لماذا سُمِّي الغدير بعيد الله الأكبر؟

السؤال: لماذا سُمِّي عيد الغدير ـ الثامن عشر من ذي الحجَّة ـ بعيد الله الأكبر؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

في البدء لا بأس أنْ يعلم السائل بأنَّ الأخبار الشريفة وكلمات الأعلام صريحةٌ في كون يوم الغدير عيداً إسلاميّاً، فإنَّ اليوم الذي كمُل فيه الدين، وتمَّت فيه النعمة، والرضا بالإسلام ديناً، يناسبُ كونه عيداً، كما لا يخفى.

قال شيخنا المفيد (طاب ثراه): (تطابقت الروايات عن الصادقين من آل محمَّد (عليهم السلام) بأنَّ يوم الغدير يوم عيدٍ، سرَّ الله تعالى به المسلمين، ولطف لهم فيه بكمال الدين، وأعلن فيه خلافة نبيِّه سيِّد المرسلين (عليه وآله السلام). فكان من سننه الصيام فيه شكراً لله تعالى على نعمته العظمى، من حفظ الدين، وهدايته إلى القائم بعد الرسول (صلَّى الله عليه وآله) في رعاية المؤمنين) [المقنعة ص204].

وللمزيد عن هذا الموضوع يمكنكم مراجعة الروايات الكثيرة الدالَّة على كونه عيداً في جوابٍ لمركزنا بعنوان (عيد الغدير في الإسلام).

إذا بان هذا، فنقول: لقد نصَّت بعض الروايات الشريفة على وصف هذا اليوم المبارك بأنّه (عيد الله الأكبر) نذكر منها:

1ـ ما رواه شيخ الطائفة الطوسيّ (طاب ثراه) بسنده عن عليّ بن الحسين العبديّ قال: سمعتُ أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: «صيام يوم غدير خمٍّ يعدل صيام عمر الدنيا، لو عاش إنسانٌ ثمَّ صام ما عمرت الدنيا لكان له ثواب ذلك، وصيامه يعدل عند الله (عزَّ وجلَّ) في كلِّ عامٍ مائة حجّةٍ، ومائة عمرةٍ مبروراتٍ متقبَّلات، وهو عيد الله الأكبر، وما بعث الله (عزَّ وجلَّ) نبيّاً قطّ إلَّا وتعيَّد في هذا اليوم وعرف حرمته، واسمه في السماء: يوم العهد المعهود، وفي الأرض: يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود - إلى قوله (عليه السلام) - لعلَّك ترى أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) خلق يوماً أعظم حرمةً منه، لا والله، لا والله، لا والله ... الحديث» [التهذيب ج3 ص143، إقبال الأعمال ص282]، وغيرها.

2ـ وما رواه يحيى بن حسين الحسني بسنده عن صفوان بن يحيى، قال: سمعتُ الصادق جعفر بن محمَّد (عليهما السلام) يقول: «الثامن عشر من ذي الحجَّة عيد الله الأكبر، ما طلعت عليه شمسٌ في يومٍ أفضل عند الله منه، وهو الذي أكمل الله فيه دينه لخلقه، وأتمَّ عليهم نعمه، ورضي لهم الإسلام ديناً ... الحديث» [الأمالي الخميسية ج1 ص191].

والظاهر ـ من ملاحظة الآيات والروايات الواردة في شأن الغدير ـ أنَّ السبب في تسمية هذا اليوم المبارك بـ(عيد الله الأكبر) هو لأهمية هذا اليوم عند الله تعالى.

فلاحِظ قوله تعالى قبل بيعة الغدير: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ [المائدة: 67]، تجد الولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام) في كفَّة، والرسالة بالكامل في كفَّةٍ أُخرى. ولاحِظ قوله بعد البيعة: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً﴾ [المائدة: 3] تجده صريحاً في أنه اليوم الذي كُمل فيه الدين، وفيه تمام النعمة، والرضا بالإسلام ديناً. ولاحِظ قوله بعد الإعلان والبيعة أيضاً: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِّنَ الله ذِي الْمعَارِجِ﴾ [المعارج: 1ـ 3] تجده واضحاً في تكفير وتعذيب المعترض آنذاك، وهو النعمان الفهريّ، أو غيره، مما يدلُّ على أهمية هذا اليوم المبارك عند الله تعالى. ولمعرفة المزيد عن سبب نزول الآيات المباركة في هذا اليوم راجع كتاب (آيات الغدير) للسيِّد علي الميلاني (دامت بركاته)، وغيره.

وأمَّا الأخبار الشريفة، فهي واضحةٌ ـ أيضاً ـ في أهمية هذا اليوم المبارك عند الله تعالى، نذكر طرفاً منها رغبةً في الاختصار.

1ـ ما رواه الشيخ الكلينيُّ (طاب ثراه) بسنده عن الحسن بن راشد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قلتُ: جعلت فداك، للمسلمين عيدٌ غير العيدين؟ قال: نعم يا حسن، أعظمهما وأشرفهما، قلت: وأيُّ يومٍ هو؟ قال: هو يوم نُصب أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) فيه علماً للناس، قلت: جعلت فداك، وما ينبغي لنا أنْ نصنع فيه؟ قال: تصومه يا حسن، وتكثر الصلاة على محمَّد وآله، وتبرء إلى الله ممن ظلمهم، فإنَّ الأنبياء (صلوات الله عليهم) كانت تأمر الأوصياء باليوم الذي كان يقام فيه الوصي أنْ يُتَّخذ عيداً، قال: قلت: فما لمن صامه؟ قال: صيام ستِّين شهراً...» [الكافي ج4 ص148، وينظر: ثواب الأعمال ص74].

2ـ وما رواه الشيخ الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن عبد الله بن الفضل الهاشميّ، عن الصادق جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «يوم غدير خُمّ أفضل أعياد أمتي، وهو اليوم الذي أمرني الله (تعالى ذكره) فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب علماً لأمتي يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأتمَّ على أمتي فيه النعمة، ورضي لهم الإسلام ديناً ... الحديث» [الأمالي ص187، بشارة المصطفى ص49].

3ـ وما رواه الشيخ الطوسيُّ (طاب ثراه) بسنده عن أحمد بن محمَّد بن أبي نصر قال: كنَّا عند الرضا (عليه السلام) والمجلس غاصٌّ باهله، فتذاكروا يوم الغدير، فأنكره بعض الناس فقال الرضا (عليه السلام): «حدَّثني أبي، عن أبيه (عليه السلام) قال: إنَّ يوم الغدير في السماء أشهر منه في الأرض... ثمَّ قال (عليه السلام): يا بن أبي نصر، أين ما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإنَّ الله يغفر لكلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ، ومسلمٍ ومسلمةٍ ذنوب ستين سنة، ويعتق من النار ضعف ما أعتق في شهر رمضان وليلة القدر وليلة الفطر، والدرهم فيه بألف درهم لإخوانك العارفين، فأفضل على إخوانك في هذا اليوم، وسرَّ فيه كلَّ مؤمنٍ ومؤمنة - إلى قوله - والله لو عَرَف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كلِّ يوم عشر مرَّات، ولولا أنِّي أكره التطويل لذكرتُ من فضل هذا اليوم وما أعطى الله فيه من عَرَفه ما لا يحصى بعدد» [التهذيب ج6 ص24، مصباح المتهجِّد ص737]، وغيرهما.

4ـ وما رواه (طاب ثراه) ـ أيضاً ـ بسنده عن أبي هارون عمار بن حريز العبدي قال: دخلتُ على أبي عبد الله (عليه السلام) في يوم الثامن عشر من ذي الحجَّة فوجدتُه صائماً، فقال لي: «هذا يومٌ عظيمٌ، عظَّم الله حرمته على المؤمنين، وأكمل لهم فيه الدين، وتمَّم عليهم النعمة، وجدَّد لهم ما أخذ عليهم من العهد والميثاق. فقيل له: ما ثواب صوم هذا اليوم؟ قال: إنَّه يوم عيدٍ وفرحٍ وسرور، ويوم صومٍ شكراً لله تعالى، وإنَّ صومه يعدل ستِّين شهراً من أشهر الحرم ... الحديث) [مصباح المتهجِّد ص737، مصباح الزائر ص167] وغيرها.

إلى غيرها من الأحاديث الواردة في فضل هذا اليوم المبارك وأهمية عند الله تعالى، ولعلَّه من أجل ذلك وُصف بـ(عيد الله الأكبر) كما تقدَّم.

والنتيجة النهائية من كلِّ ذلك أنَّ وصف الغدير بعيد الله الأكبر ـ كما روي سابقاً ـ ناشئٌ من أهميته عند الله تعالى .. والحمد لله ربِّ العالمين.