أسرى المشركين يوم بدر

السؤال: روى اهل السنة في كتبهم رواية عتاب الله للرسول في قضية اسرى المشركين يوم بدر.. بل روو ان ابو بكر والرسول كانا يبكيان وانه لو نزل عذاب مانجا منه الا عمر لانه اشار على الرسول بقتل الاسرى! هل هذه الرواية صحيحة؟ وهل جاءت في مصادر شيعية وما هو سبب نزول آية (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا)؟

: - اللجنة العلمية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما يتعلّق بسؤال السائل، فهو مقتبسٌ مِـمّا جاء في كلام المخالفين في تفسير قوله تعالى: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [سورة الأنفال: 67-69].

إذْ لا إشكال في أنّ هذه الآيات نزلت في غزوة بدر الكبرى، وقد وقع كلامٌ عند العلماء في تفسيرها، يمكن بيانه – فيما يرتبط بالسؤال - في أمور:

الأمر الأوّل: في بيان معنى الآيات الشريفة:

إذ ذكر العلّامة الطباطبائيّ في تفسير الآيات الكريمة، ما حاصله:

أنّ (الأسر) هو الشدّ على المحارب بما يصير في قبضة الآخذ له، و(الثخن) هو الغلظ، فالمراد بإثخان النبيّ (ص) في الأرض هو استقرار دينه بين الناس كأنّه شيء غليظ انجمد فثبت بعدما كان رقيقاً سائلاً مخشى الزوال بالسيلان، (والعرض) ما يطرأ على الشيء ويسرع فيه الزوال، (والحلال) وصف من الحلّ مقابل العقد والحرمة، كأنّ الشيء الحلالَ كان معقوداً عليه محروماً منه فحلّ بعد ذلك، و(الطيب) هو الملائمة للطبع.

فمعنى قوله تعالى: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ: أنّ السنة الجارية في الأنبياء الماضين (ع) أنّهم كانوا إذا حاربوا أعداءهم وظفروا بهم ينكّلونهم بالقتل؛ ليعتبر به مَن وراءهم، فيكفّوا عن محادّة الله ورسوله، وكانوا لا يأخذون أسرى حتّى يثخنوا في الأرض، ويستقرّ دينهم بين الناس، فلا مانع بعد ذلك من الأسر ثمّ المنّ أو الفداء، كما قال تعالى فيما يوحى إلى نبيّه (ص) - بعدما علا أمر الإسلام، واستقرّ في الحجاز واليمن -: فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً.

والعتابُ - على ما يهدي إليه سياقُ الكلام في الآية الأولى - إنّما هو على أخذهم الأسرى، كما يشهد به أيضاً قولُه في الآية الثانية : لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ أي: في أخذكم، وإنّما كانوا أخذوا عند نزول الآيات الأسرى دون الفداء، وليس العتاب على استباحة الفداء أو أخذه.

بل يشهد قولُه في الآية التالية: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ - حيث افتتحت بفاء التفريع التي تفرّع معناها على ما تقدّمها - : على أنّ المراد بالغنيمة ما يعمّ الفداء، وأنّهم اقترحوا على النبيّ (ص) أن لا يقتل الأسرى ويأخذ منهم الفداء، كما سألوه عن الأنفال، أو سألوه أن يعطيهموها كما في آية صدر السورة، وكيف يتصوّر أن يسألوه الأنفال، ولا يسألوه أن يأخذ الفداء وقد كان الفداء المأخوذ - على ما في الروايات - يقرب من مائتين وثمانين ألف درهم؟ فقد كانوا سألوا النبيّ (ص) أن يعطيهم الغنائم، ويأخذ لهم منهم الفداء، فعاتبهم الله من رأس على أخذهم الأسرى، ثمّ أباح لهم ما أخذوا الأسرى لأجله وهو الفداء، لا لأنّ النبيّ (ص) شاركهم في استباحة الفداء واستشارهم في الفداء والقتل حتّى يشاركهم في العتاب المتوجّه إليهم.

ومن الدليل من لفظ الآية على أنّ النبيّ (ص) لا يشاركهم في العتاب: أنّ العتاب في الآية متعلّق بأخذ الأسرى، وليس فيها ما يشعر بأنّه استشارهم فيه أو رضي بذلك، ولم يرد في شيء من الآثار أنّه (ص) وصّاهم بأخذ الأسرى، ولا قال قولاً يشعر بالرضا بذلك، بل كان ذلك ممّا أقدمت عليه عامّة المهاجرين والأنصار على قاعدتهم في الحروب: إذا ظفروا بعدوّهم أخذوا الأسرى للاسترقاق أو الفداء، فقد ورد في الآثار: أنّهم بالغوا في الأسر وكان الرجل يقي أسيرَه أن يناله الناس بسوء إلّا عليّ (ع)، فقد أكثر من قتل الرجال ولَـم يأخذ أسيراً.

فمعنى الآيات: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ ولم يعهد في سنّة الله في أنبيائه أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى ويحقّ له أن يأخذهم ويستدرّ على ذلك شيئاً حَتَّى يُثْخِنَ ويغلظ فِي الْأَرْضِ ويستقرّ دينه بين الناس  تُرِيدُونَ أنتم معاشر أهل بدر - وخطاب الجميع بهذا العموم المشتمل على عتاب الجميع؛ لكون أكثرهم متلبسين باقتراح الفداء على النبيّ (ص) عَرَضَ الدُّنْيَا ومتاعها السريع الزوال وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ بتشريع الدين والامر بقتال الكفار ، ثم في هذه السنة التي أخبر بها في كلامه وَاللَّهُ عَزِيزٌ لا يُغلَب حَكِيمٌ لا يلغو في أحكامه المتقنة.

لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ يقتضى ان لا يعذبكم ولا يهلككم ، وإنما أبهم لان الابهام أنسب في مقام المعاتبة ليذهب ذهن السامع كل مذهب ممكن ، ولا يتعين له فيهون عنده أمره لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ أي في أخذكم الأسرى، فإنّ الفداء والغنيمة لم يؤخذا قبل نزول الآيات وإخبارهم بحليّتها وطيبها عَذَابٌ عَظِيمٌ وهو - كما تقدّم - يدلّ على عظم المعصية؛ لأنّ العذاب العظيم إنّما يستحقّ بالمعصية العظيمة فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ وتصرّفوا فيما أحرزتم من الفائدة سواء كان ممّا تسلّطتم عليه من أموال المشركين أو ممّا أخذتم منهم من الفداء حَلَالًا طَيِّبًا أي حال كونه حلالا طيبا بإباحة الله سبحانه وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ  وهو تعليل لقوله : فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ الخ، أي غفرنا لكم ورحمناكم فكلوا ممّا غنمتم، أو تعليل لجميع ما تقدّم، أي لم يعذبكم الله بل أباحه لكم لأنّه غفور رحيم، انتهى [تفسير الميزان ج9 ص134-137].

وقد ورد في [تفسير القميّ ج1 ص270]: « وكان القتلى ببدر سبعين، والأسرى سبعين، قتل منهم أمير المؤمنين (ع) سبعة وعشرين ولم يوسر أحداً، فجمعوا الأسارى وقرنوهم في الجمال، وساقوهم على أقدامهم وجمعوا الغنائم... فرحل رسول الله (ص) ونزل الأثيل عند غروب الشمس - وهو من بدر على ستة أميال -، فنظر رسول الله (ص) إلى عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث بن كلدة وهما في قران واحد، فقال النضر لعقبة: يا عقبة، أنا وأنت من المقتولين، فقال عقبة: من بين قريش؟ قال: نعم، لأنّ محمّداً قد نظر إلينا نظرة رأيتُ فيها القتل، فقال رسول الله (ص): يا علي، عليَّ بالنضر وعقبة، وكان النضر رجلاً جميلاً عليه شعر، فجاء عليّ فأخذ بشعره فجرّه إلى رسول الله (ص)، فقال النضر: يا محمّد، أسألك بالرحم الذي بيني وبينك إلّا أجريتني كرجل من قريش إنْ قتلتهم قتلتني وإنْ فاديتهم فاديتني وإنْ أطلقتهم أطلقتني، فقال رسول الله (ص): لا رحم بيني وبينك، قطع الله الرحم بالإسلام، قدّمه - يا عليّ - فاضرب عنقه، فقال عقبة: يا محمّد، ألَـم تقل: لا تصبر قريش - أي لا يقتلون صبراً -، قال: أفأنت من قريش؟ إنّما أنت علج من أهل صفوريّة، لأنت في الميلاد أكبر من أبيك الذي تُدعى له، لست منها، قدّمه - يا عليّ - فاضرب عنقه، فقدّمه وضرب عنقه، فلمّا قتل رسول الله (ص) النضر وعقبة خافت الأنصار أن يقتل الأسارى كلّهم، فقاموا إلى رسول الله (ص) فقالوا: يا رسول الله، قد قتلنا سبعين وأسرنا سبعين، وهم قومك وأساراك، هبهم لنا يا رسول الله وخذ منهم الفداء وأطلقهم، فأنزل الله عليهم: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا فأطلق لهم أن يأخذوا الفداء ويطلقوهم، وشرط أنّه يُقتَل منهم في عام قابل بعدد مَن يأخذوا منهم الفداء، فرضوا منه بذلك »، انتهى.

الأمر الثاني: في أنّ عتاب الله تعالى كان للمسلمين، لا للنبيّ (ص):

إذ تبيّن – مـمّا سبق في بيان معنى الآية -: أنّ العتاب في الآية الكريمة: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى ليس متّجهاً للنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)، بل للمسلمين الذين أخذوا الأسرى، فالعتاب على أخذ الأسرى، والنبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) لَـم يأخذ أسيراً، ولا أمر المسلمين بذلك ولا أباح لهم، بل نهاهم عند تبليغ قوله تعالى: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ، فخالفه أصحابه وأسروا جماعة يوم بدر طمعاً في الفداء، فأنكر الله تعالى ذلك عليهم وبيّن أنّ الذي أمر به ليس هو الأسر، ثـمّ منّ عليهم بأخذ الفداء. فالمسلمون تصرّفوا – جرياً على عادتهم في الحروب – مخالفين الأمر الإلهيّ، ولولا كتاب سابق لنزل عليهم عذاب عظيم بسبب هذه المخالفة، ومن الواضح أنّ العذاب العظيم يدلّ على عظم المعصية.

وأمّـا ذكر النبيّ (صلى الله عليه وآله) في قوله: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى فالوجه في ذلك: أنّ الأصحاب إنّما أسروهم ليكونوا في يده (صلى الله عليه وآله)، فهم أسراؤه على الحقيقة ومُضافون إليه وإنْ كان لَـم يأمر بأسرهم بل أمر بخلافه، فيقول تعالى: يا أهل بدر، ليس للنبيّ أن يكون عنده أسرى إلى أن يرسي دعائم الدين ويثبّته بين الناس، فهل تريدون متاع الحياة الدنيا بأخذكم الأسرى لاستدرار الفداء؟ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.

ينظر: المسائل العكبرية ص109، تنزيه الأنبياء ص157، متشابه القرآن ج2 ص5، وغيرها.

الأمر الثالث: في أنّ رواية: « لو نزل عذاب ما نجا منه إلّا عمر » لا تصحّ مطلقاً:

إذ تداول المخالفون في كتبهم حديثاً منسوباً للنبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: « لو نزل عذابٌ ما نجا منه إلّا عمر »، وإليك ألفاظه ومصادره:

1ـ روى الطبريّ وابن أبي حاتم بإسنادهما عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله (ص): « لو عذبنا في هذا الأمر - يا عمر - ما نجا غيرك » [تفسير الطبري ج14 ص71، تفسير ابن أبي حاتم ج5 ص1735].

2ـ نقل الزيلعيّ عن الطبريّ قال: حدّثنا ابن حميد، حدّثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق:... فقال رسول الله (ص): « لو نزل من السماء عذاب لَـمَا نجا منه غير عمر بن الخطاب وسعد بن معاذ » [تخريج الأحاديث ج2 ص39]. ويلاحظ أنّ الطبريّ أخرجه من طريق ابن زيد المتقدّم، ومن طريق ابن إسحاق بهذا الإسناد في سعد بن معاذ، وليس فيه ذكرٌ لعمر بن الخطّاب.

3ـ نقل الواقديّ عن ‌خالد ‌بن ‌الهيثم مولى بني هاشم، عن يحيى بن أبي كثير، قال: ... وقال رسول الله (ص): « لو نزل عذاب يوم بدر ما نجا ‌منه ‌إلّا ‌عمر » [المغازي ج1 ص110].

4ـ قال السيوطيّ: وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق نافع عن ابن عمر:... فقال رسول الله (ص): « إن كاد ليمسّنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم، ولو نزل العذاب ما أفلت إلّا عمر » [الدر المنثور ج3 ص203].

أقول: هذا الحديث لا يصحّ من جهة إسناده، ولا من جهة متنه:

فأمّـا من جهة إسناده، فإنّ جميع الطرق المتقدّمة ضعيفة؛ وذلك أنّ الطرق الثلاثة الأولى منقطعة، فإنّ ابن زيد وابن إسحاق وابن أبي كثير متأخّرون جداً عن زمن النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وأمّـا الرابع فلا يُعلم طريق ابني المنذر ومردويه وأبي الشيخ إلى نافع لينظر إنْ كان متّصلاً بالرجال الثقات أو لا، فالنتيجة: هذا الحديث لا يصحّ من جهة إسناده.

وأمّـا من جهة متنه، فإنّه غير قابل للتصديق؛ وذلك أنّ الحديثَ يدلّ على استحقاق المسلمين – وفيهم رسول الله – العذاب عدا عمر بن الخطّاب، ولا إشكال أنّ في هذا يُعـدّ تنقيصاً لمنزلة النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وأنّه استحقّ العذاب في ذلك الحال، وهذا يتنافى مع عصمته وعلوّ رتبته، وهو مخالفٌ للكتاب العزيز والسنة القطعيّة والعقل الصريح، فلذا سننقل بعض الروايات والآثار وكلمات العلماء التي تؤيّد بطلان هذا الحديث:

1ـ ما ورد عن الإمام الجواد (عليه السلام) في روايةٍ: « قال يحيى: روي أنّ النبيّ (ص) قال : لو نزل العذاب لما نجى منه إلّا عمر، فقال (ع): وهذا محال أيضاً، لأنّ الله تعالى يقول : وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، فأخبر سبحانه أنّه لا يعذّب أحداً ما دام فيهم رسول الله (ص) وما داموا يستغفرون » [الاحتجاج ج2 ص249].

2ـ ما ورد عن المأمون العبّاسيّ: « قال آخر: قد قال النبيّ (ص): لو نزل العذاب ما نجى إلّا عمر بن الخطاب، قال المأمون: هذا خلاف الكتاب أيضاً؛ لأنّ الله تعالى يقول لنبيّه (ص): وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ، فجعلتم عمر مثل الرسول » [عيون أخبار الرضا ج2 ص203].

3ـ قال أبو القاسم الكوفيّ: « وأمّا ما رووا عن الرسول (ص) قال - بزعمهم يوم بدر -: « لو نزلنا علينا العزاب ما نجا إلّا ابن الخطاب »، فما عند ذوي الفهم أجهل وأضلّ وأعمى قلباً ممّن استجاز رواية هذا واستحسن نقله منهم؛ إذ لو كان ذلك لأوجب هلاك الرسول (ص) بالعدا، ونجاة ابن الخطاب الذي كان يقول: (لولا عليّ لهلك عمر)، (ولولا معاذ لهلك عمر)، فكيف يسلم من الهلكة مَن كان - بزعمهم - لا يسلم من الهلاك دونه؟ ومع هذا فمِن قولهم المنكوس: أنّ أبا بكر أفضل من عمر، وقد أوجبوا إهلاكه لو نزل العذاب ونجاة عمر، فالذي كان ينجو ويسلم من العذاب لو نزل يجب أن يكون أفضل ممّن كان يهلك به. وهذا الخبر يوجب أنّ عمر أفضل من الرسول (ص) وأبي بكر وجميع الخلق، فلمّا كان أولياؤهما مخالفين لهم في تفضيل أبي بكر عليه كانوا قد صرّحوا بتكذيب علمائهم المتخرّصين لهم هذا الخبر وما يشاكله من أخبار الملحدين، ولا يبعد الله إلا مَن ظلم وقال ما لا يعلم » [الاستغاثة ج2 ص44].

4ـ قال العلّامة الكراجكيّ: « ومن عجيب كذبهم، ومفرط غلوّهم: دعواهم أنّ رسول الله (ص) قال: « لو نزل العذاب ما نجا إلّا عمر بن الخطاب »، وهذا تصريح بالكفر والردّة، والخروج عن الملّة؛ لأنّهم أوجبوا أنّه لولا عمر بن الخطاب لهلك جميع الناس وفيهم رسول الله الذي قال الله تعالى فيه: وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ، وفيهم أهل بيته المكرمون الذين شهد بطهارتهم التنزيل في قوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا. هذا، والمحفوظ عن عمر أنّه دعا بالويل والثبور عند احتضاره، وتمنّى لو كان تراباً، وأنّ أمّه لم تلده، فلولا أنّه رأى بوادر ما توعّد به على سيئ أعماله، وأشرف على مقدّمات العذاب وأهواله، لم يقل هذا عند احتضاره، فكيف يصحّ القول بأنّه لولا من هذه صفته لعذب الله خلقه الذين فيهم خيرته وصفوته؟ وهل يخفى هذا الافتعال إلّا على العمي والجهّال؟! » [التعجب ص144].

وينظر أيضاً ما ذكره السيّد العامليّ في [الصحيح من سيرة النبيّ ج6 ص30].