معنى حديث إنَّ الله لا يُعصى بغلبة.

السؤال: ما معنى قول الإمام الرضا (ع): (إنَّ الله سبحانه...لا يُعصى بغلبة)؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

يُشير الأخ السائل إلى ما رواه الشيخ الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن سُليمان بن جعفر الجعفريّ، عن أبي الحسن الرضا (ع)، قال: ذكر عنده الجبر والتفويض، فقال: «ألا أعطيكم في هذا أصلاً لا تختلفون فيه ولا تخاصمون عليه أحداً إلَّا كسرتموه»؟ قلنا: إنْ رأيت ذلك، فقال: «إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) لم يُطع بإكراه، ولم يُعص بغلبة، ولم يهمل العباد في ملكه، هو المالك لما ملَّكهم، والقادر على ما أقدرهم عليه، فإنْ ائتمر العباد بطاعته لم يكن الله عنها صاداً ولا منها مانعاً، وإنْ ائتمروا بمعصيته فشاء أنْ يحول بينهم وبين ذلك فعل، وإنْ لم يحل وفعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه، ثمَّ قال (ع): من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه" [التوحيد ص359].

أقول: هذا الحديث ناظر إلى ردِّ أهل الجبر والتفويض، فأهل الجبر الذين يعتقدون أنَّ الله تعالى هو من يفعل أفعالنا ومن ثمَّ يثيبنا على الصالح ويعاقبنا على الطالح؛ ولذلك دخلوا في محذور الظلم، وأمَّا أهل التفويض فهم الذين يعتقدون بأنَّ الله تعالى فوَّض الأمور لنا ولا علاقة له بشيءٍ من أفعالنا، والحقُّ ما بيَّنه أهل البيت (ع) من الأمر بين الأمرين، فلا جبر ولا تفويض ولكنَّه أمرٌ بين أمرين، وتفصيل الكلام في هذه المسألة موكولٌ إلى كتب علم الكلام.

أمَّا قوله (ع): «ولم يُعص بغلبة» في الحديث فمعناه أنَّ الإنسان إذا عصى مراد الله تعالى فليس بغلبته لله تعالى، وبذلك يكون الله تعالى مغلوباً والإنسان غالباً، بل لأنَّ حكمته تعالى شاءت أنْ تكون أفعال العباد تبعاً لاختيارهم، وإلَّا فالله تعالى قادرٌ على منع وقوع المعصية من العبد.

قال العلَّامة المازندرانيُّ (طاب ثراه) معلِّقاً على قول أمير المؤمنين (ع): «ولم يُعص مغلوباً» ما هذا لفظه: (ولم يُعص مغلوباً، دَفَع به ما يتوهَّمه الجبريَّة أنَّ أفعال العباد لو كانت مستندةً إليهم وأراد الله تعالى منهم فعل الطاعات وترك المنهيات، فإذا تركوا الطاعات وفعلوا المنهيات بإرادتهم لزم أنْ يكون الله تعالى مغلوباً وهم غالبون، حيث حصل مرادهم دون مراده تعالى، ولا يرضى بذلك عاقل. ووجه الدفع: أنَّ ذلك إنما يلزم لو أراد منهم الفعل والترك حتماً وجبراً وهم اختاروا نقيض مراده، وأمَّا إذا أراد ذلك منهم على سبيل الاختيار، بأنْ قال لهم في هذا الفعل مصلحةٌ وفي تركه مفسدة ولكم زمام الاختيار، فإنْ فعلتموه فلكم الثواب، وإنْ تركتموه فعليكم العقاب. فمن البيِّن أنَّ اختيارهم الترك حينئذٍ لا يستلزم أنْ يكونوا عاصين على وجه الغلبة، وأنْ يكون الله تعالى مغلوباً لهم) [شرح أصول الكافي ج5 ص12].

وقال العلَّامة المجلسيُّ (طاب ثراه) في بيان الحديث ما نصُّه: (ولم يعص مغلوباً: على بناء المفعول: أي لم يقع العصيان عن طاعته بمغلوبيته عن العبد، بل بما فيه الحكمة من عدم إكراهه وإجباره، أو لا يقع العصيان بمغلوبية العاصي، فإنه لا عصيان مع عدم الاختيار) [مرآة العقول ج2 ص181]

والحمد لله ربِّ العالمين.