ما الذي سيتغير إذا حكم أمير المؤمنين بعد رسول الله؟

يسأل البعض ماذا يحصل لو حكم أمير المؤمنين صلوات الله عليه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله مباشرة.. هل كانت حال الأمة سيتغير نحو الافضل؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

الاجابة على مثل هذه الاسئلة تكون اجتهادية تخمينية بالضرورة؛ وذلك لأنها تحكي عن شيء نفترض حدوثه وهو لم يحدث بعد، فمهما كانت تصوراتنا دقيقة فهي لا تخرج عن كونها محض افتراض لا يمكن الجزم بصحته، ويبدو أن السبيل الوحيد لتصور واقع نفترض حدوثه، طريقان، الأول هو دراسة العلاقة المنطقية بين السبب والمسبب، فمثلاً يمكننا أن نتصور الحال الذي سيكون عليه المريض إذا افترضنا تناوله للدواء أو افترضنا عدم تناوله له، وكذلك يمكننا أن نتصور الحال الذي ستكون عليه المباني والبيوت إذا افترضنا حدوث زلزال أو اشتعال حرب مدمرة، وهذه النماذج البسيطة يمكن أن تتطور في نماذج وامثلة اكثر تعقيداً، فتطور العلوم البشرية يعود بشكل أو باخر لهذه القدرة التنبئية.

إلا أن المفارقة تكمن في أن الأمور المادية خاضعة لعلاقات ضرورية بين الاسباب والمسببات، وهو خلاف ما عليه الفعل الإرادي للإنسان، فالسلوك الإنساني غير خاضع لمعادلات رياضية، ولذا من الصعب التنبؤ بما يمكن أن يكون عليه حاله إذا تغيرت ظروفه، فالخيارات دائماً تظل مفتوحة، فمثلاً لو افترضنا تطبيق نظرية اقتصادية على دولة فإن ذلك سيحقق انتعاش اقتصادي، فإن هذه الفرضية ستظل في دائرة الاحتمال الذي لا يمكن الجزم بتحققه، وينطبق هذا الامر ايضاً على السياسة والاجتماع وجميع ما له علاقة بإرادة الإنسان.

وهنا يأتي الدور للطريق الثاني وهو ما نريد التأكيد عليه في هذه المقدمة، وهو أن التنبؤ بما يكون عليه حال البشرية في المستقبل من الأمور الغيبية، والسبيل الوحيد لمعرفة ذلك هو فقط ما أخبرت به النصوص الدينية، فبالمقدار الذي تحدثت عنه النصوص يمكننا معرفة ذلك والجزم به، ومن أمثلة ذلك النصوص التي تحدثت عن ظهور الإمام المهدي وما يكون عليه حال الأرض بعد ظهوره، فمن خلال هذه النصوص يمكننا الجزم بأن الأرض سيرثها الصالحون وإنها ستملأ قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً.

وعليه حتى نتمكن من رسم تصور عام لما ستؤول إليه الأمة الإسلامية في حال عاد الأمر إلى الأئمة الذين أمر الله باتباعهم، لابد من الوقوف أولاً على القاعدة العامة التي تحكم سنن الحياة، ويمكن إيجاز تلك القاعدة بالقول إن الله خيّر الإنسان بين اتباع أمره أو اتباع هوى نفسه، وفي ذلك يقول تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)، الإنسان: 3، ويترتب على هذين الخيارين أمور لها علاقة بالآخرة وأمور لها علاقة بالدنيا:

ففي الآخرة تقول بقية الآيات: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا * إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا)، الانسان: 5.

أما ما يترتب على هذين الخيارين في الدنيا فقد أشارت إليه آيات كثيرة، ومن ذلك قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، الأعراف: 96، وقوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ)، المائدة: 66، ويقول تعالى: (وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا)، الجن: 16.

وكل هذه الآيات وغيرها تخبرنا عما يمكن أن يكون عليه حال البشرية إذا التزمت حقيقةً بما أمر الله تعالى به، وبما أن ذلك لم يحصل فحينها يتحمل الإنسان كل ما يصيبه من ظلم وويلات، يقول تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، الروم: 41، ويقول أيضاً: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)، الشورى: 30.

وعليه كل ما أصاب الامة الإسلامية من ظلم وفساد هو بسبب ابتعادها عن أمر الله وإرادته، فلم تكتفي الأمة بإزالة أهل البيت (عليهم السلام) عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها، وإنما وقفت مع طواغيت الأمة من أمثال بني أمية وبني العباس وحاربتهم حتى قتلتهم إمام بعد إمام ولم يبقى إلا الإمام الحجة الذي حفظه الله لكي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، فلو أن الأمة سلمت لولاة الأمر الذين أمر الله بطاعتهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم.

وقد اشار سلمان الفارسي لذلك في خطابه عندما انقلبت الأمة على أمير المؤمنين حيث قال: «الحمد لله الذي هداني لدينه بعد جحودي له، إذ أنا مذكي لنار الكفر، أهل لها نصيباً، وأتيت لها رزقاً حتى ألقى الله عز وجل في قلبي حب تهامه، فخرجت جائعاً ظمآن قد طردني قومي وأُخرجت من مالي ولا حمولة تحملني، ولا متاع يجهزني، ولا مال يقويني، وكان من شأني ما قد كان، حتى أتيتَ محمداً (صلى الله عليه وآله) فعرفت من العرفان ما كنت أعلمه، ورأيت من العلامة ما خُبرتُ بها فأنقذني به من النار، فنلتُ من الدنيا على المعرفة التي دخلت عليها في الاسلام، ألا أيها الناس اسمعوا من حديثي ثم إعقلوه عني، قد أوتيت العلم كثيراً، ولو أخبرتكم بكل ما أعلم لقالت طائفةٌ: لمجنون وقالت طائفةٌ أخرى: اللهم اغفر لقاتل سلمان، ألا إن لكم منايا تتبعها بلايا، فإن عند علي (عليه السلام) علم المنايا وعلم الوصايا وفصل الخطاب، على منهاج هارون بن عمران قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): [أنت وصيي وخليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى] ولكنكم أصبتم سنة الأولين، وأخطأتم سبيلكم والذي نفس سلمان بيده لتركبن طبقاً عن طبق، سنةُ بني إسرائيل القذةُ بالقذةِ أما والله لو وليتموها علياً لأكلتم من فوقكم، ومن تحت أرجلكم، فأبشروا بالبلاء واقنطوا من الرخاء...» (بحار الأنوار ج22 ص 387).