ماذا قدّم الشيعة للإسلام والعالم؟!!
راشد/الإمارات/: تم تحرير المسجد الأقصى في زمن عمر رضي الله عنه، ثم في زمن القائد السني صلاح الدين الأيوبي رحمه الله. فما هي إنجازات الشيعة على مدار التاريخ؟! وهل فتحوا شبراً من الأرض أو نكأوا عدواً للإسلام والمسلمين؟
الأخ راشد.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بما أنك قدمت عمر بن الخطاب رمزاً من رموزك تفاخر بإنجازاته أمامنا، فاسمح لنا أن نقدم سيف الإسلام الخالد أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) رمزاً نفاخر به الدنيا كلها، وليس المسلمين فقط.
فعلي (عليه السلام) كان الحصن الحصين للخلفاء الذين سبقوه بالحكم، وقد اعترف الخلفاء بجميل صنعه بهم، وعلوّ كعبه عليهم في هذا الجانب في أقوال عديدة، نذكر منها القول المشهور لعمر بن الخطّاب: لولا عليّ لهلك عمر. [راجع: ذخائر العقـبى للطبري: 82، تأويل مختلف الحديـث لابن قتيبة: 152، فيض القدير في شرح الجامع الصغير للمناوي 4: 470، مرقاة المفاتيح في شرح مشكاة المصابيح للقاري 11: 252].
فعندما بلغ عمر بأن الأعاجم أقبلوا إليه بكل قومياتهم في نهاوند، فاجتمع أهل الري وسمنان والدامغان وما والاها بنهاوند في عشرين ألفاً، وأهل ساوه وهمدان في عشرة آلاف، وأهل نهاوند خاصة في عشرة آلاف، وأهل قم وقاشان في عشرين ألفاً، وأهل أصفهان في عشرين ألفاً، وأهل فارس وكرمان في أربعين ألفاً، وأقبل أهل أذربيجان في ثلاثين ألفاً، فصاروا خمسين ألفاً ومائة ألف ما بين فارس وراجل من المرازبة والأساورة والأبطال المعدودين المذكورين في كل بلد من أرض فارس، ثم جمعوا نيفاً وسبعين فيلاً يريدون التهويل على خيول المسلمين، عندما بلغ ذلك عمر تقول الرواية: (وقعت عليه الرعدة والنفضة حتى سمع المسلمون أطيط أضراسه) [الفتوح لابن أعثم 2: 291].
عندها أقبل عمر إلى مسجد رسول الله (ص) يستنجد بالمهاجرين والأنصار أن يعينوه في أمره لمواجهة كلّ هؤلاء، فتكلموا بكلمات وجدها عمر لا تغني ولا تسمن من جوع، وبقي متحيراً لا يعرف ماذا يفعل، ولم يكن أمامه سوى أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، فأقبل عليه يطلب منه المشورة والإعانة منه في الأمر، فقال له: (يا أبا الحسن، لم لا تشير بشيء كما أشار غيرك ؟!).
هنا نطق علي (عليه السلام) وتكلم بتلك المشورة العظيمة التي قلبت معادلة الأمور كلها، ووضع الخطة كاملة في كيفية الإنتصار على الأعاجم [راجع المصدر السابق]، عندها التفت عمر إلى الصحابة الذين لم يشيروا عليه بشيء نافع وقال لهم: (ويحكم! عجزتم كلكم عن آخركم أن تقولوا كما قال أبو الحسن ؟!!).
نعم، هذا هو أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، الكهف الحصين لكل الذين سبقوه في الحكم، وما كانت تلك الفتوحات أن تحقق انتصاراتها إلا بمشورته وعنايته.
أما ماذا قدّم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) للإنسانية فيكفي أن تعرف أن الأمم المتحدة في سنة 2002 اختارته رائداً للعدالة الإجتماعية والإنسانية، واقتطعت مقاطع عديدة من كلماته في (نهج البلاغة) ضمنها تقريرها الذي قدمته في 160 صفحة.
فهذا أمير المؤمنين (عليه السلام) حكم أربع سنوات فقط فأبهر الدنيا بحكمه وعدله وعلمه، فما بالك لو حكم المسلمين أحد عشر إماماً آخرين من آل محمد (عليهم السلام)؟!!
أما ماذا قدم الشيعة للبشرية ؟!!
فدونك هذه النخبة اليسيرة جداً التي لا تجد لها مثيلاً في دنيا الإسلام كله ممن تغذت على يد الولاء لآل البيت (عليهم السلام)، وأبهرت الدنيا بعلومها الفذة:
1- أبو الأسود الدؤلي، واضع علم النحو على بعض الأقوال، أخذ هذا العلم عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في قصة معروفة.
قال عنه الذهبي في ترجمته في كتابه "سير أعلام النبلاء" 4: 84: «كان من وجوه شيعة علي، ومن أكملهم عقلاً ورأياً، وكان معدوداً في الفقهاء، والشعراء، والمحدثين، والأشراف، والفرسان، والأمراء، والدهاة، والنحاة، والحاضري الجواب، والشيعة، والبخلاء، والصُلع الأشراف». انتهى.
2- جابر بن حيّان، هو تلميذ الإمام الصادق (عليه السلام)، أشهر من عرفته الدنيا في علم الكيمياء، وهو أوّل من أشار إلى طبقات العين قبل «يوحنا بن ما سويه» (ت ۲٤۳هـ )، وقبل حنين بن إسحاق (ت ۲٦٤هـ )، وأوّل من أثبت إمكان تحويل المعدن الخسّيس إلى الذهب والفضة، ولم تقف عبقريته في الكيمياء عند هذا الحدّ، بل دفعته إلى ابتكار شيء جديد في الكيمياء فأدخل فيها ما سمّـاه بعلم الميزان.
عدّه ابن خلكان، وابن النديم، وابن طاووس، والصفدي، والأمين، وصديق حسن خان، والتستري، من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) [راجع على الترتيب: وفيات الأعيان، ج 1، ص 327، الفهرست، ص 420-421، فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم، ص 146، الوافي بالوفيات، ج 11، ص 27،أعيان الشيعة، ج4، ص 30، أبجد العلوم، ج 2، ص 462، التفسير، ج 2، ص 506-507].
3- أبو نصر الفارابي محمد بن أحمد بن طرخان بن أوزلغ (ت 339 هـ)، أول حكيم نشأ في الإسلام، أطلقوا عليه لقب المعلم الثاني بعد أرسطو المعلم الأول.
قال عنه الشيخ آقا بزرك الطهراني في "الذريعة إلى تصانيف الشيعة" 1: 33: (توفّي بدمشق سنة 339 هـ، وصلّى عليه سيف الدولة الحمداني مع عدة من خواصه… وكان قبل ارتحاله إلى دمشق واتصاله بسيف الدولة في بغداد مصاحباً لكافي الكفاة الوزير الصاحب بن عبّاد وغيره من الشيعة، وقد شرع في تأليف الآراء في بغداد سنة 330 هـ، وتممه في دمشق سنة 331 هـ، ويظهر من مواضع منه كونه من الإمامية العدلية القائلين بعصمة الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) ). انتهى.
4-الخليل بن أحمد البصري الفراهيدي الأزدي، أوّل من ضبط اللغة، وأوّل من استخرج علم العروض إلى الوجود، وهو أسبق العرب إلى تدوين اللغة وترتيب ألفاظها على حروف المعجم.
[قال عنه العلامة الحلي في كتابه "الخلاصة": كان خليل بن أحمد أفضل الناس في الأدب، وقوله حجة فيه، واخترع علم العروض، وفضله أشهر من أن يذكر، وكان إمامي المذهب] [أعيان الشيعة 1: 182].
5- ابن سينا (370- 428)، عرف باسم الشيخ الرئيس، وسماه الغربيون بأمير الأطباء وأبو الطب الحديث في العصور الوسطى. وقد ألّف 200 كتاباً في مواضيع مختلفة، العديد منها يركّز على الفلسفة والطب. ويعد ابن سينا من أول من كتب عن الطبّ في العالم، ولقد اتبع نهج أو أسلوب أبقراط وجالينوس.
[راجع ترجمته في أعيان الشيعة 6: 72]
6- ابن الهيثم (354 -430)، أشهر عالم في طب العيون، قدم إسهامات كبيرة في الرياضيات، والبصريات، والفيزياء، وعلم الفلك، والهندسة، والفلسفة العلمية، والإدراك البصري، والعلوم بصفة عامة بتجاربه التي أجراها مستخدماً المنهج العلمي.
[نصّ على تشيعه الدكتور عبد الحميد صبرة في كتبه المتعددة عن ابن الهيثم].
7- أبو الريحان البيروني (362- 440)، قال عنه المستشرق الألماني كارل سخاو: (إن البيروني أكبر عقلية في التاريخ)، فقد كان البيروني رحّالةً وفيلسوفاً وفلكياً وجغرافياً وجيولوجياً ورياضياتياً وصيدلياً ومؤرخاً ومترجماً.
[راجع ترجمته في أعيان الشيعة 9: 66].
هذه إلمامة يسيرة جداً بمن قدم للبشرية من علماء الشيعة، ودونك كتاب "تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام" لمؤلفه السيد حسن الصدر حتى تطلع في 445 صفحة على المئات من علماء الشيعة الذين كانت لهم اليد الطولى في تأسيس أنواع العلوم الإسلاميّة من اللغة، والكلام، والمعقول، والفقه، والأصول، والتفسير، والأخلاق وغير ذلك.
وهنا كلمة لطيفة تذكر للشيخ حسن بن فرحان المالكي، من علماء أهل السنة المنصفين، موجودة على موقعه في الشبكة، جاء فيها: "ليس هناك عالم سلفي واحد نفتخر به أمام العالم، ابن سينا الفارابي ابن رشد ابن النفيس الرازي جابر بن حيان... إلخ، كل هؤلاء شيعة أو معتزلة... إلخ. فلذلك لا يحق للسلفية أن تقول للغرب (إنكم أخذتم علومكم من المسلمين)! كلا هؤلاء المسلمين هم كفار عند السلفية، فلا يحق لها أن تتبناهم.
نعم يحق للشيعة وخاصة الإسماعيلية (في ابن سينا) والإمامية (في جابر بن حيان) يحق لهم أن يفخروا على الغرب بهذا، أما السلفية فليستحوا فقط. نعم ليستحوا قليلاً، لأن كل مبدع من المسلمين ما زالت المصادر السلفية تكفره وتزندقه، وكانت تتمنى قتله، لكنه أفلت بعلومه، ووجدت علومه من يقدرها. لذلك إن زار وفد من الغرب إحدى الجامعات السلفية فلا تقل: منا ابن سينا، ومنا جابر بن حيان، ومنا ابن النفيس.... إلخ، ألم تشبع السلفية من الخداع" انتهى.
ودمتم سالمين.
اترك تعليق