قاعدةُ اللّطفِ الربّاني تتحقّقُ بالمعصومِ أو بغيرِ المعصوم كعُلماءِ الدين؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
قاعدةُ اللطفِ في الأساسِ ترتكزُ على التحسينِ والتقبيحِ العقليّين، ولذلكَ تُعدُّ مِن مُختصّاتِ المُعتزلةِ والشيعة، بينَما رفضَها الأشاعرةُ تبعاً لرفضِهم التحسينَ والتقبيحَ العقليّين، وعلى ذلكَ فإنَّ العقلَ يحكمُ بوجوبِ اللطفِ على اللهِ تعالى لكونِه أمراً حسناً، ولا يعني ذلكَ أنَّ العقلَ يُلزِمُ اللهَ بأن يكونَ لطيفاً بعباده، وإنّما يعني أنَّ العقلَ يكشفُ عن كونِ اللهِ بحِكمتِه لا يكونُ إلّا لطيفاً.
وتبيّنَ مِن ذلك أنَّ اللهَ يلطفُ بالمُكلّفِ بحيثُ يكونُ لطفُه سبباً في حصولِ الطاعةِ واجتنابِ المعصية، دونَ أن يؤثّرَ اللطفُ على حُرّيّةِ الاختيارِ عندَ المُكلّف، وقد مثّلوا للطفِ بإرسالِ الأنبياءِ وتنصيبِ الأئمّةِ وبيانِ الشرائع، وقد يشملُ ذلكَ كلَّ ما يعينُ العبدَ على عبادتِه قالَ تعالى: (إيّاكَ نعبدُ وإيّاكَ نستعين) فطلبُ العونِ على العبادةِ يتحقّقُ مِن خلالِ لطفِ الله، ولذا لا يمكنُ للعبدِ أن يستغني عن توفيقِ اللهِ وتسديدِه، وقد قسّموا اللطفَ إلى اللطفِ المُحصّل، وهو الذي بوجودِه يُقدِمُ المُكلّفُ على الطاعةِ باختياره، واللطفِ المُقرِّب، وهو الذي يكونُ معه المُكلّفُ أقربَ إلى فعلِ الطاعة. فإذا علمَ اللهُ أنَّ العبدَ لا يختارُ الطاعةَ أو لا يكونُ أقربَ إليها إلّا عندَ فعلٍ يفعله بهِ لا مشقّةَ عليهِ فيه ولا غضاضة، وجبَ في الحكمةِ أن يفعلهُ، إذ لو أخلّ به لكشفَ ذلكَ عن عدمِ إرادتِه لهذا الفعلِ وهذا نقضٌ للغرض.
وعليه فإنَّ حقيقةَ اللطفِ عامّةٌ تشملُ جميعَ المُكلّفينَ، وقد وظّفَ علماءُ الكلامِ هذهِ الحقيقةَ لإثباتِ كثيرٍ منَ الأمورِ العقائديّة، مثل النبوّةِ والرسالةِ والعصمةِ والإمامةِ ولزومِ الوعدِ والوعيد، لكونِها تقرّبُ الإنسانَ مِن تحقيقِ غايتِه وهي العبادةُ للهِ تعالى، وعلى هذا النحوِ يمكنُ القولُ أنَّ حكمة اللهِ ولُطفَه تقتضي عدمَ حرمانِ الناسِ في عصرِ الغيبةِ منَ المراجعِ والفقهاءِ لتوقّفِ عملِ المُكلّفينَ على وجودِهم.
وفي المُحصّلةِ إنَّ اللطفَ يشملُ المعصومَ وغيرَ المعصوم سواءٌ كانَ مِن عامّةِ الناسِ أو كان منَ العُلماءِ ومراجعِ الدين.
اترك تعليق