هل أحيا الأئمَّة (ع) يوم الغدير؟

السؤال: هل جاء في الكتب والمصادر أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) أحيوا يوم الغدير بالدعاء، أو العبادة، أو الصلاة وما أشبه ذلك، وهل نُقل عنهم ذلك؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

يُعدُّ يوم الغدير من أهم الأيَّام في التاريخ الإسلاميّ، لكونه اليوم الذي أعلن فيه النبيُّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) ولاية أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) خليفةً وإماماً من بعده في غدير خم؛ ولذا من الطبيعيّ أنْ نشاهد إحياءَه من قبل أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم جيلاً بعد جيلٍ حتَّى عصرنا الحالي، ويُمكن بيان ذلك الإحياء في ضمن مقامين.

المقام الأوَّل: ما نُقل من سيرة أهل البيت (عليهم السلام) من إحيائهم العمليّ لأعمال ذلك اليوم العباديَّة.

إذْ يظهر من جملةٍ من الأخبار أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) كانوا يصومون يوم الغدير، وكانوا يُطعمون الطعام، وكانوا يبالغون في صِلات أصحابهم حتَّى بمثل الخاتم والنَّعل، وكانوا (عليهم السلام) يزورون قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) في يوم الغدير، وغير ذلك من إحياءٍ عملي لهذا اليوم العظيم.

من ذلك:

1ـ ما رواه الشيخ الطوسيُّ (طاب ثراه) بسنده عن أبي هارون عمار بن حريز العبديّ قال: دخلتُ على أبي عبد الله (عليه السلام) في يوم الثامن عشر من ذي الحجَّة فوجدتُه صائماً، فقال لي: «هذا يومٌ عظيمٌ، عظَّم الله حرمته على المؤمنين، وأكمل لهم فيه الدين، وتمَّم عليهم النعمة، وجدَّد لهم ما أخذ عليهم من العهد والميثاق. فقيل له: ما ثواب صوم هذا اليوم؟ قال: إنَّه يوم عيدٍ وفرحٍ وسرور، ويوم صومٍ شكراً لله تعالى، وإنَّ صومه يعدل ستِّين شهراً من أشهر الحرم ... الحديث) [مصباح المتهجِّد ص737، مصباح الزائر ص167].

2ـ وما رواه (طاب ثراه) ـ أيضاً ـ بسنده عن الفيَّاض بن محمَّد بن عمر الطرسوسيّ بطوس سنة تسعٍ وخمسين ومائتين ـ وقد بلغ التسعين ـ «أنَّه شهد أبا الحسن عليَّ بن موسى الرضا (عليهما السلام) في يوم الغدير وبحضرته جماعةٌ من خاصته قد احتبسهم للإفطار، وقد قدَّم إلى منازلهم الطعام والبر والصِّلات والكسوة حتَّى الخواتيم والنّعال. وقد غيَّر من أحوالهم وأحوال حاشيته، وجدَّدت له آلةً غير الآلة التي جري الرسم بابتذالها قبل يومه، وهو يذكر فضل اليوم وقِدَمه، فكان من قوله (عليه السلام): حدَّثني الهادي أبي قال: حدَّثني جدِّي الصادق قال: حدَّثني الباقر قال: حدَّثني سيِّد العابدين قال: حدَّثني أبي الحسين قال: اتفق في بعض سني أمير المؤمنين (عليه السلام) الجمعة والغدير، فصعد المنبر على خمس ساعاتٍ من نهار ذلك اليوم» [مصباح المتهجد ص752].

3ـ وما رواه (طاب ثراه) أيضاً في زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الغدير عن جابرٍ الجعفيّ قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «مضى أبي علي بن الحسين (عليهما السلام) إلى مشهد أمير المؤمنين عليٍّ (صلوات الله عليه)، فوقف عليه ثمَّ بكى، وقال: السلام عليك يا أمين الله في أرضه، وحجَّته على عباده، السلام عليك يا أمير المؤمنين ... الزيارة» [مصباح المتهجِّد ص738].

4ـ وما رواه محمَّد بن جعفر المشهديّ (طاب ثراه) بسندٍ مُعتبرٍ عن أبي القاسم بن روح، وعثمان بن سعيد العمريّ، عن أبي محمَّد الحسن بن علي العسكريّ، عن أبيه (صلوات الله عليهما)، وذكر أنه (عليه السلام) زار بها في يوم الغدير في السنة التي اشخصه المعتصم. تقف عليه (صلوات الله عليه) وتقول: «السلام على محمَّد رسول الله، خاتم النبيين، وسيِّد المرسلين، وصفوة ربِّ العالمين، أمين الله على وحيه، وعزائم أمره، الخاتم لما سبق، والفاتح لما استقبل، والمهيمن على ذلك كلِّه، ورحمة الله وبركاته وصلواته وتحياته ... الزيارة» [المزار الكبير ص263].

المقام الثاني: ما نُقل عنهم (عليهم السلام) من تعاليم وأعمالٍ في هذا اليوم المبارك، إذْ هم السبَّاقون إلى فعل ذلك، كما هو واضح.

من ذلك:

1ـ ما رواه الشيخ الكلينيُّ (طاب ثراه) بسنده عن الحسن بن راشد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قلتُ: جعلتُ فداك، للمسلمين عيد غير العيدين؟ قال: نعم يا حسن، أعظمهما وأشرفهما، قلتُ: وأيُّ يومٍ هو؟ قال: هو يوم نُصب أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) فيه علماً للناس، قلتُ: جعلت فداك، وما ينبغي لنا أنْ نصنع فيه؟ قال: تصومه يا حسن، وتكثر الصلاة على محمَّد وآله، وتبرء إلى الله ممن ظلمهم، فإنَّ الأنبياء (صلوات الله عليهم) كانت تأمر الأوصياء باليوم الذي كان يقام فيه الوصي أن يُتَّخذ عيداً، قال: قلت: فما لمن صامه؟ قال: صيام ستِّين شهراً...» [الكافي ج4 ص148، ثواب الأعمال ص74]، وغيرهما.

2ـ وما رواه (طاب ثراه) ـ أيضاً ـ بسنده عن عبد الرحمن بن سالم، عن أبيه قال: «سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) هل للمسلمين عيدٌ غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال: نعم، أعظمها حرمة، قلتُ: وأيُّ عيدٍ هو جعلت فداك؟ قال: اليوم الذي نصب فيه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، قلت: وأيُّ يومٍ هو؟ قال: وما تصنع باليوم إنَّ السنة تدور، ولكنه يوم ثمانية عشر من ذي الحجَّة، فقلتُ: وما ينبغي لنا أنْ نفعل في ذلك اليوم؟ قال: تذكرون الله (عزَّ ذكره) فيه بالصيام والعبادة، والذكر لمحمَّدٍ وآلِ محمَّد، فإنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أوصى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنْ يتَّخذ ذلك اليوم عيداً، وكذلك كانت الأنبياء (عليهم السلام) تفعل، كانوا يوصون أوصياءهم بذلك فيتخذونه عيداً» [الكافي ج4 ص149] .

3ـ وما رواه الشيخ الطوسيُّ (طاب ثراه) بسنده عن أحمد بن محمَّد بن أبي نصر قال: كنَّا عند الرضا (عليه السلام) والمجلس غاصٌّ بأهله، فتذاكروا يوم الغدير، فأنكره بعض الناس فقال الرضا (عليه السلام): «حدَّثني أبي، عن أبيه (عليه السلام) قال: إنَّ يوم الغدير في السماء أشهر منه في الأرض ... ثمَّ قال (عليه السلام): يا بن أبي نصر، أين ما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإنَّ الله يغفر لكلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ، ومسلمٍ ومسلمةٍ ذنوب ستين سنة، ويعتق من النار ضعف ما أعتق في شهر رمضان، وليلة القدر، وليلة الفطر، والدرهم فيه بألف درهمٍ لإخوانك العارفين، فأفضل على إخوانك في هذا اليوم، وسرَّ فيه كلَّ مؤمن ومؤمنة ... الحديث» [التهذيب ج6 ص24، مصباح المتهجِّد ص737]، وغيرهما.

وبالجملة: إنَّ الأعمال الواردة في هذا اليوم المبارك كثيرةٌ وعديدةٌ، كأمثال الغُسل والطيب ولبس الثياب الجدد، وقراءة الأدعية وغير ذلك؛ ولذلك كان الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السلام) في طليعة من يبادر إلى أداء هذه الأعمال، كما هو واضحٌ وجلي.

والنتيجة النهائية مما تقدَّم، أنَّ أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) قاموا بإحياء يوم الغدير الأغر، كما حثُّوا أتباعهم وشيعتهم على إحيائه أيضاً، كما بيَّناه تفصيلاً .. والحمد لله ربِّ العالمين.