العلّة التي من أجلها ترك الناس عليّا (ع)
السؤال: ما السبب الذي جعل الناس يميلون عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى غيره في شأن الخلافة رغم إدراكهم لفضله وسابقته؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم - أيّدك الله - أنّه عندما حلّت المصيبة بوفاة النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) على جميع المسلمين، اختلفت آراء الناس تجاه أمير المؤمنين (عليه السلام) بسبب تعدّد أهوائهم، فأدى إلى ميلهم عنه واختيارهم لغيره في مسألة أحقّيّته بالخلافة، على الرغم من معرفتهم بفضله وسابقته في الإسلام. وفيما يلي يمكن حصر أهمّ الأسباب والدوافع التي جعلت المهاجرين والأنصار يميلون إلى أبي بكر:
السبب الأوّل: طلب الدنيا
أحيانًا يكون السعي نحو الرياسة سبباً في إبعاد الأمر عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، كما حدث مع الأنصار الذين كان من المقرّر أن ينصبوا سعد بن عبادة، لكن الحسد بين الأوس والخزرج حال دون ذلك، عندما لاحظ أبو بكر ومن معه إجتماع الأوس والخزرج في السقيفة لتأمير سعد بن عبادة، الخزرجيّ الذي خطبهم وأغراهم بطلب الخلافة لـنـفـسـه [شرح أصول الكافي للمازندرانيّ ج١١ ص٣٦٧].
فمنعهم أبو بكر من ذلك مستغلّاً تنافسهم فانحاز شيخ الأوس أسيد بن حضير إلى أبي بكر وانحاز معه قومه، ولما رأت الخزرج أن الأوس قد مالت إلى أبي بكر، قرّرت هي أيضاً أن تسانده خوفاً من أن تكون لهم مكانة أعلى عنده مقارنة بالأوس.
وقد سئل الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام) عن: {ظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناس} فقال (عليه السلام) : ذلك والله يوم قالت الأنصار منّا رجل ومنكم رجل عادوا بعد ما قبض رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أهل جاهليّة. إنّ الأنصار اعتزلت فلم تعتزل بخير جعلوا يبايعون سعداً [تفسير القمّيّ للقميّ ج٢ ص١٦٠ - الكافي للكلينيّ ج٨ ص٢٩٦]. وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: أوّل من جرّأ الناس علينا سعد بن عبادة، فتح باباً ولجه غيره، وأضرم ناراً كان لهيبها عليه وضوؤها لأعدائه [منتهى المقال ج٣ ص٣٢٤].
وأحياناً أخرى: رغبة بعض الناس في السعي وراء طلب الرياسة كان سببا لصرف الأمر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) مثل عمر وأبي عبيدة وغيرهما فكانت مبايعة عمر لأبي بكر سببا لتوليته الخلافة بعد أبي بكر بتنصيبه له. وكذلك، لو عاش أبو عبيدة بعد عمر، لكان هو الخليفة الذي يليه. وقد قال عمر: "إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حيّ استخلفته" [مسند أحمد ج1ص18].
وقد سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) من بعض أصحابه: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحقّ به؟ فقال (عليه السلام): (فإنّها كانت إثرة، شحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين. والحكم لله، والمَعْوَد إليه القيامة) [علل الشرائع ج 1 ص 147].
وفي خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) بمكّة في أوّل إمارته جاء فيها: (إذ إنبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبيّنا، فصارت الإمرة لغيرنا وصرنا سوقة، يطمع فينا الضعيف، ويتعزّز علينا الذليل) [شرح نهج البلاغة ج1ص307].
وقد جعل العلّامة الحلّيّ (قدّس سرة) الّذين مالوا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وبايعوا أبا بكر ثلاثة أصناف ومن بينها قال: (أكثرهم طلبوا الدّنيا) [انظر: منهاج الكرامة في معرفة الإمامة ص36].
والسبب الثاني: البغض.
في بعض الأحيان، ينشأ البغض نتيجة للحسد، وهو ممّا يؤدّي إلى تكوين ضغينة اتّجاه أمير المؤمنين (عليه السلام) بسبب ما يمتلكه من مزايا عديدة، والتي بسببها انصرف الناس عنه، ففي خطبة له (عليه السلام) جاء فيها: (ما لنا ولقريش وما تنكر منّا قريش غير أنّا أهل بيت شيّد الله فوق بنيانهم بنيانا وأعلى الله فوق رؤوسهم رؤوسنا واختارنا الله عليهم فنقموا عليه أن اختارنا عليهم وسخطوا ما رضى الله وأحبّوا ما كره الله، فلما اختارنا عليهم شركناهم في حريمنا وعرفّناهم الكتاب والسنّة وعلمّناهم الفرايض والسنن وحفظناهم الصدق واللّين وديناهم الدين والإسلام فوثبوا علينا وجحدوا فضلنا ومنعونا حقّنا والتوونا أسباب أعمالنا وأعلامنا، اللّهُمّ فانّي أستعديك على قريش فخذ لي بحقّي منها ولا تدع مظلمتي لها وطالبهم يا ربّ بحقّي فإنّك الحكم العدل فإنّ قريشا صغرت قدري واستحلّت المحارم منّي واستخفّت بعرضي وعشيرتي وقهرتني على ميراثي من ابن عمّي وأغرّوا بي أعدائي ووتروا بيني وبين العرب والعجم وسلبوني ما مهّدت لنفسي من لدن صباي بجهدي وكدّي ومنعوني ما خلّفه أخي وحميمي وشقيقي) [مناقب آل أبي طالب لأبن شهر آشوب ج ٢ ص ٤٧].
وأحيانا أخرى ينشأ الحسد نتيجة قتله لذويهم من مشركي قريش وغيرها فإنّه وتر صناديد أقاربهم في ذات اللّه تعالى وحصد رؤوسهم بسيفه، وهذا الفعل أثار كراهية في نفوس ذويهم، وهو ممّا جعلهم يميلون عنه لغيره، فعن عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرضا (عليه السلام) قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) كَيْفَ مَالَ النَّاسُ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ وَ قَدْ عَرَفُوا فَضْلَهُ وَ سَابِقَتَهُ وَ مَكَانَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله) فَقَالَ (عليه السلام): إِنَّمَا مَالُوا عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ قَتَلَ آبَاءَهُمْ وَ أَجْدَادَهُمْ وَأَعْمَامَهُمْ وَ أَخْوَالَهُمْ وَ أَقْرِبَاءَهُمْ الْمُحَارِبِينَ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ عَدَداً كَثِيراً فَكَانَ حِقْدُهُمْ عَلَيْهِ لِذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ فَلَمْ يُحِبُّوا أَنْ يَتَوَلَّى عَلَيْهِمْ وَ لَمْ يَكُنْ فِي قُلُوبِهِمْ عَلَى غَيْرِهِ مِثْلُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْجِهَادِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ (ص) مِثْلُ مَا كَانَ لَهُ فَلِذَلِكَ عَدَلُوا عَنْهُ وَ مَالُوا إِلَى غَيْرِهِ [علل الشرائع للصدوق ج 1 ص 146].
نكتفي بهذا القدر والحمد لله أوّلاً وآخراً.
اترك تعليق