هل الجاحظ شيعيُّ المذهب؟

السؤال: هل العالم الجاحظ شيعيُّ المذهب، وما رأي علماء الشيعة فيه؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

الجاحظ هو أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب البِصريّ، المعرف بالجاحظ، سُمِّي بذلك (بسبب نتوء حدقتيه، مما جعله دميماً، وربما لُقِّب بـ(الحدقيّ)، وهو أقلُّ ذيوعاً من لقبه الأوَّل، ونجهل الزمن الذي أُطلق عليه هذان اللقبان، ولعلَّ طلابه ومريديه من أطلقوه عليه، والمعتقد أنَّ الجاحظ كان في شبابه وحتَّى في شيخوخته غير راضٍ عن هذا اللقب؛ ولذا كان يتبرَّم بمن يدعوه به، ويجهد نفسه كي يفهم الناس أنَّ اسمه عمرو، وإلَّا فليدعَ أبا عثمان الاسم الذي كان فخوراً به) [كتاب الجاحظ في البصرة وبغداد وسامراء ص98].

أقول: المستفاد من كلمات الأعلام الذين ترجموا للجاحظ أنَّه ليس من أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، وإنّما هو من مخالفيهم، وإليك جملةً من ذلك.

1ـ قال الزركليُّ: (كبير أئمَّة الأدب، ورئيس الفرقة الجاحظيَّة من المعتزلة، مولده ووفاته في البصرة، فلج في آخر عمره، وكان مشوَّه الخلقة، ومات والكتاب على صدره، قتلته مجلَّداتٌ من الكتب وقعت عليه، له تصانيف كثيرة) [الأعلام ج5 ص74].

2ـ وقال في حقِّه الذهبيُّ: (المعتزليّ، صاحب التصانيف، أخذ عن النظَّام، وروى عن أبي يوسف القاضي، وثمامة بن أشرس، روى عنه أبو العيناء، ويموت بن المزرع، ابن أخته، وكان أحد الأذكياء. قال ثعلب: ما هو بثقة) [سير أعلام النبلاء ج9 ص413].

3ـ وقال ابن حجر العسقلانيُّ في حقِّه: (قال ثعلب: ليس بثقة، ولا مأمون! قلتُ: وكان من أئمَّة البدع...وقال الخطَّابي: هو مغموصٌ في دينه. وذكر أبو الفرج الأصبهانيُّ: أنه كان يُرمى بالزندقة، وأنشد في ذلك أشعاراً) [لسان الميزان ج6 ص189].

4ـ وقال الشيخ عبَّاس القمِّي (طاب ثراه): (الجاحظ: أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الليثيُّ البِصريُّ اللغويُّ النحويُّ، كان من غلمان النظَّام، وكان مائلاً إلى النصب والعثمانيَّة، وله كتب، منها العثمانيَّة التي نقض عليها أبو جعفر الإسكافيّ، والشيخ المفيد، والسيد أحمد بن طاووس، وطال عمره وأصابه الفالج في آخر عمره، ومات بالبصرة سنة 255) [الكنى والألقاب ج2 ص136].

5ـ وقال السيِّد الميلانيّ (دامت بركاته) في بيان عدم رواية الجاحظ لحديث الغدير: (إنَّ الجاحظ يُعدُّ من كبار النواصب لأمير المؤمنين (عليه السلام) ومن أنصار المروانيَّة أعداء الإمام، حتَّى أنَّه ألَّف لهم كتاباً في تأييد مذهبهم شحنه كذباً وافتراءً على عليٍّ (عليه السلام) ، وملأه تنقيصاً وتشكيكاً في فضائله ومناقبه وخصائصه، ومواقفه التي لم يشركه فيها أحدٌ من المسلمين في الدفاع عن الإسلام، ونبي الإسلام محمَّد (صلَّى الله عليه وآله).

قال الدهلويُّ: الجاحظ معتزليٌّ وناصبيٌّ معاً، وله كتابٌ ذكر فيه نقائص أمير المؤمنين، وأكثر رواياته هي عن إبراهيم النظَّام) ثمَّ إنَّ الدهلويَّ صرَّح في باب الإمامة من كتابه بأنَّ الطعن في أمير المؤمنين (عليه السلام) كفر) [نفحات الأزهار ج6 ص 261ـ262].

ثمَّ نقل (دامت بركاته) عن ابن تيمية كلاماً جاء فيه: (وعُلِم أنَّ البدريين أفضل من غير البدريين، وأنَّ علياً أفضل من جماهير هؤلاء، لم يُقدَّم عليه أحدٌ غير الثلاثة، فكيف ينسب إلى أهل السنة تسويته بمعاوية أو تقديم معاوية عليه؟ نعم، مع معاوية طائفةٌ كثيرةٌ من المروانيَّة وغيرهم، كالذين قاتلوا معه وأتباعهم، يقولون: إنه كان في قتاله على الحق مجتهداً مصيباً، وإنَّ علياً ومن معه كانوا ظالمين أو مجتهدين مخطئين، وقد صنَّف لهم في ذلك مصنَّفات مثل كتاب المروانيَّة الذي صنَّفه الجاحظ.

وقال ابن تيمية في موضعٍ آخر من كتابه: والمروانيَّة الذين قاتلوا علياً وإنْ كانوا لا يكفّرونه، فحجَّتهم أقوى من حجة هؤلاء الرافضة، وقد صنَّف الجاحظ كتاباً للمروانيَّة ذكر فيه من الحجج التي لهم ما لا يُمكن للزيديَّة نقضه، دع الرافضة، فهذا هو حال الجاحظ الذي يتمسَّك الرازيّ بتركه رواية حديث الغدير) [نفحات الأزهار ج6 ص262].

6ـ وقال الشيخ السبحانيُّ (دام ظلُّه) في ترجمته: (تدلُّ آثاره على أنَّ الرجل كان متلوِّناً في حياته غير جانحٍ إلى فئة، بل كان كالريشة في مهب الريح، يميل مع كلِّ ريح، فتارة يكون عثمانيَّ الهوى ويؤلِّف كتاباً في ذلك، ويدعمه بكتابٍ آخر في إمامة المروانيَّة وخلافة الشجرة الملعونة في القرآن، وأُخرى علويَّاً يجمع الكلم القصار لعليٍّ (عليه السلام) يفضِّل عليّاً على غيره!

قال ابن قتيبة في شأنه: تجده يحتجُّ مرَّةً للعثمانيَّة على الرافضة، ومرَّة للزيديَّة على العثمانيَّة وأهل السنَّة، ومرَّة يفضِّل علياً (رضي الله عنه) ومرَّة يؤخِّره...إلى أنْ قال: ويعمل كتاباً يذكر فيه حجج النصارى على المسلمين ، فإذا صار إلى الردِّ عليهم تجوَّز في الحجَّة كأنَّه إنَّما أراد تنبيههم على ما لا يعرفون وتشكيك الضعفة من المسلمين.

وتجده يقصد في كتبه المضاحيك والعبث، يريد بذلك استمالة الأحداث وشرَّاب النبيذ، ويستهزئ من الحديث استهزاءً لا يخفى على أهل العلم...وهو مع هذا من أكذب الأُمَّة وأوضعهم للحديث وأنصرهم للباطل) [الملل والنحل ج3 ص383].

والنتيجة من كلِّ ذلك، أنَّ الجاحظ لم يكن من شيعة أهل البيت (عليهم السلام) وإنما كان من مخالفيهم.. والحمد لله ربِّ العالمين.