ما المقصود بالجساسة. واحاديث صحيحة من كتب السنة للرد عليهم من مصادرهم

: اللجنة العلمية

السلام عليكم ورحمة الله وبؤكاته : هذا الخبرُ الذي تسألُ عنهُ, رواهُ مُسلمٌ في صحيحِه في كتابِ الفتنِ وأشراطِ السّاعةِ في بابِ قِصّةِ الجسّاسةِ عن فاطمة بنتِ قيسٍ عن تمیمٍ الدّارِيّ ، ورواهُ ابنُ ماجه في سُننِه وأحمدُ في مُسندِه وابنُ أبي شيبة في المُصنّفِ وغيرُهم, ولفظُ الخبرِ الذي جاء في صحيحِ مُسلمٍ هو ما يأتي: قالت فاطمةُ بنتُ قيسٍ: فلمّا إنقضَت عدّتِي سمِعتُ نِداءَ المُنادِي، مُنادِي رسُولِ اللّهِ يُنادِي: الصّلاةَ جامِعةً. فخرجتُ إِلى المسجدِ. فصلّيتُ معَ رسُولِ اللّهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم. فكنتُ فِي صفِّ النّساءِ الّتِي تلِي ظُهُورَ القومِ. فلمّا قضَى رسُولُ اللّهِ صلاتَه، جلسَ على المِنبرِ وهوَ يضحكُ. فقالَ: "لِيلزَم كُلُّ إنسانٍ مُصلّاهُ". ثُمَّ قالَ: "أتدرُونَ لمَ جمعتُكم؟" قالُوا: اللّهُ ورسولُه أعلمُ. قالَ: "إِنّي، واللّهِ ما جمعتُكم لِرغبةٍ ولا لِرهبةٍ. ولكِن جمعتُكم، لأنَّ تميماً الدّارِيّ، كانَ رجُلاً نصرانِيّاً، فجاءَ فبايعَ وأسلمَ. وحدّثنِي حدِيثاً وافقَ الّذِي كُنتُ أُحدِّثُكم عَن المسيحِ الدّجّالِ. حدَّثنِي أنّهُ ركبَ فِي سفينةٍ بحريّةٍ، مع ثلاثِينَ رجُلاً مِن لخمٍ وجُذام. فلعبَ بِهِم الموجُ شهراً فِي البحرِ. ثُمَّ أرفئوا إِلى جزِيرةٍ فِي البحرِ حتّى مغربِ الشّمسِ. فجلسُوا فِي أقربِ السّفينةِ. فدخلُوا الجزِيرةَ. فلقيَتهُم دابّةٌ أهلبُ كثِيرةُ الشّعرِ. لا يدرُون ما قُبلُه مِن دُبرِه. مِن كثرةِ الشّعرِ. فقالُوا: ويلكِ ما أنتِ؟ فقالَت: أنا الجسّاسةُ. قالُوا: وما الجسّاسةُ؟ قالَت: أيُّها القومُ إنطلِقُوا إِلى هذا الرّجُلِ فِي الدّيرِ. فإِنّهُ إِلى خبرِكُم بِالأشواقِ. قالَ: لمَّا سمَّت لنَا رجُلاً فرِقنا مِنها أن تكُونَ شيطانةً. قالَ: فانطلَقنا سِراعاً. حتَّى دخلنا الدّيرَ. فإِذا فِيهِ أعظمُ إِنسانٍ رأيناهُ قطُّ خلقاً وأشدّهُ وِثاقاً مجمُوعةً يداهُ إِلى عُنقِه، ما بينَ رُكبتيهِ إِلى كعبيهِ، بِالحدِيدِ. قُلنا: ويلكَ ما أنتَ؟ قالَ: قَد قَدِرتُم على خبرِي. فأخبِرُونِي ما أنتُم؟ قالُوا: نحنُ أُناسٌ منَ العربِ. ركِبنا فِي سفِينةٍ بحرِيّةٍ. فصادَفنا البحرَ حِينَ إغتلمَ. فلعبَ بِنا الموجُ شهراً. ثُمَّ أرفأنا إِلى جزيرتِكَ هذهِ. فجلَسنا فِي أقربِها. فدخلنا الجزيرةَ. فلقيَتنا دابّةٌ أهلبُ كثِيرُ الشّعرِ لا يُدرى ما قُبلُه مِن دُبرِه مِن كثرةِ الشّعرِ. فقُلنا: ويلكِ ما أنتِ؟ فقالَت: أنا الجسّاسةُ. قُلنا: وما الجسّاسةُ؟ قالتِ: إعمدُوا إِلى هذا الرّجُلِ فِي الدّيرِ. فإِنّهُ إِلى خبرِكُم بِالأشواقِ. فأقبلنَا إِليكَ سِراعاً. وفزِعنا مِنها، ولم نأمَن أن تكُونَ شيطانةً. فقالَ: أخبِرُونِي عَن نخلِ بيسانَ. قُلنا: عَن أيّ شأنِها تستخبِرُ؟ قالَ: أسألُكم عَن نخلِها، هَل يُثمِرُ؟ قُلنا لهُ: نعَم. قالَ: أما إِنّهُ يُوشِكُ ألّا تُثمِرَ. قالَ: أخبِرُونِي عن بُحيرةِ الطّبرِيّةِ. قُلنا: عَن أيّ شأنِها تستخبِرُ؟ قالَ: هَل فِيها ماءٌ؟ قالُوا: هِي كثِيرةُ الماءِ. قالَ: أما إِنّ ماءَها يُوشِكُ أن يذهبَ. قالَ: أخبِرُونِي عن عينِ زُغر. قالُوا: عَن أيّ شأنِها تستخبِر؟ قالَ: هَل في العينِ ماءٌ؟ وهل يزرعُ أهلُها بماءِ العينِ؟ قُلنا لهُ: نعَم. هيَ كثِيرةُ الماءِ، وأهلُها يزرعُونَ مِن مائِها. قالَ: أخبِرُونِي عن نبِيّ الأُمّيّينَ ما فعل؟ قالُوا: قد خرجَ من مكّةَ ونزلَ يثرِبَ. قالَ: أقاتلَهُ العربُ؟ قُلنا: نعَم. قالَ: كيفَ صنعَ بِهِم؟ فأخبرناهُ أنّهُ قَد ظهرَ على مَن يلِيهِ منَ العربِ وأطاعُوهُ. قالَ لهُم: قَد كانَ ذلكَ؟ قُلنا: نعم. قالَ: أما إِنَّ ذاكَ خيرٌ لهُم أن يُطِيعوهُ. وإِنّي مُخبِرُكم عنّي. إِنّي أنا المسِيحُ. وإِنّي أُوشِكُ أن يُؤذَنَ لِي فِي الخُرُوجِ. فأخرُجُ فأسِيرُ في الأرضِ فلا أدعُ قريةً إِلاّ هبطتُها فِي أربعِينَ ليلةً. غيرَ مكّةَ وطيبةَ. فهُما مُحرّمتانِ عليَّ. كِلتاهُما. كُلّما أردتُ أن أدخُلَ واحِدةً، أو واحِداً مِنهُما، إستقبلَنِي ملكٌ بِيدِهِ السّيفُ صَلتاً. يصُدّنِي عنها.وإِنَّ على كُلِّ نقبٍ مِنها ملائِكةٌ يحرُسُونَها. قالَت: قالَ رسُولُ اللّهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ، وطعنَ بِمخصرتِه فِي المنبرِ "هذِهِ طيبةُ. هذِهِ طيبةُ. هذِهِ طيبة" يعنِي المدِينةَ "ألا هَل كُنتُ حدّثتُكُم ذلِكَ؟" فقالَ النّاسُ: نعَم. "فإِنّهُ أعجبنِي حدِيثُ تمِيمٍ أنّهُ وافقَ الّذِي كُنتُ أُحدّثُكم عنهُ وعن المدِينةِ ومكّةَ. ألا إِنّهُ فِي بحرِ الشّامِ أو بحرِ اليمنِ. لا بَل مِن قِبلِ المَشرِقِ، ما هُوَ مِن قِبلِ المَشرِقِ، ما هُو مِن قِبلِ المَشرِقِ، ما هُو". وأومأ بِيدِهِ إِلى المشرِقِ. قالَت: فحفِظتُ هذا مِن رسُولِ اللّهِ. هذا الخبرِ: وقَد ناقشَ هذا الخبرَ غيرُ واحدٍ مِن أهلِ العلمِ مِـمَّن كانَ مُؤيّداً لهُ, فعدّهُ مِن أعلامِ النّبوّةِ في حينِ أنكرَهُ آخرونَ وبيّنُوا أنّهُ مِن قصصِ تميمٍ الداريّ التي تسرّبَت إلى تُراثِنا الإسلاميّ. ونحنُ بعدَ دراستِنا لهذا الخبرِ نرى أنَّ الصّوابَ معَ مَن أنكرَهُ, لعِدّةِ أدلّةٍ نُقدّمُها إليكَ مِن دراسةٍ تحليليّةٍ لحديثِ الجسّاسةِ قامَ بها أحدُ عُلماءِ أهلِ السّنّةِ المُعاصرينَ مِن كُلّيّةِ الشّريعةِ في جامعةِ الكويت, وهوَ الدّكتور حاكِم المطيريّ, إذ خلُصَ إلى نتائجَ تُفضي إلى ردِّ الخبرِ, وأهمُّ ما جاءَ في هذهِ النّتائجِ ما يلي: 1- حديثُ الجسّاسةِ هوَ حديثُ مُجالدٍ عَنِ الشّعبيّ عَن فاطمةَ بنتِ قيسٍ، وهوَ أشهرُ مَن رواهُ عنِ الشّعبيّ، إذ رواهُ عنهُ أئمّةُ الأمصارِ في العراقِ والحجازِ قبلَ أن يُعرفَ عنَ غيرِه، حتّى رواهُ عنهُ أعلمُ النّاسِ بحديثِ الشّعبيّ وأثبتُهم وأحفظُهم لهُ وهوَ إسماعيلُ بنُ أبي خالدٍ، ولِهذا لم يُخرّجه اِبنُ أبي شيبةَ في المُصنّفِ إلّا مِن طريقِه، معَ أنّهُ أوسعُ كتابٍ حديثيٍّ كوفيٍّ وصلَ إلينا، وابنُ أبي شيبةَ كوفيٌّ, والشّعبيُّ كوفيٌّ! ومُجالدٌ ضعيفٌ جدّاً , وقَد كانَ يرفعُ أحاديثَ كثيرةً لا يرفعُها غيرُه حتّى بطُلَ الإحتجاجُ بهِ، وهذا الحديثُ الذي إشتُهِرَ عنهُ ودلّسَهُ عنهُ الآخرونَ لا يبعدُ أن يكونَ سمعَهُ مِنَ الشّعبيّ مَوقوفاً مِن قصصِ تميمٍ الدّاريّ فوهمَ ورفعَها.  2- إنَّ البُخاريَّ تركَ حديثَ الجسّاسةِ، إذ لَم يجِدهُ عندَ ثقاتِ أصحابِ الشّعبيّ؛ لا الطّبقةِ الأولى ولا الثّانيةِ مِـمَّن هوَ على شرطِه، فتركَهُ وأخرجَ ما يُعارضُه وهوَ حديثُ اِبنِ صيّادٍ، وهوَ ترجيحٌ منهُ لِهذا الحديثِ على حديثِ الجسّاسةِ كما قالَ ابنُ حجرٍ. 4 ـ إنَّ حديثَ فاطمةَ إشتملَ على أمرينِ, الأوّلُ: خُطبةُ النّبيّ وتحذيرُه أمّتَهُ مِنَ الدّجّالِ وأنّهُ لا يدخلُ مكّةَ والمدينةَ، وهذا القدرُ المُختصرُ رواهُ ثِقاتُ أصحابِ الشّعبيّ عَن فاطمةَ، وصحّحهُ البُخاريّ كما نقلَهُ التّرمذيّ، وقَد تواترَت هذهِ الخُطبةُ عَن كثيرٍ منَ الصّحابةِ، والثّاني: قصّةُ الجسّاسةِ وكونُ الدّجّالِ في جزيرةٍ الآنَ وأنّهُ مسجونٌ ..إلخ, وهذا القدرُ لا يثبتُ إلّا مِن حديثِ مُجالدٍ عَن الشّعبيّ، ولا يثبتُ عَن جابرٍ ولا عَن أبي هُريرةَ ولا عَن عائشةَ، وهذهِ قِصّةٌ مشهورةٌ عندَ أهلِ الشّامِ عَن أهلِ الكِتابِ منذُ عصرِ التّابعينَ، وتميمٌ الدّاريّ شاميٌّ, وهوَ مشهورٌ بالوعظِ والقصصِ منذُ عهدِ عُمر، فلا يبعدُ أن يكونَ الشّعبيُّ روى عَن فاطمةَ عَن تميمٍ القِصّةَ موقوفةً على تميمٍ مِـمّا كانَ يحكيهِ مِن قصصِ أهلِ الكتابِ، ورفعَها مُجالدٌ كما هيَ عادتُه في رفعِ المَوقوفاتِ. 5- أنَّ عامّةَ الصّحابةِ ثبُتَ عنهُم خلافُ ما جاءَ في حديثِ فاطمةَ, إذ كانُوا يُقسِمونَ على أنَّ اِبنَ صيّادٍ الذي في المدينةِ هوَ الدّجّالُ، وذلكَ بعدَ وفاةِ النّبيّ، وقَد كانَ هذا رأيُ عُمرَ واِبنهِ عبدِ اللهِ وحفصةَ وأبي سعيدٍ الخُدريّ وعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ وجابرٍ بنِ عبدِ اللهِ وأبي ذرٍّ، وعامّةِ الأنصارِ، ويستحيلُ عادةً أن يخطُبَ النّبيُّ فيهِم خُطبةً يجتمعُ النّاسُ فيها، ويُبيّنُ لهُم أنَّ الدّجّالَ مَحبوسٌ في جزيرةٍ في عرضِ البحرِ، ثُمَّ لا يسمعُ بهِ أحدٌ مِن هؤلاءِ، ويظلّونَ يعتقدونَ أنَّ اِبنَ صيّادٍ الذي في المدينةِ هوَ الدّجّالُ! وهوَ ما يُؤكّدُ عدمَ ثبوتِ حديثِ فاطمةَ عَن تميمٍ الدّاريّ مَرفوعاً إلى النّبيّ، وأنَّ الرّاجحَ كونهُ مِن قصصِ تميمٍ الدّاريّ ومواعظِه.ودمتُم سالِمين..