هل حج الشيعة باطل بسبب غيبة الإمام؟
الإمام يقول بعد الحج واجب على المسلمين أن يعرضوا دينهم على الإمام: س¹ اين الإمام الذي اعرض عليه ديني؟ س² هل حج الشيعة باطل بانتفاء وجود الإمام؟ يلزم من ذلك؛ إما أن استمرار قاعدة اللطف في الإمامة خرافة وكذبة شيعية، وأن حج الشيعة متوقف، فيكون كل حج بعد الغيبة باطل الى حين ظهور الإمام لكي يتموا المناسك بعرض دينهم عليه.
الجواب:
الظاهر من صيغة الاسئلة إن السائل لم يكن في مقام الاستفسار والاستيضاح وإنما في مقام الاعتراض والنقض، ويبدو أنه قد وصل إلى سمعه بعض المعلومات التي لم يستوثق منها أو لم يفهم معناها، حيث بدأ كلامه بالقول: «الإمام يقول بعد الحج واجب على المسلمين أن يعرضوا دينهم على الإمام» وبعبارة أكثر وضوحاً: إن الحج الواجب عند الشيعة لا يكتمل إلا بعرض الحاج دينه على الإمام، ثم أرسل السائل هذه المقولة إرسال المسلمات ليستنتج في خاتمة المطاف أن الشيعة بين خيارين؛ الأول: أن يَحكُموا ببطلانِ حجَهم في عصر الغيبة لعدم تمكنهم من عرض دينهم على الإمام. والثاني: أن تكون قاعدة اللطف التي تقوم عليها الإمامة فكرة باطلة من الأساس.
وللتعليق على ذلك نذكر مجموعة من النقاط:
أولاً: ليس هناك نقاش أو خلاف حول وجوب الحج في عصر الغيبة على كل من تحققت فيه شروط الحج، ففي مقدمة كتاب مناسك الحج للمرجع السيد السيستاني: «يجب الحجّ على كلّ مكلّف جامع للشرائط، ووجوبه ثابت بالكتاب والسنة القطعية. والحجّ ركن من أركان الدين، ووجوبه من الضروريات، وتركه ــ مع الاعتراف بثبوته ــ معصية كبيرة، كما أن إنكار أصل الفريضة ــ إذا لم يكن مستنداً إلى شبهة ــ كفر. قال الله تعالى في كتابه المجيد: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حجّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ومَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ).
وروى الشيخ الكليني ــ بطريق معتبر ــ عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «من مات ولم يحجّ حجّة الإسلام، لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق فيه الحجّ، أو سلطان يمنعه، فليمت يهودياً أو نصرانياً». وهناك روايات كثيرة تدل على وجوب الحجّ والاهتمام به لم نتعرّض لها طلباً للاختصار، وفيما ذكرناه من الآية الكريمة والرواية كفاية للمراد. واعلم أن الحجّ الواجب على المكلّف ــ في أصل الشرع ــ إنما هو مرّة واحدة، ويسمّى ذلك بـ«حجّة الإسلام».
ثانياً: شروط وجوب الحج عند الشيعة هي البلوغ، والعقل، والحرية، والاستطاعة، فكل من اجتمعت فيه هذا الشروط وجبت عليه حجة الإسلام، ولا وجود لأي شرط إضافي كما زعم السائل بأن الوجوب لا يتحقق إلا بعرض الدين على الإمام، فمثل هذا الشرط لا وجود له على الاطلاق في أي كتاب من كتب الشيعة.
ثالثاً: اشارت آيات سورة الحج إلى بعض الحِكم التي تتحقق للحاج من حجه، ومن ذلك أن الحاج يشهد منافع له في الحج، يقول تعالى: (لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)، الحج: 29، ومع أن الآية نصت على ذلك إلا أنه لم يقل أحد بأن شهود المنافع شرط في وجوب الحج، فكل ما في الأمر أنه من الآثار الإيجابية المترتبة على الحج، فيمكن للحاج أن يقصد الحج حتى لو لم يكن في نيته تحصيل تلك المنافع، والحال نفسه في رؤية الإمام في الحج، فمن تلك المنافع التي يشهدها الحاج هي رؤية الإمام، فالحج هو المكان الذي يجتمع في المسلمين من مناطق مختلفة، وبالتالي يُعد فرصة لرؤية الإمام لمن لا يعيش معه في نفس المكان، ولذا نجد بعض الروايات فسرت قوله تعالى: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) برؤية إمامهم، فعن عبد الله بن سنان عن ذريح المحاربي قال: « قلت لأبي عبد الله عليه السلام قوله تعالى (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم) قال: هو لقاء الإمام عليه السلام»، (جامع أحاديث الشيعة ج12 ص 156).
ولم تحصر الروايات معنى (ليقضوا تفثهم) في (رؤية الإمام) وإنما جعلتها واحدة من مصاديق ذلك، ولذا فسرت روايات أخرى كثيرة (ليقضوا تفثهم) بمعاني أخرى، فمثلاً عن أبان عن زرارة عن حمران عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل (ثم ليقضوا تفثهم)، «قال التفث حفوف الرجل من الطيب فإذا قضى نسكه حل له الطيب». حيث فسرت هذه الرواية ليقضوا تفثهم بالتطيب بعد إتمام نسك الحج. وفي رواية خرى قال: «ومن التفث أن تتكلم في إحرامك بكلام قبيح فإذا دخلت مكة فطفت بالبيت وتكلمت بكلام طيب كان ذلك كفارته».
وفسرته روايات أخرى بحف الشارب والرأس وغير ذلك، وكل ذلك يعني أن هناك مصاديق متعددة تندرج تحت قوله (ليقضوا تفثهم) من بينها رؤية الإمام. ففي الحديث عن عبد الله بن سنان قال: فأتيت أبا عبد الله عليه السلام فقلت: «جعلت فداك قول الله عز وجل (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم)، قال: أخذ الشارب وقص الأظفار وما أشبه ذلك. قال: قلت جعلت فداك إن ذريح المحاربي حدثني عنك بأنك قلت له (ليقضوا تفثهم) لقاء الامام (وليوفوا نذورهم) تلك المناسك. فقال: صدق ذريح وصدقت إن للقرآن ظاهراً وباطناً ومن يحتمل ما يحتمل ذريح» (جامع أحاديث الشيعة ج12 ص 156).
أربعاً: ثبت مما تقدم إن الروايات دلت فقط على رؤية الإمام في الحج، وليس فيها ما يدل على ضرورة عرض الحاج دينه على الإمام كما افترض السائل، كما أنها لم تجعل الرؤية شرط في قبول الحج أو عدم قبوله، وعليه يظهر من ذلك إن الروايات ناظرة إلى واحدة من منافع الحج وهي رؤية الإمام، والمقدار المتيقن هو ظهور الروايات في رؤية الإمام وقت حضوره وليس في وقت غيبته، ولا يمنع ذلك من أن الشيعي يقصد الحج وهو على أمل أن يحظى برؤية صاحب العصر والزمان، إلا أن ذلك لا علاقة له من بعيد أو قريب بصحة الحج وفساده.
خامساً: إما في ما يتعلق بقاعدة اللطف فننصح السائل بمراجعة اجابة سابقة تم نشرها في موقعنا على هذا الرابط https://alrasd.net/arabic/islamicheritagee/3248 حتى يُكَون مفهوم أولي عن هذه القاعدة.
اترك تعليق