ما هي الحَاجةُ لوُجُودِ مَعصُومٍ بعدَ النَّبيِّ (ص) وقد اسْتغْنَوا عنْه في غَيبةِ المَهدِي (ع)؟!!

ما حَاجةُ النَّاسِ لمَعصُومٍ بعدَ النَّبيِّ (ص) وفي وُسْعِهم الإستِغنَاءُ عنْه بعدَ غَيبةِ المَهديِّ؟!

: اللجنة العلمية

     الأخُ المحتَرمُ.. السَّلامُ علَيكم ورَحمةُ اللهِ وبرَكاتُه. 

     الحَاجةُ إلى الإمامِ المَعصُومِ بعدَ النَّبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) هي حَاجةٌ ضَرورِيةٌ تَتوقَّفُ عليْها حِمايةُ الدينِ منَ التَّحرِيفِ والإنحِرافِ والزَّيغِ والتَّبدِيلِ، وهو ما يُوضِّحُه لنا الحَدِيثُ النَّبويُّ الَّذي يَقُول: 

     {إنِّي تَاركٌ فيْكم ما إنْ تَمسَّكتُم به لنْ تَضلُّوا بَعدِي أَحدُهما أعظَمُ منَ الآخرِ: كِتابَ اللهِ، حَبلٌ مَمدُودٌ منَ السَّماءِ إلى الأرضِ، وعِترَتِي أهلَ بَيتِي ولنْ يَتفرَّقا حتى يَرِدا عليَّ الحَوضَ، فَانْظُروا كيفَ تُخلِّفُونِي فيْهما} [مُختَصرُ صَحِيح الجَامعِ الصَّغيرِ للسِّيُوطِي والألبَانِي، رقمُ الحَدِيث 1726- 2458].

     والحَدِيثُ النَّبويُّ الَّذي يَقُول: {إنِّي تَاركٌ فيْكم خَلِيفَتيْنِ: كِتابَ اللهِ، حَبلٌ مَمدُودٌ ما بينَ الأرضِ والسَّماءِ، وعِترَتِي أهلَ بَيتِي، وأنَّهما لنْ يَتفرَّقا حتى يَرِدا عليَّ الحَوضَ} [صَحِيحُ الجَامعِ الصَّغِير للألبَانِي 1: 482].

     ففي هَذينِ الحَديثَينِ الصَّحِيحَينِ نَجدُ النَّبيَّ (ص) يُشِيرُ بكلِّ وُضُوحٍ إلى أنَّ القُرآنَ لا يَكفِي وَحدَه للعِصْمةِ منَ الضَّلالِ بعدَه، بل لا بدَّ منَ التَّمسُّكِ معه بالمَعصُومِ منَ العِترةِ حتى تَتحقَّقَ العِصْمةُ منَ الضَّلالِ.

     وهو المَعنَى الَّذي يُشِيرُ إليْه الحَدِيثُ النَّبوِيُّ الآخرُ الَّذي يَقُول: 

     (في كلِّ خَلفٍ مِن اُمَّتِي عُدولٌ مِن أهلِ بَيتِي، يُنفُونَ عن هذا الدينِ تَحرِيفَ الضَّالِينَ، وانْتِحالَ المُبطِلينَ، وتَأويلَ الجَاهِلينَ، ألا وإنَّ أئمَّتَكم وَفْدُكم إلى اللهِ فَانْظُروا مَن تفدُونَ) [الصَّواعِقُ المُحرِقةُ 3: 441، ذَخائِرُ العُقبَى: 17 قَال: أخرَجَه الملا - أي في سِيرَته -، المِعيَار والموَازنَة: 204].

     هذا في الجَوابِ على أصلِ إشكَالِكم في الإستِغناءِ عن المَعصُومِ في الأمَّةِ بعدَ رسُولِ اللهِ (ص)، وقد تَبيَّنَ أنَّ الحَاجةَ شَدِيدةٌ إليْه في الأمَّةِ بِنصِّ أحادِيثِ رسُولِ اللهِ (ص) نَفسِه.

     وأما دَعوَى الإستِغناءِ عن وُجودِه، كما اسْتشهَدتُّم بوَاقِع الغَيبةِ للإمامِ المَهديِّ (عليه السلام)، فَنَقُول: تَصوُّرُكم بأنَّ الإمامَ (عليه السلام) هو غَائبٌ عن التَّأثيرِ في مُجرَياتِ الأمُورِ، وأنَّه يُمكنُ الإستِغناءُ عنْه نِهَائياً مُخالِفٌ لعَقِيدتِنا، بل مُخالِفٌ لحَدِيثِ الثَّقلَيْنِ المُتقدِّمِ الَّذي قَال بوُجودِ العِترَةِ مع القُرآنِ فِعلاً وعَدمِ افْترَاقِها عنْه إلى يومِ القِيَامةِ، فقد وَردَ في مَروِيَّاتِنا:

     "الكافي" لِلكُلَينِي (رَحِمه اللهُ) ج1 ص 118 عن عليِّ بنِ إبرَاهيمَ، عن مُحمَّدِ بنِ عِيسَى، عن مُحمَّدِ بنِ الفُضَيْل، عن أبي حَمزةَ قَال: قُلتُ لأبي عبدِ اللهِ (عليه السلام): أتبْقَى الأرضُ بغَيرِ إمامٍ؟ قَال: لو بَقِيَتْ الأرضُ بغَير إمامٍ لسَاختْ. انتَهى.

     ومَعنَى سَاختْ: أي انْخَسفَتْ.

     وجاءَ أيضاً: علي، عن مُحمَّدِ بنِ عِيسَى، عن أبي عبدِ اللهِ المُؤمنِ، عن أبي هراسَةَ، عن أبي جَعفرٍ (عليه السلام) قَال: لو أنَّ الإمامَ رُفِعَ منَ الأرضِ سَاعةً لمَاجتْ بأهلِها، كما يَمُوجُ البَحرُ بأهلِه. انتهى.

     والمَعنَى الوَاردُ عندَنا هو نَفسُه الوَاردُ في مَصادرِ أهلِ السُّنةِ فيما يَرْوُونَه مِن حَدِيثِ رسُولِ اللهِ (ص): (النُّجومُ أمانٌ لأهلِ الأرضِ منَ الغَرقِ، وأهلُ بَيتِي أمانٌ لأُمَّتِي منَ الإختِلافِ، فإذا خَالفَتْها قَبِيلةٌ منَ العَربِ اخْتلَفُوا فَصارُوا حِزبَ إبليسَ) [مُستَدركُ الحَاكِم 3: 149 وصَحَّحه، ذَخائِر العُقبَى للطَّبرِي 17].

     وكذلِك وَردَ مِن كِتابِ الإمامِ المَهديِّ (عليه السلام) لأحدِ عُلمَائِنا (الشيخ المفيد): "إنَّا غَيرُ مُهمِلينَ لمُراعَاتِكم ولا نَاسِينَ لِذكْرِكم، ولولا ذلِك لاصْطَلَمتْكم اللأواءُ وأحاطَ بكم الأعدَاءُ" المَزارُ للشَّيخِ المُفِيد ص 8.

     وكذلِك ما وَردَ عن الإمامِ الصَّادقِ (عليه السلام) مِن قَولِه: "ما يَنكرُ هذا الخَلقُ أنْ يَكُونَ صَاحِبُهم المَظلُومُ المَجحُودُ حَقُّه صَاحِبَ هذا الأمرَ، يَتردَّدُ بينَهم و يَمشِي في أسوَاقِهم ويَطأُ فُرُشَهم ولا يَعرِفُونه". الغَيبةُ للنَّعمَانِي ص 84.

     فالإمامُ (عليه السلام) هو غَائِبٌ عن المَعرِفةِ الشَّخصِيةِ لكنَّه ليس غَائِباً عن التَّواجُدِ بينَ شِيعَتِه وأتبَاعِه ومُتابَعةِ شُؤونِهم بما يُبعدُ عنْهم اللأواءَ - أي الشَّدائِد -  ومَكائدَ الأعدَاءِ.

     ودُمتُم سَالِمينَ.