 2]
فإنّ (في) للظرفية وتعني الخشوع في الصلاة، وهو الذي يؤثّر أثره الذي يدركه حتى الكافرون كما في كريمة قوله تعالى: - قَالُواْ يَٰشُعَيْبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِىٓ أَمْوَٰلِنَا مَا نَشَٰٓؤُاْ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ
فهم أدركوا أنّ أمر نبيّ الله شعيب بالمعروف ونهيه عن المنكر كان بسبب الصلاة.
فليس القرآن من يقول ذلك بل الكافرون كذلك، فإن كنت تؤمن بالقرآن فكفى بقوله حجَّة وإن كنت تؤمن بالكافرين فهاهم يقولون لك إنّ صلاة شعيب هي من تجعله ينهى عن الفحشاء والمنكر.
وعليه فالعيب ليس في الصلاة بل في المصلي الذي لا يدري أنّ كتاب الألفية في فقه الصلاة اليوميّة مشتملةٌ على ألف واجب في الصلاة للشيخ أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن مكي الشامي العاملي الجزيني الشهيد سنة (786 ه)، ويراد بها آداب الصلاة وقليلٌ من يعمل بها وبغيرها.
اترك تعليق