لماذا أكثر أهل القيامة في النار؟

الإجابة:

لا يوجد في النصوص الإسلامية إشارة ما إلى نسبة محدّدة مسبقاً لمن يدخل النار ، أو لمن يدخل الجنّة، وإنّما الأمر معلّق على ما يفعله الإنسان في هذه الحياة الدنيا.

وبمعنى آخر: رسمت النصوص الإسلاميّة مجموعة من المحدّدات التي بموجبها يستحقّ أهلُ الجنّةِ الجنّةَ ويستحقّ أهلُ النار النارَ، قال تعالى: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾، وفي الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: كلّكم يدخلون الجنّة إلّا مِنْ شرد على الله شراد البعير على أهله. (ميزان الحكمة، ج1 ص436)

فالجنّة والنار وضعتا نتيجةً لعمل الإنسان في الدنيا، وبالتالي هي استحقاق لما كسبه الإنسان بيداه من خير أو شرّ، قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾، فالابتعاد عن النار أو الاقتراب منها مرتبط بابتعاد الإنسان وقربه من الكفر والإيمان، ولا علاقة لذلك بحكم إلهي مسبق بنسبة من يدخل النار أو الجنّة، فإنْ تحقّق وكان بالفعل أكثر أهل القيامة في النار فإنّ ذلك يعود إلى انحراف الأكثريّة عن الحقّ في الدنيا، ولا يجوز حينها الاعتراض أو الاستغراب أو الحيرة في تفسير ذلك.

فليس من الحِكمة ولا من العدل أن يُساوى يوم القيامة بين المحسنين والمسيئين، قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾، وقال: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾، وقال: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ﴾.

وعليه: فليس هناك حيرة أو استغراب فيما يتعلّق بمصير الناس يوم القيامة، فالمعادلة التي تقسّم الناس بين أهل الجنّة وأهل النار هي القاعدة التي تقول: كلّ من يعمل بعمل أهل الجنّة يدخل الجنّة، وكلّ من يعمل بعمل أهل النار يدخل النار، وبذلك يصبح الإنسان هو المسؤول عن مصيره في الآخرة، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾، وقال عن أهل النار: ﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ)، وقال: ﴿بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.

مع أنّ هذه المعادلة كافية في إقامة الحجّة على العباد إلّا أنّ الله عزّ وجلّ برحمته وسّع في دخول الجنّة، وضيّق في دخول النار، فأرسل لعباده الأنبياء والرسل (عليهم السلام)، ليبشّروهم بالجنّة ويحذّروهم من النار، ودعاهم إلى رحمته، وحبّب إليهم الإيمان وزيّنه في قلوبهم، قال تعالى: ﴿وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾

ومن مظاهر رحمة الله تعالى بعباده أنْ جعل لهم الحسنة بعشرة أمثالها وجعل السيّئة بواحدة، قال تعالى: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾، وقال تعالى: ﴿ إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ﴾، وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: ما ظنّك بالرؤوف الرحيم الذي يتودّد إلى من يؤذيه بأوليائه، فكيف بمن يؤذى فيه، وما ظنّك بالتوابّ الرحيم الذي يتوب على من يعاديه، فكيف بمن يترضّاه ويختار عداوة الخلق فيه. [تحف العقول، لابن شعبة، ص399].

فكيف بعد ذلك يُفكّر العاقل في النار، وقد فتح الله تعالى له أبواب الجنّة ويسّر له دخولها، فالله جلّ جلاله خلق الجنّة لجميع خلقه، والشقيّ هو مَنْ يُعرض عنها ويتولّى، قال تعالى:﴿(فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّىٰ * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ * وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى﴾

فالذي يوجب الاستغراب هو كيف يعرض الإنسان عن كلّ أبواب الرحمة التي فتحها الله تعالى له ويختار لنفسه نار جهنّم؟ وقد خاطب الله تعالى العاصين والمذنبين بقوله: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾، ويقول الإمام عليّ (عليه السلام): دخول الجنّة رخيص، ودخول النار غال. [أعلام الدين للديلميّ، ص186].

وهل يجوز بعد ذلك أن يحتار الإنسان ويستغرب في مصير من ترك هدى الله تعالى واتبع إبليس؟ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سبأ: 20].