ما معنى يعسوب الدين؟
ما معنى لقب (يعسوب الدين) لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
المستفاد من كلمات أهل اللغة أنَّ كلمة (اليعسوب) تأتي بمعنى الرئيس والكبير والسيِّد والمقدَّم والملك وما أشبه ذلك من المعاني، وأنَّ الأصل فيها هو أمير النحل وسيِّدها، وبعدها استعملت في كلِّ رئيسٍ وأمير؛ ولذلك يُطلق عليه اليعسوب.
وهو لقبٌ من ألقاب أمير المؤمنين (عليه السلام) التي لقَّبه بها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) كما سيتَّضح.
قال سبط ابن الجوزيّ - في أسمائه وألقابه (عليه السلام) -: (ويسمَّى يعسوب المؤمنين؛ لأنَّ اليعسوب أمير النحل، وهو أحزمهم، قالوا: يقف كلَّ يومٍ على باب الكوارة عند رجوع النحل من المرعى، كلَّما مرَّت به نحلة شمَّ فاها، فإنْ وجد منها رائحةً منكرةً علم أنَّها قد رعت حشيشةً خبيثةً، فيقطعها نصفين ويلقيها على باب الكوارة ليتأدَّب بها غيرها، وكذا أمير المؤمنين (عليه السلام) يقف على باب الجنَّة، فيشمُّ أفواه الناس، فمن وجد في فيه رائحة محبَّته أدخله الجنَّة، ومن وجد في فيه رائحة بغضه ألقاه في النَّار، فلهذا سمِّي قسيم الجنَّة والنَّار. قال في الصحاح: اليعسوب ملك النحل، ومنه قيل للسيِّد يعسوب قومه. والمؤمنون يتشبَّهون بالنحل، لأنَّ النحل تأكل طيباً وتضع طيباً، وعليٌّ (عليه السلام) أمير المؤمنين) [تذكرة الخواص ج1 ص١١٩].
وقال ابن أبي الحديد في قوله «أنا يعسوب المؤمنين» ما لفظه: (هذه كلمةٌ قالها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بلفظين مختلفين، تارة: «أنت يعسوب الدين» وتارة: «أنت يعسوب المؤمنين»، والكلُّ راجعٌ إلى معنىً واحدٍ، كأنَّه جعله رئيس المؤمنين وسيِّدهم، أو جعل الدين يتبعه، ويقفو أثره، حيث سلك كما يتبع النحل اليعسوب، وهذا نحو قوله: «وأدرِ الحقّ معه كيف دار») [شرح نهج البلاغة ج19 ص٢٢٤].
وقال الطريحيُّ (طاب ثراه) - في حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) «كنتُ للمؤمنين يعسوباً» -: (اليعسوب: أمير النحل وكبيرهم وسيِّدهم، تضرب به الأمثال؛ لأنه إذا خرج من كوره تبعه النحل بأجمعه، والمعنى: يلوذون بـي كما تلوذ النحل بيعسوبها، وهو مقدَّمها وسيِّدها. ومثله ما ورد في الخبر عن النبي (صلَّى الله عليه وآله) قال لعلي: «أنت يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الكفَّار»، ومن هنا قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام) أمير النحل) [مجمع البحرين ج2 ص121].
إذا بان هذا فلنذكر بعض الروايات في هذا المعنى:
1ـ روى أبو بكر البزَّار بسنده عن محمَّد بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جدِّه أبي رافع، عن أبي ذر، عن النبي (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) أنه قال لعلي بن أبي طالب: «أنت أوَّل من آمن بي، وأنت أوَّل من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصدِّيق الأكبر، وأنت الفاروق، تفرق بين الحق والباطل، وأنت يعسوب المؤمنين) [مسند البزار ج9 ص342، المعجم الكبير ج6 ص269، الاستيعاب ج4 ص1744] وغيرها.
2ـ وروى أبو نعيم بسنده عن أبي مسعر، قال: دخلتُ على عليٍّ (رضي الله عنه) في الرحبة وبين يديه ذهب، فقال: «أنا يعسوب المؤمنين، وهذا يعسوب المنافقين، وقال: بـي يلوذ المؤمنون، وبهذا يلوذ المنافقون» [معرفة الصحابة ج1 ص86].
3ـ وروى الشجريُّ بالإسناد عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه محمَّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «أنت الصدِّيق الأكبر، وأنت الفاروق، تفرق بين الحق والباطل، وأنت يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين» [ترتيب الأمالي الخميسية ج1 ص58].
4ـ وروى ابن عقدة الكوفي بسنده عن علي بن موسى، عن أبيه، عن جعفر، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «يا عليُّ! إنَّك سيِّد المسلمين، وإمام المتَّقين، وقائد الغر المحجَّلين، ويعسوب المؤمنين» [ينظر: أمالي الطوسيّ ص٣٤٥، فضائل أمير المؤمنين ص17].
5ـ وروى الشريف الرضيّ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «أنا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الفجَّار» [نهج البلاغة ج4 ص ٧٥، غرر الحكم ص262].
والنتيجة المتحصَّلة من كلِّ ذلك، أنَّ لقب يعسوب الدين أو المؤمنين من الألقاب النبويَّة لأمير المؤمنين (عليه السلام) والتي تعني كونه السيِّد والقائد والأمير، كما في النحل التي تتبع قائدها وأميرها.. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق