موقف الشيعة الإمامية من الفتوحات
سؤال: لماذا ينكر الشيعة الفتوحات فلا يجعلون لها أيّ شأن وفضل؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم أخي السائل الكريم أنّ إنكار الشيعة الإماميّة للفتوحات بُني على أساسين:
أحدهما: ما ورد في مصادر العامّة في شأن حروب الشيخين كونها لم تكنْ تأويلا للقرآن الكريم، فقد روي بسند على شرط الشيخين أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قَالَ: «إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيلِهِ». فَاسْتَشْرَفَ لَهَا الْقَوْمُ، وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا هُوَ، قَالَ: «لَا». قَالَ عُمَرُ: أَنَا هُوَ، قَالَ: «لَا» [المستدرك على الصحيحين ج3ص132رقم الحديث: 4621].
وفي صحيح مسلم أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قَالَ: «إِذَا فُتِحَتْ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ، أَيُّ قَوْمٍ أَنْتُمْ؟» قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، تَتَنَافَسُونَ، ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ، ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ، ثُمَّ تَتَبَاغَضُونَ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَنْطَلِقُونَ فِي مَسَاكِينِ الْمُهَاجِرِينَ، فَتَجْعَلُونَ بَعْضَهُمْ عَلَى رِقَابِ بَعْضٍ [صحيح مسلم ج4ص2274]. وفي هذا الحديثِ يَسألُ النَّبيُّ (صلَّى اللهُ عليه وآله) أصْحابَه ما يَكونُ حَالُكم إذا فتحتم بلاد الروم وفارس؟ ثمّ أخبرهم (صلَّى اللهُ عليه وآله) عن فساد حالهم بسبب تلك الفتوحات قبل وُقوعِها وقدْ وقَعَ فِعلًا على نَحوِ ما أخبَرَ به فكأنَّه قال: أتَبْقَون على ما أنتُم عليه أو تَتغيَّرُ بكم الحالُ؟ بلْ «تَتنافَسونَ». والتَّنافُسُ أَوَّلُ دَرجاتِ الحَسدِ، ثُمَّ تَدابَرون وتتَقاطَعون ويَهجُرُ بعضُهم بعضًا، ويُولِّي كلُّ واحدٍ منكم دُبرَه إلى الآخَرِ مُعرِضًا عنه، ويقَعُ بيْنكم التَّباغضُ والكُرهُ المتبادَلُ لبَعضِكم بعضًا، حتَّى يكونَ عنها الخلافُ والقتالُ والهلاكُ كما وَقَع ذلك، وهو ما أنذر به فِي مَواطِنٍ كَثيرَةٍ مِنْهَا: عِنْدَمَا قَالَ لأصحابه: ترجعونَ بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرب بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ [مسند أحمد ج 4 ص 366 تعليق شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح].
والجدير بالذكر أنّه لم يشارك الإمام عليّ (عليه السلام) في أيّ عمل عسكريّ مع الخلفاء الثلاثة، وقد جاء في كتاب: (فتوح البلدان) أنّ عمر بن الخطّاب عرض على أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) قيادة فتح فارس ، فأبى ، فوجه سعد بن أبي وقاص مكانه [فتوح البلدان ج 2 ص 313].
وذكر المسعوديّ في (تاريخه): «لمّا قتل أبو عبيد الثقفيّ بالجسـر شقّ ذلك على عمر .. فقال عثمان: أقم يا أمير المؤمنين، وابعث الجيوش، فإنّي لا آمن عليك إن أتى عليك آتٍ أن ترجع العرب عن الإسلام ، ولكن ابعث الجيوش وداركها بعضها على بعض ، وابعث رجلاً له تجربة بالحرب وبصيرة بها .قال عمر : ومن هو ؟!
قال : عليّ بن أبي طالب .قال : فالقَه ، وكلِّمه ، وذاكره ذلك ، فهل تراه يسرع إليه أم لا ؟!
فخرج عثمان، فلقي عليّاً فذاكره ذلك ، فأبى عليّ (ع) ذلك وكرهه ، فعاد عثمان إلى عمر فأخبره [مروج الذهب ج 3 ص 51].
والأساس الآخر: المذكور في مصادرنا الحديثيّة أنّ الجهاد الشـرعيّ لا يقع إلّا بصحبة الإمام كما روى الصدوق في كتابيه (الخصال والعلل) عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) أنّه قال: "لا يخرج المسلم في الجهاد مع مَن لا يؤمن على الحكم، ولا ينفذ في الفيء أمر الله عزّ وجلّ [الخصال ص626- علل الشرايع ص464].
وروى الكلينيّ في (الكافي) بسنده عن الإمام الباقر (عليه السّلام) أنّه قال: لا أعلم في هذا الزمان جهاداً إلّا الحجّ والعمرة، وجوار العلماء [الكافي ج1ص370].
وروى الكلينيّ أيضا: عن الإمامِ الصّادقِ (عليه السّلام) أنّهُ قالَ لبعضِ أصحابِه: واللهِ لَو كانَ خيراً ما سبقونا إليه [الكافي ج5 ص 19].
وبالتالي: بُني الرأي الإماميّ الرافض بشكل قاطع للفتوحات تبعا لأئمّتهم (عليهم السلام). هذا لو أغضضنا الطرف عمّا نتج عن تلكم الفتوحات من مصائب وبلايا، سواءٌ على الصعيد الاجتماعيّ، أم التربويّ، أم الالتزام الدينيّ، وبسببها دخلت الشبهات وراج الفساد والانحراف، في المجتمعات الإسلامية، واختلطت المفاهيم، وظهرت الدعوات التي اتّسع بسببها الخرق على الراقع خصوصا في أيّام الرعيل الأول!
والحمد لله أولا وآخرا.
اترك تعليق