هل غيبة الإمام يعني خلو الأرض من الحجة؟
السؤال: الشيعة يقولون لا يمكن أن الله يخلي الأرض من حجة.. رغم ذلك يقولون أن المهدي غيبه الله ليختبر الناس! لماذا قلتم إذن أن الله لا يمكن أن يترك الناس دون حجة ؟ ما هو ردكم على هذه الشبهة؟
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أوّلاً: قول الشيعة: « أنّ الله لا يخلي الأرض من حجّة » مستندٌ إلى الأحاديث المستفيضة بل المتواترة عن المعصومين (عليهم السلام)، وقد جمعها العلّامة المجلسيّ من المصادر في « باب الاضطرار إلى الحجّة وأنّ الأرض لا تخلو من حجّة »، ونقل فيه 118 حديثاً [ينظر بحار الأنوار ج23 ص1-56].
وقد بيّنت جملة من الأحاديث أنّ (الحجّة) أعمّ من الظاهر والغائب؛ وذلك أنّ كون الحجّة غائباً مستتراً يعني أنّه موجود على الأرض، غاية الأمر أنّ الناس لا يَصِلُون إليه ولا يعرفونه، لا أنّ غيابه يعني أنّ الأرض خلَت منه.
نكتفي في المقام بذكر حديث واحد، مرويّ بطرقٍ كثيرة عن كميل بن زياد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) – في كلام طويل -: « اللهمّ بلى، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة: إمّا ظاهراً مشهوراً، أو خافياً [خائفاً أو مستتراً] مغموراً، لئلّا تبطل حجج الله وبيناته » [نهج البلاغة ج4 ص37، الخصال ص187، كمال الدين ص289-294، الغيبة ص32، الأمالي للمفيد ص250، الأمالي للطوسي ص21، الغارات ج1 ص153، المعيار والموازنة ص81، تذكرة الحفاظ ج1 ص12، التذكرة الحمدونية ج1 ص68، وغيرها].
ثانياً: غيبة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) لا تساوق خلوّ الأرض من الحجّة؛ وذلك أنّ غيبة الإمام لا تعني خروجه عن هذا العالم واستقراره في عالمٍ آخر، بل غيبته هي غيبة الهويّة، بمعنى أنّه يعيش بين الناس، لكنّهم لا يعرفون أنّه الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، كما أوضحناه في أجوبة سابقة.
روى الشيخ الصدوق بسند صحيح عن السفير محمّد بن عثمان العمريّ (رضي الله عنه): «واللهِ إنَّ صاحبَ هذا الأمرِ ليحضرُ الموسمَ كلَّ سنةٍ، فيرى الناسَ ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونَه » [كمال الدين ص440].
وقد ورد في الأحاديث أنّ في القائم (عليه السلام) شبهاً من يوسف (عليه السلام) وذلك أنّ إخوته تعاملوا معه حال كونه عزيز مصر ولم يعرفوه حتّى عرَّفهم نفسه، عن الإمام الصادق (عليه السلام): « إنّ إخوةَ يوسف (عليهِ السلام) كانوا أسباطاً أولادَ الأنبياء تاجروا يوسف، وبايعوهُ وخاطبوه، وهُم إخوتُه، وهوَ أخوهم، فلم يعرفوهُ حتّى قال: أنا يوسف، وهذا أخي، فما تنكرُ هذهِ الأمّةُ الملعونةُ أن يفعلَ الله (عزَّ وجلّ) بحُجّتِه في وقتٍ منَ الأوقاتِ كما فعلَ بيوسف » [الكافي ج1 ص336، الإمامة والتبصرة ص121، الغيبة ص166، علل الشرائع ج1 ص244، كمال الدين ص341، دلائل الإمامة ص531].
فغيبة الإمام المهدي (عليه السلام) لا تعني خلوّ الأرض من الحجّة الإلهيّة، بل هو يعيش بين الناس ومعهم ويشهد موسم الحجّ كلّ عام، يراهم ويرونه ولكن لا يعرفونه.
اترك تعليق