هل الواقدي شيعي؟
السؤال: يدَّعي البعض: أنَّ محمد بن عمر الواقديّ رافضيٌّ شيعيٌّ يستعمل التقية ويتظاهر أنَّه سنّيٌّ، وقد ضع على رسول الله 20 ألف حديث، مما أثر على التراث والتاريخ بشكلٍ كبيرٍ وقد روى أخبارا شيعية تتفق مع مذهبه. فإن كان الواقديّ شيعي فلا يمكن الاستشهاد به على العامة؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم –أيدك الله- أنَّ اتهام الواقديّ بالتشيع ليس له أي أساس من الصحة، سواء عند العامة أو الشيعة، وهذا يمكن توضيحه من وجهين:
الوجه الأول: الذي أثار هذه الشبهة استند في اتهامه للواقديّ بالتشيع إلى ما ذكره ابن النديم، حيث قال إنّه كان شيعياً يعمل بالتقية [انظر: الفهرست ج1 ص144]. لكن الغريب أنَّه هو الوحيد الذي ذكر هذا، ولم يشر إليه أحدٌ قبله، حتى كاتب الواقديّ ابن سعد الذي ترجم له في طبقاته الكبرى لم يذكر أنه من الشيعة.
ولعل سبب الاتهام بالتشيع ما نذكره:
1ـ وجود كتابين للواقديّ، أحدهما يتحدث عن مولد الحسن والحسين ومقتل الحسين، والآخر يركز على مقتل الحسين بشكلٍ خاص، قد يوحي بأنه كان شيعيَّاً. لكن من المهم أن نلاحظ أنَّ هناك آخرين قاموا بتصنيف كتبٍ مشابهةٍ ولم يُتهموا بالتشيع. بالإضافة إلى ذلك، الواقديّ ألف كتاباً عن سيرة أبي بكر ووفاته، وهذا الأمر لا يقوم به شخص شيعي.
2ـ نقل ابن النديم عنه (أنَّ علياً كان من معجزات النبيّ، كالعصا لموسى، وإحياء الموتى لعيسى بن مريم) [الفهرست ص 144].
وهذا النقل انفرد به ابن النديم عن الواقديّ دون غيره من دون سند حيث إنَّ الواقديّ توفي سنة 130هـ بينما ابن النديم يُرجَّح أنه وُلِدَ في سنة ٣٢٠هـ، لذلك، يمكننا القول إن هذا النقل ضعيف ولا يدلُّ على تشيعه.
الوجه الثاني: كتب الرجال الشيعة لم تذكر أنَّه من الشيعة [انظر: المغازيّ الأولى ومؤلفوها ص125]، بل المعروف عند الإمامية أنه سنيٌّ عثمانيٌّ، كما ذكر الشيخ المفيد: (فأما الواقديّ فعثمانيُّ المذهب بالميل عن علي أمير المؤمنين (عليه السلام) [الجمل ص54].
قال محقّق كتاب المغازيّ: (مما يثير الدهشة أنَّ الطوسيّ –وهو معاصر لابن النديم– لم يذكر الواقديّ في كتابه «الفهرس» ولم يذكر كتاباً من كتبه وخاصة تلك التي تتعلق بمولد الحسن والحسين ومقتل الحسين، على أهمية هذا الأمر الذي شغل جميع علماء الشيعة ومؤرخيهم وجامعي أخبارهم) [المغازيّ ج1 ص17].
فإذا كان الواقديّ فعلاً متشيّعاً، –مثلما يدّعي ابن النديم– لظهر ذلك في كتبه، مع إننا وجدناه يخالف معتقدات الشيعة.
يقول محقّق المغازيّ مارسدن جونس: (ولو سلّمنا لابن النديم أنَّ الواقديّ كان يلزم التقية، فإنَّ تشيّعه كان لا بد أن يظهر على نحوٍ ما عند الحديث عن عليّ أو في الرواية عنه، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث، بل على النقيض من ذلك نرى الواقديّ يذكر أحاديث قد تحط من قدر عليّ أو تهون من شأنه على الأقل، فحين يصف رجوع النبيّ إلى المدينة من أحد، يذكر أنَّ فاطمة مسحت الدم عن وجه النبيّ، وذهب عليّ إلى المهراس ليأتي بماء، وقبل أن يمشي ترك سيفه وقال لفاطمة: أمْسِكي هذا السيفَ غيرَ ذميمٍ. ولما أبصر النبيّ سيفَ عليّ مختضباً قال: «إن كنت أحسنت القتال فقد أحسن عاصم بن ثابت، والحارث بن الصمّة، وسهل بن حنيف، وسيف أبي دجانة غير مذموم». وحين نقرأ عدد القتلى من قريش يوم بدر عند ابن إسحاق مثلاً نرى أنَّ عليّاً قد قتل طعيمة بن عديّ، ولكن الواقديّ يذكر أن الذي قتله هو حمزة وليس عليّاً.
ونرى الواقديّ أيضاً حين يذكر قتل صُؤاب يوم أحد، واختلاف الأقوال فيمن قتله، يقول: فاختلف في قتله، فقال قائل: سعد بن أبي وقّاص، وقائل: عليّ، وقائل: قزمان، وكان أثبتهم عندنا قزمان.
وأهم من كل ذلك ما ينقله الشيعة أنفسهم، كابن أبي الحديد مثلاً في كتابه، حين ينقل فقرة طويلة عن الواقديّ، ثم يورد فيها رواية أخرى مختلفة عن الأولى، ويبدؤها بقوله: «وفي رواية الشيعة»، مما يدل دلالةً قاطعةً على أنَّ ابن أبي الحديد لم يعتبر الواقديّ مصدراً شيعيّاً، أو يمثّل رأي الشيعة على الأقل) [المغازيّ ج1 ص17].
اتهامه بالتقية مرتبط باتهامه بالتشيّع، لذا إذا كان الأول باطلاً، فإن الثاني أيضاً باطل ليس له أساس. وما يُبنى على شيء غير صحيح هو أيضاً غير صحيح.
نكتفي بهذا القدر والحمد لله أولاً وآخراً
اترك تعليق