هل ينفي كاشف الغطاء ضرب الزهراء (عليها السلام)؟

السؤال: يستند الوهابيّة إلى ما ذكره الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، حيث قال: (قضية ضرب الزهراء ولطم خدّها لا يمكن أن يقبلها وجداني ولا يتقبّلها عقلي، ولا تقتنع بها مشاعري)، وهذا يُستخدم لنفي وقوع ضرب السيدة فاطمة (عليها السلام) وإسقاط الجنين، فهل ينفي الشيخ ضرب الزهراء ولطم خدّها؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم –أيّدك الله- أنّ هذه العبارة هي جزء من مقالة منشورة في كتاب (جنّة المأوى) حول السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ولنا تعليق بخصوص هذه المقالة نذكره في أمور:

الأمر الأوّل: أنّ كتاب (جنّة المأوى) يعـدّ جزءً ثانياً لكتاب (الفردوس الأعلى) للعلّامة الشيخ محمّد الحسين كاشف الغطاء (قدّس سرّه)، كما صرّح في مقدّمة الفردوس: (وصمّمت العزيمة من ساعتي على الشروع في هذا المشروع، على أن يكون اسم المجلّد الأوّل «الفردوس العليا أو الأعلى»، واسم المجلّد الثاني الخاصّ بأهل البيت (عليهم السلام) «جنّة المأوى»، وموادّ هذا الجزء كلّها جاهزة، وإنْ فسح الله تعالى في الأجل ووفّقنا لأن نعزّزهما بثالثٍ نجعله «شجرة طوبى وسدرة المنتهى») [الفردوس الأعلى ص40-41]، وقد طُبع كتاب الفرودس في حياة كاشف الغطاء بعناية وتعليقات العلّامة السيّد محمّد علي القاضي الطباطبائيّ.

وأمّـا كتاب (جنّة المأوى) فلَـم يُطبع في حياة الشيخ كاشف الغطاء، بل بعد حياته، ومسودّات الكتاب ومواده الأوليّة كانت جاهزة عند طبع الفردوس الأعلى كما صرّح في عبارته الآنفة، إلّا أنّه لَـم يبيّضها ولا جمعها، وإنّما جاء السيّد القاضي بعد وفاة كاشف الغطاء وجمع من مكتبته ما تيسّر له من أوراق متناثرة حول أهل البيت (عليهم السلام)، وطبعها.

قال السيّد القاضي في مقدّمة جنة المأوى: (ولكن الأسف كلّ الأسف أنّ الأجلَ وحِيلَ أعداء الدين والإنسانيّة لم يمهله بجمع كتاب «جنّة المأوى» وتأليفه... وبعدما وردنا إلى جامعة النجف الأشرف، واجتمعنا مع العلماء والأصدقاء في أندية العلم، وبقينا فيها عدّة شهور، واجتمعنا أيضاً مع نجل شيخنا الإمام، وقرّرنا ساعة خاصّة للاجتماع معه في مكتبة الإمام (رحمه الله) الواقعة في مدرسته العلميّة في محلّة العمارة؛ للفحص عن تلك الأوراق والموادّ النفيسة التي كان من قصده جمعها وترتيبها في جنّة المأوى، فحصل منها لدينا مقدار موادّ متفرّقة مختلفة لها تعلّق بموضوع الكتاب ولم تصل أيدينا إلى كلّ ما ترشّح من قلمه الشريف في حقّ كلّ واحد من الأئمّة الطاهرين (سلام الله عليهم) من الموادّ والمقالات والرسائل التي كان من قصده جمعها وترتيبها وتجديد النظر فيها أو كان من قصده كتابتها عند تأليف الكتاب، بل وجدنا مقداراً ممّا يتعلّق بخاتم الأنبياء (صلّى الله عليه وآله) وبعض الأئمّة (عليهم السلام)، ورأينا أنّ كلّ ما برز من قلمه الشريف من المقالات المتفرّقة والموضوعات المختلفة ولها تعلّق ومناسبة في الجملة بموضوع الكتاب ينبغي ضبطها وثبتها، فإنّ كلّ ما ترشح من قلمه الشريف لها قيمتها العالية عند أهلها...) [جنة المأوى ص12-13].

فلا يُعلَـم – والحال هذه – صحّة انتساب هذه القطعة حول الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) للشيخ كاشف الغطاء؛ وذلك لأنّه – كما قال السيّد جعفر مرتضى العامليّ – (إنْ كانت العبارات له (رحمه الله) فلعلّها كانت مشروع إجابة كان يحاول أن ينشئها، ولَـم ينتهِ منها بعد، ولعلّه كان يريد إدخال المزيد من التنقيح والتصحيح عليها، ثمّ عاجلته المنيّة قبل أن يُنجز ذلك. وإنْ كانت هذه الفقرات لغيره فلعلّه أراد أن يناقشها، أو يعلّق عليها، ولَـم تسنح له الفرصة لذلك) [مختصر مفيد ج9 ص69-70].

الأمر الثاني: الملاحظ أنّ الكلام في هذه المقالة لا يخلو من إرباك، بيان ذلك:

1ـ أنّه قال في بداية المقالة: (طفحت واستفاضت كتب الشيعة من صدر الإسلام والقرن الأوّل: مثل كتاب سليم بن قيس، ومن بعده إلى القرن الحادي عشر وما بعده، بل وإلى يومنا، كلّ كتب الشيعة التي عُنيت بأحوال الأئمّة... أطبقت كلمتهم تقريباً أو تحقيقاً في ذكر مصائب تلك البضعة الطاهرة: أنّها بعد رحلة أبيها المصطفى ضرب الظالمون وجهها ولطموا خدّها، حتى احمرّت عينها وتناثر قرطها، وعصرت بالباب حتّى كسر ضلعها، وأسقطت جنينها، وماتت وفي عضدها كالدملج، ثمّ أخذ شعراء أهل البيت سلام الله عليهم هذه القضايا والرزايا، ونظّموها في أشعارهم ومراثيهم وأرسلوها ارسال المسلمات...).

وهذا يعني أنّه يرى ثبوت حادثة الهجوم على دار الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) وضربها ولطم خدّها وكسر ضلعها ووو، وأنّها ممّا طفحت واستفاضت به كتب الشيعة منذ صدر الإسلام إلى اليوم، وأنّ جميع كتب الشيعة في سيرة المعصومين (عليهم السلام) تعرّضت لها، وأنّها ممّا قام عليها إجماع الشيعة الإماميّة.

2ـ ثـمّ قال: (ولكنّ قضيّة ضرب الزهراء ولطم خدّها ممّا لا يكاد يقبله وجدانيّ ويتقبّله عقلي ويقتنع به مشاعري..).

وتتضمّن هذه العبارة استبعاد لحصول الضرب واللّطم بسبب عدم تقبّل الوجدان واقتناع المشاعر!

3ـ ثـمّ قال: (أمّا قضية قنفذ وأنّ الرجل لم يصادر أمواله كما صنع مع سائر ولاته وأمرائه وقول الامام (عليه ‌السلام): إنّه شكر له ضربته، فلا أمنع من أنّه ضربها بسوطه من وراء الرداء، وانّما الذي أستبعده أو أمنعه هو لطمة الوجه، وقنفذ ليس ممّن يخشى العار لو ضربها من وراء الثياب أو على عضدها..).

وهذا يعني عدم استبعاد الضرب، وأنّ الذي يستبعده هو خصوص لطمة الوجه بحيث تصل يد الأجنبيّ لبدنها الشريف؛ وذلك لأنّه حصر ما يستبعده أو يمنعه بذلك حيث قال: (وانّما الذي أستبعده أو أمنعه هو لطمة الوجه، وقنفذ ليس ممّن يخشى العار لو ضربها من وراء الثياب أو على عضدها).

وهذا ما نبّه عليه السيّد القاضي في الهامش: (يظهر من هذا الكلام أنّ مراد شيخنا الإمام من أوّل هذا المقال إلى آخره هو استبعاد أن تصل يد أثيمة من أجنبيّ إلى بدن الصديقة الطاهرة ووجهها (عليها السلام) بالضرب واللطم) [جنة المأوى ص134].

إذن: المقدار الذي يريد أن ينفيه الشيخ كاشف الغطاء هو وصول يد الأجنبيّ لبدن الصدّيقة (عليها السلام)، لا نفي مطلق الضرب واللّطم، فضلاً عن نفي أصل الهجوم والمظلوميّة.

وهذا المقدار الذي يستبعده لا بأس به؛ لوجود بعض الأخبار التي تشهد له، فقد ورد أنّ الضرب كان من وراء الخمار، لا على الوجه مباشرة:

ففي رواية المفضّل بن عمر عن الإمام الصادق (عليه السلام): «..وهجوم عمر وقنفذ وخالد بن الوليد، وصفقة خدّها حتّى بدا قرطاها تحت خمارها، وهي تجهر بالبكاء..» [بحار الأنوار ج53 ص19].

وورد في رسالة عمر لمعاوية: «..فأقبلَتْ إليَّ بوجهٍ أغشى بصري، فصفقتُ صفقةً على خدّيها من ظاهر الخمار، فانقطع قرطها وتناثرت إلى الأرض..» [بحار الأنوار ج30 ص294].

الأمر الثالث: أن الضرب واللّطم ثابت بالاستفاضة والشهرة الأجياليّة والتواتر، فلا يمكن نفيها بالاستحسانات: كعدم قبول الوجدان وعدم تقبّل العقل وعدم اقتناع المشاعر، فإنّ هذه ظنون لا تغني عن الحقّ شيئاً.

وقد كفانا الشيخ كاشف الغطاء مؤونة ذكر الأحاديث والأخبار الدالة على ثبوت الضرب واللطم؛ وذلك لأنّه صرّح في مطلع مقالته قائلاً: (طفحت واستفاضت كتب الشيعة من صدر الإسلام والقرن الأوّل: مثل كتاب سُليم بن قيس، ومن بعده إلى القرن الحادي عشر وما بعده، بل وإلى يومنا، كلّ كتب الشيعة التي عنيت بأحوال الأئمّة... أطبقت كلمتهم تقريباً أو تحقيقاً في ذكر مصائب تلك البضعة الطاهرة: أنّها بعد رحلة أبيها المصطفى ضرب الظالمون وجهها ولطموا خدّها، حتى احمرّت عينها وتناثر قرطها...).

نكتفي بهذا القدر، والحمد لله أوّلاً وآخراً.