هل تزوّجَ رسولُ اللهِ (ص) مُتعة؟ 

من هن زواجات النبي ص في الزواج المؤقت. وهل تزوج الامام علي ع. زواج منقطع؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: زواجُ المُتعةِ زواجٌ شرعيّ صرّحَ بهِ القرآنُ الكريم، و عملَ بهِ صحابةُ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله، وكذلكَ المُسلمونَ سنواتٍ عديدةً حتّى نهى عن ذلكَ عمرُ بنُ الخطّاب وعاقبَ عليه، فخافَ الناسُ وتركوا هذا الزواج، لا لنسخٍ فيه كما يزعمُ كثيرٌ مِن علماءِ العامّة، فقد أخرجَ أحمدُ في مُسندِه وغيرُه عن أبي رجاء عَن عمرانَ بنِ حصين ، قالَ : نزلَت آيةُ المُتعةِ في كتابِ اللهِ وعمِلنا بها مع رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ و آله، فلم تنزِل آيةٌ تمنعُها ، و لم ينهَ عنها النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم حتّى مات.  

وأمّا ما يتعلّقُ بزواجِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ و آله بالزواجِ المُنقطع، فليسَ هناكَ من رواياتٍ أو أحاديث صحيحةٍ وصريحةٍ تبيّنُ ذلك.  

نعم، توجدُ روايتانِ في المقام، إحداهُما: رواها العيّاشيّ والشيخُ المفيدُ (قدّس) في رسالةِ المُتعة، والأخرى رواها الشيخُ الصّدوق (ره) في كتابِه (مَن لا يحضرُه الفقيه)، (ج3/ص466)؛ ولكن كلا الروايتينِ لا ينبغي التعلّقُ بهما في مقامِ إثباتِ هذه الواقعة، وذلكَ لأنّ فيهما إشكالينِ صريحين مِن جهةِ إسنادِهما ومِن جهةِ متنِهما، وهَاكَ بيانَ ذلك:  

فأمّا الروايةُ الأولى فهيَ كما يلي: قالَ الشيخُ المفيد (قدّس): وروى الفضلُ الشيبانيّ بإسنادِه إلى الباقرِ (عليه السّلام) أنّ عبدَ اللهِ بنَ عطاء المكّيّ سألَه عن قولِه تعالى: (وإذ أسرَّ النبيُّ ) الآية ؟ فقالَ: إنّ رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) تزوّجَ بالحرّةِ مُتعةً، فاطّلعَ عليه بعضُ نسائِه فاتّهمَتهُ بالفاحشة، فقالَ: إنّه لي حلال، إنّهُ نكاحٌ بأجل فاكتميه.  

والإشكالُ في إسنادِ هذهِ الروايةِ مِن جهتين: الأولى: أنّ الفضلَ الشيبانيّ لا يُعرَف فهوَ مُهملٌ، أي لم يُترجِمه أحدٌ منَ الرجاليّين، وأغلبُ الظنِّ أنّه مُصحّفٌ عن أبي المُفضّلِ الشيبانيّ، وهو محمّدٌ بنُ عبدِ الله بنِ محمّدٍ بن المطّلب أبو المفضّل الشيبانيّ الذي كانَ كثيرَ الروايةِ ثبتاً في أوّلِ أمرِه، لكنّه اختلطَ وضعّفَعه جماعةٌ مِن أصحابِنا الإماميّةِ كما نقلَ ذلكَ النجاشيّ والطوسيّ في ترجمتِه. والجهةُ الثانية منَ الإشكال: هو أنّ هناكَ إرسالاً في هذه الرواية، لأنّ معنى قوله: روى الفضلُ الشيبانيّ بإسنادِه إلى الباقرِ (ع) يفيدُ أنّ هناكَ إرسالاً ما بينَ الشيبانيّ والباقر (ع)، فتأمّل؟    

وأمّا الروايةُ الثانية للصّدوقِ (ره) التي جاءَ فيها قوله: قالَ الصادقُ (ع) ... إلى آخرِ الحديث، فالإرسالُ فيها أوضح، لأنّهُ بينَ الصدوقِ والصادقِ (ع) أكثرُ مِن طبقةٍ منَ الرّواةِ فهيَ - إذن - روايةٌ مُعضلةٌ، إذ سقطَ من إسنادِها راويانِ وأكثر على حسبِ قواعدِ علمِ الحديثِ والدراية في بابِ الحديثِ المُعضل. هذا ما يتعلّقُ بإسنادِ الرّوايتين.  

وأمّا الإشكالُ في متنِهما: فمِن جهةِ ورودِ الآيةِ (وإذ أسرَّ النبيّ) في صلبِ الرّوايتين، لبيانِ أنّ السرَّ في الآيةِ هو أنّ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله قد تمتّع!! وهذا هوَ محلُّ الإشكالِ، لأنّ جمهورَ الإماميّةِ ومنهُم الشيخُ المُفيد نفسُه الذي روى هذا الخبرَ لا يذهبونَ إلى ذلك، بل يذهبونَ إلى أنّ السرَّ في هذهِ الآيةِ هوَ أمرٌ آخر، وهاكَ بيانَ ذلك:   

جاء في المسائلِ العكبريّةِ للشيخِ المُفيد (قدّس)، ص76: في المسألةِ الثالثةِ والعشرون حينَ سُئلَ عن قولِ اللهِ تعالى: * ( وإذ أسرَّ النبيّ إلى بعضِ أزواجِه حديثاً )، وقالَ: ما كانَ ذلكَ السرُّ ؟  

قالَ المُفيد: والجوابُ عَن ذلكَ: أنّه قد جاءَ في حديثِ الشيعةِ عن جعفرٍ بنِ محمّد عليهما السّلام أنّ السرَّ الذي كانَ مِن رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله إلى بعضِ أزواجِه إخبارُه عائشةَ أنّ اللهَ أوحى إليه أن يستخلفَ أميرَ المؤمنين عليهِ السّلام، وأنّه قد ضاقَ ذرعاً  بذلك ، لعلمِه بما في قلوبِ قريش له منَ البغضاءِ والحسدِ والشنآن ، وأنّه خائفٌ منهم فتنةٌ عاجلةٌ تضرُّ بالدين ، وعاهدَها أن تكتمَ ذلكَ ولا تبديه وتسترَه وتُخفيه، فنقضَت عهدَ اللهِ سُبحانَه عليها في ذلك ، وأذاعَت سرَّه إلى حفصة ، وأمرَتها أن تُعلمَ أباها ليُعلِمَه صاحبُه ، فيأخذُ القومُ لأنفسِهم ويحتالوا في بعضِ ما يثبتُه رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله لأميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلام في حديثٍ طويل، له أسبابٌ مذكورة . ففعلَت ذلكَ حفصة واتّفقَ القومُ على عقدٍ بينهم إن ماتَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله لم يورّثوا أحداً من أهلِ بيتِه ولا يؤتوهم. مقامَه، واجتهدوا في تأخّرِهم والتقدّمِ عليهم. فأوحى اللهُ إلى نبيّه صلّى اللهُ عليهِ وآله بذلكَ، وأعلمَه ما صنعَ القومُ وتعاهدوا عليه، وأنّ الأمرَ يتمُّ لهُم محنةً منَ اللهِ تعالى للخلقِ بهم. فوقفَ النبيُّ صلّى اللهُ عليه وآله عائشةَ على ذلك، وعرّفَها ما كانَ منها مِن إذاعةِ السرِّ، وطوى عنها الخبرَ بما علمَه مِن تمامِ الأمرِ لهم، لئلّا تتعجّلَ إلى المسرّةَ به وتلقيه إلى أبيها، فيتأكّدَ طمعُ القومِ فيما عزموا عليه، وهوَ قوله تعالى :(عرّف بعضَه وأعرضَ عن بعض)، فالبعضُ الذي عرّفَه ما كانَ منها من إذاعةِ سرِّه . والبعضُ الذي أعرضَ عنه ، ذكرَ تمامَ الأمرِ لهم. وكانَ في الآيةِ ما يؤذنُ بشكِّ المرأةِ في نبوّتِه صلّى اللهُ عليهِ وآله بقولِها عندَ إخبارِه إيّاها بضيعِها: (مَن أنبأك هذا؟ قالَ نبّأني العليمُ الخبير).

والعامّةُ تقول: إنَّ السرَّ الذي أسرَّه النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآله خلوّهُ بماريةَ القبطيّة في يومِ عائشةَ منه، وقد كانَت حفصةُ اطّلعَت على ذلك، فاستكتمَها رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله إيّاه، فأذاعَته، وعلماءُ الأمّةِ مُجمعونَ على اختلافِهم أنّ هذهِ الآيةَ نزلَت في عائشةَ وحفصةَ خاصّةً مِن بينِ الأزواج. فهذا، الذي قاله في الآية.  

وفي كتابِ المُنتخَب مِن تفسيرِ القرآنِ والنُكتِ المُستخرجةِ مِن كتابِ التبيان لابنِ إدريس الحلّيّ، (صفحة 338)، قالَ: وقوله تعالى: «وإِذ أَسَرَّ النَّبِيُّ » معناهُ : واذكروا حينَ أسرَّ النبيُّ إِلى بَعضِ أَزواجِه حَدِيثاً » فالإسرارُ إلقاءُ المعنى إلى نفسِ المُحدّثِ على وجهِ الإخفاءِ عَن غيرِه ، يُقالُ : أسرّ إليه كذا وكذا إسراراً، والإسرارُ نقيضُ الإعلان . وقيلَ: إنّه كانَ أسرّ إلى حفصَة أن لا تُخبرَ عائشةَ بكونِه معَ مارية في يومِ عائشة. وقيلَ: إنّهُ حرّمها على نفسِه، فأطّلعَت عليه عائشةُ فاستكتمَها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآله ، فأخبرَت حفصةَ بذلك ، فانتشرَ الخبرُ ، فعاتبَهما اللهُ على ذلك . وقالَ الزجّاجُ والفرّاء: أسرَّ إليها بأنّه سيلي الأمرَ بعدَه أبو بكرٍ وعُمر وعثمان، فتباشرا بذلكَ فانتشرَ الخبر.   

وروى أصحابُنا أنّه أسرَّ إلى عائشة بما يكونُ بعدَه مِن قيامِ مَن يقومُ بالأمر، ودفعِ عليٍّ عليهِ السلام عَن مقامِه ، فبشّرَت بذلكَ أباها ، فعاتبَها اللهُ على ذلك.  

وفي كتابِ زُبدةِ التفاسيرِ للمُلّا فتحِ اللهِ الكاشانيّ في الجُزء : (ج7/ص108)، ذكرَ في تفسيرِ هذهِ الآية أنّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله وسلَّم قسّمَ الأيّامَ بينَ نسائِه، فلمّا كانَ يومُ حفصةَ قالَت : يا رسولَ اللَّهِ إنّ لي إلى أبي حاجةً ، فاذَن لي أن أزورَه . فأذِنَ لها . فلمّا خرجَت أرسلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآله وسلَّم إلى جاريتِه ماريةَ القبطيّة ، وكانَ قد أهداها لهُ المقوقس ، فأدخلَها بيتَ حفصة فوقعَ عليها . فأتَت حفصةُ فوجدَت البابَ مُغلقاً ، فجلسَت عندَ البابِ ، فخرجَ رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله وسلَّم ووجههُ يقطرُ عرقاً . فقالت حفصة : إنّما أذنتَ لي مِن أجِل هذا ، أدخلتَ أَمَتَكَ بيتي ، ثمّ وقعَت عليها في يومي وعلى فراشي ، أما رأيتَ لي حُرمةً وحقّاً؟ فقالَ صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله وسلَّم : أليسَ هيَ جاريتي ، قد أحلَّ اللهُ ذلكَ لي ؟ ! اسكُتي، فهيَ حرامٌ عليّ ، ألتمسُ بذلكَ رضاك ، فلا تُخبري بهذا امرأةً منهنَّ ، وهوَ عندَك أمانةٌ. فلمّا خرجَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآله وسلَّم قرعَت حفصةُ الجدارَ الذي بينَها وبينَ عائشة، فقالَت: ألا أبشّرُك أنّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآله وسلَّم قد حرّم عليهِ أمتَه مارية ، وقد أراحنا اللَّهُ منها . وأخبرَت عائشةَ بما رأت، وكانتا مُتصافيتين مُتظاهرتين على سائرِ أزواجِه، فطلَّقَ حفصة، واعتزلَ سائرَ نسائِه تسعةً وعشرين يوماً، وقعدَ في مشربةِ أمّ إبراهيم مارية حتّى نزلَت آيةُ التخيير . وعن الزجّاج: أنّ النبيّ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم خلا في يومِ عائشةَ مع جاريتِه أمّ إبراهيم مارية القبطيّة، فوقفَت حفصةُ على ذلك. فقالَ لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآله وسلَّم : لا تُعلمي عائشةَ بذلك. وحرّمَ ماريةَ على نفسِه . فأعلمَت حفصةُ عائشةَ الخبر، واستكتمَتها إيّاه . فأطلعَ اللهُ نبيَّه على ذلك، وهوَ قوله : * ( وإِذ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعضِ أَزواجِه حَدِيثاً ) يعني :حفصة . ولـمّا حرّمَ ماريةَ القبطيّة أخبرَ حفصةَ أنّه يملكُ مِن بعدِه أبو بكرٍ ثمّ عمر تسليةً لها . فعرّفها بعضَ ما أفشَت منَ الخبر، وأعرضَ عَن بعضٍ ، وهو أنَّ أبا بكر وعُمر يملكانِ بعدي ، واعتزلَ سائرَ نسائِه تسعةً وعشرينَ يوماً ، وقعدَ في مشربةِ أمّ إبراهيم مارية، وأعرضَ عن بعض ، وهو أنّ أبا بكر وعمر يملكانِ بعدي.  

فأقولُ بناءً على هذا الاحتمالِ في تفسيرِ سرِّ النبيّ صلَّى اللهُ عليهِ وآله في قصّةِ ماريّة: فهُنا سيظهرُ إشكالٌ آخر في متنِ الروايتين، وهوَ أنّ النبيّ صلَّى اللهُ عليه وآله يستطيعُ أن يطأ ماريةَ القبطيّة ويلامسَها مِن دونِ الحاجةِ إلى صيغةِ عقدٍ سواءٌ أكانَ العقدُ دائماً أم مُنقطعاً، وذلكَ لأنّ ماريةَ القبطيّة جاريتُه وأمتُه التي أهداها له المقوقس ملكُ الإسكندريّة، فاتّخذها النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله خالصةً له كما هوَ معروفٌ، ولا خلافَ بينَ المُسلمينَ بأنّ نكاحَ الجواري والإماء يكونُ بمُلكِ اليمين ولا يحتاجُ إلى صيغةِ العقد.  

هذهِ هيَ أهمُّ الإشكالاتِ الواردةِ على هاتينِ الرّوايتين، ولذلكَ أعرضنا عنهما مِن قبلُ، وإذا قيلَ: لماذا بعضُ المُصنّفينَ يوردُ مثلَ هذه الرواياتِ في كتبه؟ فالجوابُ عن ذلك، أنّ ديدنَ جمهورِ العلماءِ في التصنيفِ إيرادُ ما يقفونَ عليه مِن رواياتٍ وتدوينَها سواءٌ أكانَ ذلكَ على مُستوى التفسيرِ أم على مُستوى الأحكام كما هو معروفٌ بينَ أهلِ العلم، ولكنّهم في مقام الاستدلالِ لا يستدلّونَ بكلِّ روايةٍ يدوّنوها في مُصنّفاتِهم، وإنّما يستدلّونَ بالرّوايةِ التي توفّرَت فيها الشروط المُعتبرةُ التي تجعلُ منها حُجّةً في مقامِ الاستدلال. وهذا الأمرُ هوَ المعروفُ بينَ أهلِ العلمِ ومُحقّقيهم.

وفي نهايةِ المطافِ نُصِرُّ على ما قلناهُ في بادئِ الأمر: أنّه ليسَ هناكَ مِن رواياتٍ أو أحداثٍ صحيحةٍ وصريحةٍ تخبرُنا بأنّ النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وآله قد تمتّعَ بالحُرّةِ بصيغةِ العقدِ المُنقطع. ودمتُم سالمين.