مَا هوَ المقصودُ منَ اللّاهوتِ والنّاسوتِ والمَلكوتِ؟

فَرج الحسيني/: السّلامُ عليكُم، مَا مَعنى هذهِ المُصطلحاتِ؟ ١-اللّاهوتُ. ٢-النّاسوتُ. ٣-الملكوتُ.

: اللجنة العلمية

 

1 اللّاهوتُ: 

جاءَ في مُعجمِ المَعانِي: اللاَّهُوتُ: الأُلوهيّةُ، كمَا النّاسوتُ: لطبيعةِ الإنسانِ، وعِلْمُ اللاَّهُوتِ علمٌ يبحثُ فِي وجودِ اللهِ وذاتهِ وصفاتهِ، ويقومُ عندَ المسيحيّينَ مقامَ علمِ الكلامِ عندَ المسلمينَ، ويسمَّى أيضاً عِلمَ الرّبوبيّةِ والإِلهيّاتِ. 

ومنَ المفيدِ الإشارةُ إلى أنَّ كلمةَ اللّاهوتِ لم تذكَر فِي العهدِ القديمِ وإنّمَا ظهرَتْ على لسانِ بولس فِي العهدِ الجديدِ.

وقدِ اعتمدَ علماءُ المسيحيّةِ على علمِ اللّاهوتِ في دراسةِ الكتابِ المقدّسِ دراسةً منطقيّةً، بمعنَى تحليلِ نصوصهِ ومقاربتِهَا بمَا ينسجمُ معَ المبادئِ الفلسفيّةِ، وقدِ اتسعَ علمُ اللّاهوتِ ليشملَ فروعاً متعدّدةً كاللّاهوتِ العقائديّ والأدبيّ والتّاريخيّ والفلسفيّ والطّبيعيّ وغيرِهَا.

ويعدُّ القدّيسُ أوغسطين (354 - 430) منَ الشّخصياتِ المركزيّةِ في اللّاهوتِ المسيحيّ، وقَد تأثّرَ فكرهُ اللّاهوتيّ والفلسفيّ بالرّواقيّةِ، والأفلاطونيّةِ، والأفلاطونيّةِ المحدثةِ فِي الإسكندريّةِ، أمّا الشّخصيّةُ الثّانيةُ التي يرجعُ لهَا الأثرُ الكبيرُ في اللّاهوتِ المسيحيّ هوَ القدّيسُ توما الأكوينيّ (1225 - 1274) الذي يعدُّ مِنَ المؤسّسينَ للّاهوتِ الطّبيعيّ؛ كمَا يعدُّ صاحبَ مدرسةٍ خاصّةٍ فِي الفلسفةِ واللّاهوتِ يُطلقُ عليهَا (التّوماويّةُ)، وقَد تأثّرَ توما بالفلسفةِ المشّائيّةِ وبخاصّةٍ المشائيّةِ الرّشديّةِ.

وقَد كانتِ الفلسفةُ فِي أوربا في العصورِ الوسطى ومَا قبلَ الحداثةِ متأثّرةً بشكلٍ كبيرٍ باللّاهوتِ المسيحيّ، وكانتِ المباحثُ الفلسفيّةُ لا تخرجُ كثيراً عَن دائرةِ البحوثِ اللّاهوتيّةِ. 

2- النّاسوتُ: مصطلحٌ يُرادُ بهِ التّعبيرُ عَنِ الطّبيعةِ البشريّةِ، وقَد جاءَ هذا المصطلحُ مقترناً معَ مصطلحِ اللّاهوتِ، وذلكَ لكونِ المسيحيّةِ تعتقدُ بأنَّ اللّاهوتَ قَد حلَّ فِي شخصيّةِ اليسوعِ، ولكي يجدُوا تبريراً لبعضِ النّصوصِ التي تشيرُ بشكلٍ واضحٍ إلى بشريّةِ عيسَى (عليهِ السّلامُ)، قامُوا بالتّفريقِ بينَ مقامِ اللّاهوتِ ومقامِ النّاسوتِ، فعندمَا يُخاطِبُ يسوعُ في العهدِ الجديدِ ربّهُ بقولهِ: "إلهِي! إلهي! لماذا تركتنِي؟" يقولونَ هذا النّاسوتُ ينادِي اللّاهوتَ وهوَ بداخلهِ. 

3- الملكوتُ: جاءَ في معجمِ المعانِي: الملكوتُ: بفتحِ الميمِ وضمِّ الكافِ. والتّاءُ للمبالغةِ، ملكُ اللهِ تعالى: العظيمُ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ.

إلّا أنَّ الملكوتَ أصبحَ مُصطلحاً لهُ ظلالهُ الخاصّةُ في المسيحيّةِ ويُعتبرُ المحورَ الرّئيسيّ لرسالةِ يوحنّا المعمدانِ ويسوعَ المسيحِ في الإنجيلِ. وقَد حدثَ اخْتلافٌ بينَ علماءِ اللّاهوتِ المسيحيّ عنِ المقصودِ ببشارةِ المسيحِ بالملكوتِ، حيثُ يرى البعضُ أنَّ المسيحَ كانَ يبشّرُ بهَا كحدثٍ يقعُ في المستقبلِ، بينمَا اعْتبرَ البعضُ أنَّ الملكوتَ هوَ المسيحُ نفسهُ الذي تجلّى فيهِ اللّاهوتُ، أمّا اللّاهوتُ الأرثوذكسيّ فيعتقدُ بأنَّ ملكوتَ السّماواتِ هوَ نطاقُ حاكميّةِ اللهِ أي كلُّ الوجودِ، ولابدَّ أن يأتيَ ذلكَ اليومُ الذي يكونُ فيهِ كلُّ الوجودِ خاضعاً لسلطانِ اللهِ.

أمّا فِي القرآنِ الكريمِ فقَد جاءَتْ كلمةُ "ملكوتٍ" أربعَ مرّاتٍ: 

قالَ تعالى: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ). (الأنعام-75).

قالَ تعالى: (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). (يس-83).

 قالَ تعالى: (قُلْ مَنۢ بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍۢ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ). (المؤمنون-88).

قالَ تعالى: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ). (الأعراف-185).

وتشيرُ الكلمةُ إلى المُلكِ التّامِّ والواسعِ والعظيمِ، وبالتّالِي تؤكّدُ الآياتُ على عظمةِ سلطانِ اللهِ وهيمنتهِ على كلِّ الوجودِ.