غزو القسطنطينية

السؤال: ‏يزيد مغفور له، هل تعلمون أن أول جيش غزى القسطنطينية كان بقيادة يزيد بن معاوية والرسول صلى الله عليه وسلم قال أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له، فكان في هذا الجيش الحسين بن علي وأبو أيوب الأنصاري وعبد الله بن عمر وابن الزبير وابن عباس وجمع غفير من الصحابة رضي الله عنهم اجمعين

: - اللجنة العلمية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا يخفى على أهل العلم المنصفين أنّ هذا الكلام لا يصدر إلّا ممّن له حميّة جاهليّة لجرو بني أميّة، المشهور ظلمه وفسقه بل كفره بين العباد، فإنّ مَن يتولّى الحكم ثلاث سنين، فيقتل ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في الأولى، ويستبيح مدينة النبيّ(صلّى الله عليه وآله) في الثانية، ويرمي الكعبة بالمجنيق ويهدمها في الثالثة، لا ينبغي التردّد في جواز لعنه لعظيم فسقه وجنايته، بل وكفره كما صرّح بعضُ العلماء، قال العلّامة الآلوسيّ: (الذي يغلب على ظنّي: أنّ الخبيث لَـم يكن مصدّقاً برسالة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وأنّ مجموع ما فعل مع أهل حرم الله تعالى وأهل حرم نبيّه (صلّى الله عليه وآله) وعترته الطيّبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات، وما صدر منه من المخازي، ليس بأضعف دلالة على عدم تصديقه من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذرٍ، ولا أظنّ أنّ أمرَه كان خافياً على أجلّة المسلمين إذ ذاك، ولكن كانوا مغلوبين مقهورين لَـم يسعهم إلّا الصبر ليقضي الله أمراً كان مفعولاً. ولـو سُلِّم أنّ الخبيث كان مسلماً فهو مسلم جمع من الكبائر ما لا يحيط به نطاق البيان، وأنا أذهب إلى جواز لعن مثله على التعيين...) [روح المعاني ج26 ص73].

وأمّـا ما يتفوّه به بعضُهم من عدم جواز لعن يزيد، فليس ذلك إلّا تحامياً عن وصول اللعن والطعن إلى أبيه الذي ولّاه غصباً، ثـمّ يمتدّ لمن ولّى أباه، فتسقط أعمدة السقيفة المشؤومة، وهذا ما صرّح به العلّامة التفتازانيّ بقوله: (وأمّـا ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبيّ فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء، ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء؛ إذْ تكاد تشهد به الجماد والعجماء، ويبكي له مَن في الأرض والسماء، وتنهدّ منه الجبال وتنشقّ الصخور، ويبقى سوء عمله على كرّ الشهور ومرّ الدهور، فلعنة الله على مَن باشر أو رضي أو سعى، ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقى. فإنْ قيل: فمِن علماء المذهب مَن لَـم يجوّز اللعن على يزيد مع علمهم بأنّه يستحقّ ما يربو على ذلك ويزيد، قلنا: تحامياً عن أن يرقى إلى الأعلى فالأعلى، كما هو شعار الروافض على ما يُروى في أدعيتهم ويجري في أنديتهم) [شرح المقاصد ج2 ص307].

ومن هذا الباب: حاول الأمويّون وأتباعهم ترقيع صورة يزيد بوسائل شتّى ، ومن ذلك: أنّ ابن الجوزيّ الحنبليّ لـمّا لعن يزيد على المنبر وجوّز ذلك للناس، انزعج جماعة من المتعصّبين لجرو بني أميّة، منهم عبد المغيث الحنبليّ، فصنّف جزءاً في (فضائل يزيد)، وردّ عليه ابن الجوزيّ برسالة (الردّ على المتعصّب العنيد المانع من ذمّ يزيد)، وقد استنكر العلماء كتاب عبد المغيث، قال ابن الأثير: (أتى فيه بالعجائب) [الكامل ج11 ص562]، وقال ابن كثير: (أتى فيه بالغرائب والعجائب، وقد ردّ عليه ابن الجوزيّ فأجاد وأصاب) [البداية والنهاية ج12 ص328]، وقال الذهبيّ: (أتى فيه بالموضوعات) [العبر ج4 ص249]، وقال: (أتى بعجائب وأوابد، لو لَـم يؤلّفه لكان خيراً) [سير أعلام النبلاء ج21 ص160].

ومن جملة الفضائل المزعومة، والمناقب الموضوعة:

تطبيق حديث: (أوّل جيش يغزو القسطنطينية مغفور لهم) على جيش يزيد، لتكون النتيجة: أنّ يزيد مغفور له ومن أهل الجنّة حتّى لو قتل آل الرسول (عليهم السلام)، وهتك حرمة مدينة الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وهدم بيت الله الحرام!!

ويقع الجواب عن هذه الفضيلة المزعومة من وجوه:

الوجه الأوّل: مصدر الحديث وإسناده:

قال البخاريّ: حدّثني إسحاق بن يزيد الدمشقيّ، حدّثنا يحيى بن حمزة، قال: حدّثني ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، أنّ عمير بن الأسود العنسيّ حدّثه، أنّه أتى عبادة بن الصامت - وهو نازل في ساحة حمص، وهو في بناء له - ومعه أمّ حرام، قال عمير: فحدّثتنا أمّ حرام: « أنّها سمعت النبيّ (ص) يقول: أوّل جيش من أمّتي يغزون البحر قد أوجبوا، قالت أمّ حرام: قلت: يا رسول الله، أنا فيهم؟ قال: أنتِ فيهم، ثمّ قال النبيّ (ص): أوّل جيش من أمّتي يغزون مدينة ‌قيصر ‌مغفور ‌لهم، فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: لا » [صحيح البخاريّ ج4 ص114].

أقول: وهذا الحديث لَـم يروه الشيعة، وإنّما انفرد بروايته أهل السنّة، ولَـم يخرجه من أصحاب الكتب الستّة إلّا البخاريّ كما نصّ ابن كثير: (تفرّد به البخاريُّ دون أصحاب الكتب الستّة) [البداية والنهاية ج6 ص249]، ولا يُروى إلّا بهذا الإسناد، ورواته كلّهم شاميّون كما صرح الحافظ ابن حجر بقوله: (والإسناد كلّه شاميّون) [فتح الباري ج6 ص102]، والشاميّون معروفون بالنصب والعداء لأهل البيت (عليهم السلام)، والميل إلى معاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد بن معاوية.

ومدار الحديث على ثور بن يزيد الكلاعيّ، فإنّه لَـم يروِ الحديث عن خالد بن معدان غيره، وثور هذا وإنْ كان موثّقاً في كلمات علماء الجرح والتعديل، إلّا أنّه موصوف بالنصب والبغض للعترة الطاهرة (عليهم السلام)، قال ابن سعد: (وكان جدُّه قُتل يوم صفّين مع معاوية، فكان ثور إذا ذُكر عليّاً قال: لا أحبّ رجلاً قتل جدّي) [الطبقات الكبرى ج7 ص467]، وقال يحيى بن معين: (أزهر الحرازي وأسد بن وداعة وجماعة كانوا يجلسون ويسبّون عليَّ بن أبي طالب، وكان ثور بن يزيد في ناحية لا يسبّ عليّاً، فإذا لم يسبّ جرّوا برجله) [تاريخ ابن معين ج4 ص423]، وهذا يعني أنّه كان يحضر مجالس سبّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولا ينهاهم عن السبّ.

ثـمّ إنّ شيخه خالد بن معدان الحمصيّ كان من أعوان يزيد بن معاوية، قال عيسى بن يونس: (كان خالد بن معدان صاحب شرطة يزيد بن معاوية) [المنتخب من ذيل المذيل ص121]، وقال ابن عساكر وابن العديم والصفديّ: (كان يتولّى شرطة يزيد بن معاوية) [تاريخ دمشق ج16 ص189، بغية الطلب ج7 ص127، الوافي بالوفيات ج13 ص159].

فهذا حال مصدر الحديث وإسناده، وهو - كما ترى – مسلسل بالشاميّين، انفرد به ناصبيّ عن صاحب شرطة يزيد بن معاوية، فأكرم به من إسنادٍ وأنعم!

الوجه الثاني: الغزو بمعنى الفتح:

إنّ لفظ الحديث – كما تقدّم – هو: « أوّل جيش من أمّتي يغزون مدينة ‌قيصر ‌مغفور ‌لهم »، والغزو وإنْ كان يأتي بمعنى السير إلى قتال العدوّ وطلب الحرب فإنّه يحتمل أيضاً بمعنى الفتح المترتّب على القتال، فمعنى الحديث هو فتح مدينة قيصر – وهي القسطنطينيّة -، لا مجرّد الغزو والقتال وإنْ لم يستتبع فتحاً، وهذا ما احتمله الكورانيّ الحنفيّ في [الكوثر الجاري ج5 ص480] كما سيأتي نقل نصّ كلامه.

فيكون مفاد الحديث شاهداً لمفاد حديث بشر الخثعميّ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): « لتفتحنّ القسطنطينيّة، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش » [مسند أحمد ج4 ص335].

ولا يخفى أنّ الجيش الذي يُزعم أنّ يزيد بن معاوية كان أميره لَـم يفتح مدينة قيصر، وإنّما حصل قتال خارج المدينة، وسيأتي بيان ذلك لاحقاً.

الوجه الثالث: لَـم يكن غزو يزيد أوّل غزو:

يذكر المهلّب بن أحمد بن أبي صفرة: أنّ في هذا الحديث منقبةً ليزيد بن معاوية؛ لأنّه أوّل مَن غزا مدينة قيصر، وقد تابعه على ذلك غيرُه، ميلاً لبني أميّة، من غير تأمّل ولا رويّة، ولا مراجعة لمصادر الحديث والتاريخ؛ وذلك لأنّ المعروف بين أهل النقل أنّ يزيد لَـم يكن أوّل مَن غزا القسطنطينيّة، بل غُزيت قبله.

فقد ورد بإسناد صحيح عن أسلم أبي عمران بن يزيد قال: « غزونا من المدينة نريد القسطنطينيّة، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، قال: فصففنا صفّين لَـم أرَ صفّين قطّ أعرض ولا أطول منهما، والروم ملصقون ظهورهم بحائط المدينة... » [سنن أبي داود ج1 ص564، صحيح ابن حبان ج11 ص9، المستدرك على الصحيحين ج2 ص84، السنن الكبرى للبيهقي ج9 ص99، تفسير الطبري ج2 ص279، تفسير ابن أبي حاتم ج1 ص331، تاريخ دمشق ج34 ص329، وغيرها]. قال الحاكم: (صحيح على شرط الشيخين)، ووافقه الحافظ الذهبيّ، وصحّحه ابن حبّان وقال الألبانيّ: (الحديث صحيح) [السلسلة الصحيحة ج1 ص47].

فلاحظ أنّ أسلم أبا عمران يصرّح في هذا الحديث بأنّهم غزوا القسطنطينيّة تحت إمرة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وعبد الرحمن توفي سنة (46هـ)، في حين أنّ غزوة يزيد بن معاوية كانت سنة (49هـ) أو بعدها – كما سيأتي -، فلاشكّ أنّ أوّل غزوٍ للقسطنطينيّة كان قبل سنة (46هـ)، والظاهر أنّ هذا الغزو بدأ سنة (44هـ)، وبقي مستمرّاً بعدها، وإليك ما نقله المؤرّخ الشهير أبو جعفر الطبريّ:

فقد ذكر في أحداث سنة 44هـ: (فممّا كان فيها من ذلك دخول المسلمين مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بلاد الروم ومشتّاهم بها) [تاريخ الطبري ج5 ص212].

وذكر في أحداث سنة 46هـ: (فممّا كان فيها من ذلك مشتّى مالك بن عبد الله بأرض الروم، وقيل: بل كان ذلك عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وقيل: بل كان مالك بن هبيرة السكونيّ)، ثمّ قال: (وفيها انصرف عبد الرحمن بن خالد بن الوليد من بلاد الروم إلى حمص، فدسّ ابن أثال النصرانيّ إليه شربة مسمومة - فيما قيل- فشربها فقتلته) [تاريخ الطبري ج5 ص227].

وذكر في أحداث سنة 47هـ: (ففيها كان مشتّى مالك بن هبيرة بأرض الروم، ومشتّى أبي عبد الرحمن القينيّ بأنطاكية) [تاريخ الطبري ج5 ص229].

وذكر في أحداث سنة 48هـ: (وكان فيها مشتّى أبي عبد الرحمن القينيّ أنطاكية، وصائفة عبد الله ابن قيس الفزاريّ، وغزوة مالك بن هبيرة السكونيّ البحر، وغزوة عقبة بن عامر الجهنيّ بأهل مصر البحر، وبأهل المدينة، وعلى أهل المدينة المنذر بن الزهير، وعلى جميعهم خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد) [تاريخ الطبريّ ج5 ص231].

ثـمّ ذكر في أحداث سنة 49هـ: (فكان فيها مشتّى مالك بن هبيرة السكونيّ بأرض الروم... وفيها كانت غزوة يزيد بن معاوية الروم حتّى بلغ قسطنطينيّة، ومعه ابن عبّاس وابن عمر وابن الزبير وأبو أيوب الأنصاريّ) [تاريخ الطبريّ ج5 ص232].

وذكر خليفة بن خيّاط في أحداث سنة 50هـ: (وفيها غزا يزيد بن معاوية أرض الروم ومعه أبو أيوب الأنصاريّ) [تاريخ خليفة ص211].

فيتبيّن مـمّا تقدّم: أنّ غزوة يزيد كانت سنة (49هـ) أو (50هـ) أو بعد ذلك – على خلافٍ -، في حين أنّ أوّل غزوٍ للقسطنطينيّة قد حصل سنة (44هـ) وتلتها غزوة أخرى، ثمّ كانت الغزوة المنسوبة ليزيد بن معاوية.

وبهذا يظهر: أنّ ما يردّده المتعصّبون لطواغيت بني أميّة – من أنّ أوّل جيش غزا القسطنطينيّة كان أميرهم يزيد بن معاوية – تدليسٌ واضح وتوهيم فاضح.. وعلى رأس القائمة المهلّب الذي تقدّم نقل كلامه، ومنهم المتيّم في بني أميّة ابن تيميّة الحرّانيّ، فإنّه قال: (وقد ثبت في صحيح البخاريّ عن ابن عمر عن النبيّ (ص) قال: أوّل جيش يغزو القسطنطينية مغفور لهم، وأوّل جيش غزاها كان أميرهم يزيد) [منهاج السنة ج4 ص572]، ويلاحظ عليه: أنّ الحديث ليس لابن عمر بل لأمّ حرام – كما تقدّم -، وهو منقول بالمعنى لا النصّ، وعبارة: « وأوّل جيش غزاها كان أميرهم يزيد » ليست من نصّ الحديث ولا وردت في صحيح البخاريّ، بل من كلام ابن تيميّة لتطبيق الحديث على يزيد بن معاوية.

ثـمّ تلقّف هذه العبارة مَن جاء بعدهما من المغرمين بيزيد وبني أميّة، كابن كثير الدمشقيّ، فإنّه ذكر في أحداث سنة (49هـ): (فيها غزا يزيد بن معاوية بلاد الروم حتّى بلغ قسطنطينية، ومعه جماعات من سادات الصحابة، منهم ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وأبو أيوب الأنصاري، وقد ثبت في صحيح البخاري أنّ رسول الله (ص) قال: « أوّل جيش يغزون مدينة قيصر مغفور لهم »، فكان هذا الجيش أوّل مَن غزاها) [البداية والنهاية ج8 ص36]، مع أنّه ذكر في أحداث سنة (44هـ): (فيها غزا عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بلاد الروم ومعه المسلمون وشتّوا هنالك) [البداية والنهاية ج8 ص30]، وذكر في أحداث سنة (46هـ) مشتّى المسلمين ببلاد الروم، وكذلك في أحداث سنة (47هـ)، ثمّ ذكر في أحداث (48هـ) مشتّى أبي عبد الرحمن القتبيّ بأنطاكية [ينظر البداية والنهاية ج8 ص30-35].

وقد صرّح الدكتور المعاصر الشريف حاتم العونيّ: بأنّ أوّل جيش غزا القسطنينيّة هو جيش عبد الرحمن بن خالد، وليس يزيد بن معاوية، وحمل الحديث الوارد على يزيد خطأ تاريخيّ كبير، ادّعاه بعضُ المتعصّبين لمعاوية، فاتّبعهم عليه غيرهم من أهل الفضل بغير تحقيق.

الحاصل: لَـم يثبت أنّ أوّل جيش غزا القسطنطينيّة هو جيش يزيد بن معاوية، فتطبيق الحديث عليه خطأ واضح.

الوجه الرابع: قائد الجيش سفيان بن عوف:

إنّ غزوة يزيد بن معاوية المزعومة هي عبارة عن غزوة مأساويّة مضحكة في طريقتها ونتيجتها وكثرة تطبيل الأمويّين وأتباعهم لها، وفيما يلي بيان ذلك:

أرسل معاوية جيشاً كثيفاً إلى الروم مع سفيان بن عوف، وأوعز إلى ابنه يزيد أن يذهب معهم، فتثاقل وتأخّر، وبقي مع جواريه وزوجته أمّ كلثوم بنت عبد الله بن عامر – وكان لها محبّاً وعاشقاً – قرب دمشق في (دير مرّان) مشغولاً بالشرب والطرب والغناء، حتّى أصاب الجيش في (الغذقدونة) من بلاد الروم بلاء عظيم، فهلك أكثر المسلمين من الأمراض والجوع والحمّى والموم – وهو التهاب رئويّ يسمّى ذات الجنب، وفسّره بعضهم بالجدريّ -، ولـمّا وصل خبرهم إلى يزيد أنشأ:

(فما أبالي بما لاقتْ جموعُهم * بالغذقذونة من حمّىً ومن مُومِ)

(إذا اتّكأتُ على الأنماطِ مصطحباً * بدير مُرّانَ عندي أمّ كلثومِ)

فبلغ معاويةَ شعرَ ابنه، فأقسم أن يلحقه بسفيان بن عوف إلى أرض الروم، ليصيبه ما أصاب الناس، وإلّا خلعه، فتهيّأ يزيد للرحيل مجبوراً، وكتب إلى أبيه:

(تجنّى [تحنى] لا تزال تعدُّ ديناً * ليقطع وصلُ حبلِك من حبالي)

(فيوشك أن يريحك من بلائي * نزولي في المهالك وارتحالي)

فلحق يزيد بسفيان مع جماعة كبيرة جمعهم له أبوه معاوية.

وَهَاكَ بعض نصوص المؤرّخين والمحدّثين في ذلك:

ذكر اليعقوبيّ: (وأغزى معاوية يزيد ابنه الصائفة، ومعه سفيان بن عوف العامريّ، فسبقه سفيان بالدخول إلى بلاد الروم، فنال المسلمين في بلاد الروم حمى وجدريّ، وكانت أمّ كلثوم بنت عبد الله بن عامر تحت يزيد بن معاوية، وكان لها محبّاً، فلمّا بلغه ما نال الناس من الحمّى والجدريّ قال: ما أن أبالي بما لاقت جموعهم... فبلغ ذلك معاوية فقال: أقسم بالله لتدخلنّ أرض الروم فليصيبنّك ما أصابهم، فأردف به ذلك الجيش، فغزا به حتّى بلغ القسطنطينيّة) [تاريخ اليعقوبيّ ج2 ص229].

وذكر البلاذريّ عن عوانة عن أبيه قال: (غزى معاوية الناس في سنة خمسين وعليهم سفيان بن عوف وأمر يزيد بالغزو فتثاقل واعتلّ فأمسك عنه ، وأصاب الناس في غزاتهم جوع وأمراض ، فأنشأ يزيد يقول: ما إن أبالي بما لاقت جموعهم... فبلغ معاوية شعره ، فأقسم عليه ليلحقنّ بسفيان في أرض الروم ليصيبه ما أصاب الناس ولو مات ، فلحق به في فرس أنطاكية وبعلبك وجماعة أنهضهم معه..) [أنساب الأشراف ج5 ص86].

وذكر المسعوديّ: (وقد كان معاوية أغزى في هذه السنة سفيان بن عوف العامريّ، وأمره أن يبلغ الطوانة فأصيب معه خلق من الناس، فعمّ الناسَ الحزنُ بمَن أصيب بأرض الروم، وبلغ معاوية أنّ يزيد ابنه لـمّا بلغه خبرُهم وهو على شرابه مع ندمائه قال: أهْوِنْ عليَّ بما لاقت جموعهمُ.... فحلف عليه ليغزوَنّ، وأردف به سفيان، فسمّيت هذه الغزاة غزاة الرادفة، وبلغ الناسُ فيها إلى القسطنطينيّة) [مروج الذهب ج3 ص24].

وذكر ابن الأثير: (سيّر معاوية جيشاً كثيفاً إلى بلاد الروم للغزاة، وجعل عليهم سفيان بن عوف وأمر ابنه يزيد بالغزاة معهم، فتثاقل واعتلّ، فأمسك عنه أبوه، فأصاب الناس في غزاتهم جوع ومرض شديد، فأنشأ يزيد يقول: ما أن أبالي بما لاقت جموعهم... فبلغ معاوية شعره، فأقسم عليه ليلحقنّ بسفيان في أرض الروم ليصيبه ما أصاب الناس، فسار ومعه جمع كثير أضافهم إليه أبوه..) [الكامل في التاريخ ج3 ص459].

وذكر الطبرانيّ عن أبي مسهر: (كان يزيد بن معاوية بدير مرّان، فأصاب المسلمين سباء وقتل بأرض الروم، فقال يزيد: وما أبالي بما لاقت جموعهم... فبلغ معاوية ذلك فقال: لا جرم ليلحقنّ بهم ويصيبه ما أصابهم وإلّا خلعته، فتهيّأ للرحيل، وكتب إليه : تجنّى لا تزال..) [معجم البلدان ج2 ص534].

وذكر ابن عساكر عن ابن داب: (بعث معاوية جيشاً إلى الروم فنزلوا منزلاً يقال له الفرقدونة، فأصابهم بها الموت وغلاء شديد، فكبر ذلك على معاوية، فاطلع يوماً على ابنه يزيد وهو يشرب وعنده قينة تغنيه... فقال معاوية أقسم عليك يا يزيد لترتحلنّ حتّى تنزل مع القوم وإلّا خلعتك، فتهيّأ يزيد للرحيل وكتب إلى أبيه: تحنّى لا تزال...) [تاريخ دمشق ج65 ص406].

أقول: هذه النصوص وغيرها واضحة في أنّ معاوية سيّر جيشاً إلى بلاد الروم، وجعل عليهم سفيان بن عوف، وأمر ابنه يزيد بالغزاة معهم، فيستفاد منها صريحاً أنّ أمير الجيش كان سفيان بن عوف، لا يزيد بن معاوية، ولـمّا تثاقل يزيد وأنشأ بيتين في وصف حاله بعيداً عن الجيش الذي أصابه الوباء، أمره أبوه بالذهاب والالتحاق بجيش سفيان بن عوف وسيّر معه جماعةً، وهذا يقضي بأنّه لَـم يكن أمير الجيش مقابل أهل الروم.

وبهذا يظهر أنّ ما يردّده كثيرون من تسمية هذه الغزوة بـ(غزوة يزيد بن معاوية)، ليس إلّا تطبيلاً فارغاً لا يمتّ للواقع بصلة، فإنّ الأمويّين وأتباعهم راحوا يطبّلون لالتحاق يزيد بجيش المسلمين – مع أنّه ما التحق إلّا رغماً عن أنفه -، فسمّوا تلك الغزوة باسمه، وحاولوا تلميع صورته وتبييض صفحته، وجعلوا له الكرامات والبطولات:

فمن ذلك: أنّ يزيد لـمّا وصل إلى باب القسطنطينيّة ضربه بسيفه أو بعمود من حديد كان في يده، فهشمه وحطّمه حتّى خرق الباب، وهزم الروم، ومن ثَـمَّ ضرب الرومُ على موضع ذلك الخرق لوحاً من ذهب إخفاءً لتلك الكرامة!! [ينظر الأغاني ج17 ص211، أنساب الأشراف ج5 ص86].

وهذا من أوضح الأكاذيب التي لا يرتاب فيها ذو مسكة، فأين يزيد والباب – الذي هو غاية ما وصل إليه المسلمون في تلك الحرب – فضلاً عن ضربه وتهشيمه وتحطيمه ثمّ حصول الانتصار ببركة هذه الضربة اليزيديّة العظيمة!! أين يزيد اللاهي الماجن من الحروب!

ومنها: أنّ سادات الصحابة كانوا تحت إمرة يزيد، وهم عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وأبو أيوب الأنصاريّ، بل أضاف بعضهم سيّد الشهداء (عليه السلام) أيضاً.

وهذا من التدليس الواضح أيضاً؛ فإنّه – بالإضافة إلى أنّه لَـم يثبت أنّ سيّد الشهداء (عليه السلام) كان معهم – لَـم يكن يزيد هو أمير الجيش، بل كان سفيان بن عوف كما تقدّم، وقد صرّح بهذا العلّامة العينيّ بقوله: (قلت: الأظهر أنّ هؤلاء السادات من الصحابة [وهم العبادلة وأبو أيّوب] كانوا مع سفيان هذا، ولم يكونوا مع يزيد بن معاوية، لأنّه لم يكن أهلاً أن يكون هؤلاء السادات في خدمته) [عمدة القاري ج14 ص199].

الوجه الخامس: الغفران مقيّد بالأهليّة للمغفرة:

ورد في حديث أمّ حرام: « أوّل جيش من أمّتي يغزون مدينة ‌قيصر ‌مغفور ‌لهم ».

ويقع السؤال: هل المغفرة تشمل كلّ أفراد الجيش حتّى لو لَـم يكن مؤهّلاً للمغفرة كما لو كان منافقاً؟ والسؤال الآخر: هل المغفرة هي للذنوب السابقة على الغزو أم لجميع الذنوب حتّى اللاحقة كما لو فُرض ارتداد بعض أفراد الجيش بعد هذه الغزوة؟

الجواب: لا يخفى أنّ المغفرة لأفراد الجيش مشروطة بأن يكون مؤهّلاً لها؛ إذ لا يخفى أنّ الله تعالى يغفر لـمَن كان مؤهّلاً وقابلاً لها، لا مَن لا يكون قابلاً لها، فإنّ هذا واضحٌ جداً، واستفاد العلماء – كما سيأتي ذكر بعض كلماتهم - أنّ «مغفور لهم» بمعنى استحقاق الجنّة ودخولها، وهذا يعني أنّهم فهموا المغفرة المستتبعة لدخول الجنّة، وينتج عن ذلك: أنّ المغفرة مقيّدة بعدم اقتراف ما يخرج المرء من الجنّة.

ومن الواضح أنّ يزيد بن معاوية لا يمكن أن يكون مشمولاً بهذا الحديث، فإنّه ارتكب أفظع الجرائم من قتل عترة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) واستباحة مدينته وهدم الكعبة، وقد تقدّم عن العلّامة الآلوسيّ أنّه يُحكم بكفر مَن يرتكب فعلاً مهيناً بحقّ المقدّسات الدينيّة العظيمة كإلقاء ورقة من المصحف في القاذورات، لدلالة الفعل على الكفر، فكيف بقتل سيّد الشهداء وأهله وأصحابه؟ وكيف باستباحة مدينة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ثلاثاً لجيشه؟ وكيف برمي الكعبة بالمنجنيق وهدمها؟! هل يتصوّر عاقل أن يكون مرتكب هذه الأفعال مسلماً فضلاً عن أن يكون مسلماً عاصياً ليكون مشمولاً بالمغفرة فيدخل الجنّة؟!!

ولا يخفى على عاقلٍ أنّه لا يمكن أن يكون مثل هذا الحديث صكّاً لدخول الجنّة، فما دام قد غزا ووعد بالمغفرة، فليفعل ما يفعل، حتّى هدم الكعبة واستباح لجيشه مدينة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ثلاثة أيام وقتل آل الرسول (عليهم السلام)!!

ولهذا ردّ العلماء الكبار على المهلّب لـمّا قال في شرح الحديث: (في هذا الحديث منقبة ليزيد؛ لأنّه أوّل مَن غزا مدينة قيصر)، وقال: (من هذا الحديث ثبتت خلافة يزيد بن معاوية، وفيه أنّه من أهل الجنّة)، وَهَاكَ بعض كلماتهم:

قال ابن الملقن – بعد نقل كلام المهلّب -: (وقال ابن التين: قيل: «فيه فضل يزيد؛ لأنّه أوّل من غزاها». ولعلّ يزيد لم يحضر مع الجيش، وأراد الشارع مَن يغزو بنفسه أو أراد الجماعة فغلب وإنْ كان فيهم واحد أو قليل غير مغفور لهم) [التوضيح لشرح الجامع الصحيح ج17 ص662].

وقال الدمامينيّ – بعد نقل كلام المهلّب -: (قال ابن المنير: تحاملَ في تصحيح خلافة يزيد بن معاوية، ثمّ في جعله من المشهود لهم بالجنّة، وما أراه إلّا احتملَتْه الحميّةُ لبني أمية، ولا خفاءَ بأنّ المغفرةَ ونحوَها من آثار الخير، إنّما تتنزّل على أسبابها، وإنّما تُؤتَى من أبوابها، وحالةُ يزيد عند أهل السنّة والجماعة ليست بهذه المثابة، وتخصيصُ واحدٍ من الأمّة بقرائنَ تُخرجه من العموم ليس ببدعٍ، ولا خلافَ في أنّ قوله (عليه السلام): «مغفورٌ لهم» مشروطٌ بكونهم من أهل الجنة والمغفرة، والمراد: مغفورٌ لمن وُجد شرطُ المغفرة فيه منهم) [مصابيح الجامع ج6 ص298].

وقال ابن حجر العسقلانيّ: (وتعقّبه ابن التين وابن المنير بما حاصله: أنّه لا يلزم من دخوله في ذلك العموم أن لا يخرج بدليل خاصّ؛ إذ لا يختلف أهل العلم أنّ قوله (صلّى الله عليه وآله): «مغفور لهم» مشروط بأن يكونوا من أهل المغفرة حتّى لو ارتدّ واحد ممّن غزاها بعد ذلك لم يدخل في ذلك العموم اتّفاقاً، فدلّ على أنّ المراد مغفور لمن وجد شرط المغفرة فيه منهم) [فتح الباري ج6 ص102].

وقال بدر الدين العينيّ: (قلت: أيّ منقبة كانت ليزيد وحاله مشهور؟ فإنْ قلت: قال (ص) في حق هذا الجيش: «مغفور لهم»، قلت: لا يلزم، من دخوله في ذلك العموم أن لا يخرج بدليل خاصّ؛ إذ لا يختلف أهل العلم أنّ قوله (ص): «مغفور لهم» مشروط بأن يكونوا من أهل المغفرة حتّى لو ارتدّ واحد ممّن غزاها بعد ذلك لم يدخل في ذلك العموم، فدلّ على أنّ المراد مغفور لمن وجد شرط المغفرة فيه منهم) [عمدة القاري ج14 ص199].

وقال القسطلانيّ: (وأجيب: بأنّ هذا جارٍ على طريق الحميّة لبني أميّة، ولا يلزم من دخوله في ذلك العموم أن لا يخرج بدليل خاصّ؛ إذ لا خلاف أنّ قوله (ص): «مغفور لهم» مشروط بكونه من أهل المغفرة حتّى لو ارتدّ واحد ممّن غزاها بعد ذلك لم يدخل في ذلك العموم اتّفاقاً قاله ابن المنير. وقد أطلق بعضُهم - فيما نقله المولى سعد الدين - اللعنَ على يزيد لـما أنّه كفر حين أمر بقتل الحسين، واتّفقوا على جواز اللّعن على مَن قتله أو أمر به أو أجازه ورضي به، والحقّ أنّ رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك وإهانته أهل بيت النبيّ (ص) ممّا تواتر معناه وإنْ كان تفاصيلها آحاداً، فنحن لا نتوقّف في شأنه بل في إيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه اهـ) [إرشاد الساري ج5 ص104].

وقال زكريا الأنصاريّ: (وأجيب: بأنّه لا يلزم من دخوله فيه أن لا يخرج بدليل خاصّ؛ إذ لا خلاف أن قوله: «مغفور لهم» مشروط بكونه من أهل المغفرة، ويزيد ليس كذلك، حتّى أطلق بعضهم جواز لعنه؛ لأمره بقتل الحسين ورضاه به، حتّى قال التفتازاني - بعد ذكره نحو ذلك-: والحقّ أنّ رضي يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك وإهانته أهل بيت النبيّ ممّا تواتر معناه وإنْ كان تفاصيلها أحاداً، فنحن لا نتوقّف في شأنه بل في إيمانه لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه. وخالف في جواز لعن المعين الجمهورَ القائلين بعدم جوازه، وإنّما يجوزونه على وجه العموم كأن يُقال: لعن الله الظالمين، وقوله: (بل في إيمانه)، أي: بل لا يتوقّف في عدم إيمانه بقرينة ما بعده وما قبله) [منحة الباري ج6 ص60].

وقال الكورانيّ الحنفيّ: (فإنْ كان جهاده مجرّد القتال فلا يلزم أن يكون يزيد مغفوراً له؛ لأنّ مغفرة الجيش باعتبار الغالب. وإنْ كان المراد فتح المدينة، فنحن أولئك الجيش من فضل الله تعالى كنّا في فتحه مع السلطان المجاهد السلطان محمّد بن مراد بن عثمان) [الكوثر الجاري ج5 ص480].

أقول: وأمّـا ما ذكره أخيراً – من تطبيقه على السلطان العثمانيّ – فهو ناشٍ عن عصبيّة؛ إذ إنّ السلطان مراد بن عثمان قد عهد إليه تعليم وليّ عهده السلطان محمّد، ومن ثـمَّ ولي القضاء أيّام السلطان محمّد، فهو ممّن يجرّ النار إلى قرصه ولهذا يقول: (فنحن أولئك الجيش...)، وقد ذكرنا في جواب سابق أنّه لا دليل على تطبيقه على السلطان محمّد بن مراد، فيمكن مراجعته.

الحاصل: أنّ تطبيق حديث: « أوّل جيش يغزو مدينة قيصر مغفور لهم » على يزيد بن معاوية غير صحيح؛ وذلك لوجوه:

1ـ أنّ أصل الحديث انفرد به النواصب، يرويه ثور بن يزيد الناصبيّ عن شيخه خالد بن معدان صاحب شرطة يزيد بن معاوية.

2ـ أنّ « يغزو » في الحديث يحتمل أن يكون بمعنى « الفتح »، لا مجرّد القتال، وهذا لا ينطبق على الغزوة المزعومة ليزيد.

3ـ أنّ أوّل غزو للقسطنينيّة لَـم يكن سنة (49هـ)، بل سبق ذلك بسنوات، فتطبيق الحديث على الغزوة التي كان فيها يزيد خطأ تاريخيّ.

4ـ الجيش الذي غزا سنة (49هـ) كان بقيادة سفيان بن عوف، وقد تخلّف عنه يزيد بن معاوية متعلّلاً وبقي في «دير مرّان» في ظاهر الشام مع زوجته وجواريه منشغلاً بالشرب والغناء والطرب، ولـمّا أصاب الوباء الجيش بأرض الروم تشمّت بالموتى بأبيات شعر، ولـمّا وصل الخبر وأبيات يزيد إلى أبيه معاوية عزم – حفظاً لماء وجهه - عليه الالتحاق وإلّا خلعه، فالتحق مجبوراً، وبقي هناك في الأماكن الآمنة، فأين فضيلة يمكن أن تتصوَّر له؟!

5ـ صرّح العلماء أنّ الحديث لا يشمل يزيد؛ لأنّ قول النبيّ (ص): «مغفور لهم» مشروط بأن يكونوا من أهل المغفرة؛ إذ لا يخفى أنّه لو ارتدّ واحد من الجيش بعد ذلك لَـم يكن مشمولاً بالحديث، وكذلك لو التحق منافق مجبوراً بذلك الجيش فإنّ المغفرة لا تشمله، ويزيد بن معاوية حاله أشهر من أن يُبيّن فقد قتل آل الرسول (ص) واستباح مدينته وهدم الكعبة، فأين عاقل يمكنه أن يتصوّر شمول الحديث ليزيد؟!

اللهمّ إلّا أن يعدّ النواصبُ التحاقَه بجيش المسلمين وهو مجبور، فضيلةً وخصيصة تغفر كلَّ ذنب ونفاق وكفر، فهو مضمون بالجنّة حتّى لو هدم الكعبة واستباح المدينة وقتل سيّد الشهداء (عليه السلام).