قُبَبُ أَئِمَّتِنَا الشَّمَّاءُ رَمْزٌ مِنْ رُمُوزِ عِزَّتِنَا، وَالعِنَايَةُ بِهَا جُزْءٌ لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ إِيمَانِنَا وَوُجُودِنَا!!
عَ. عَ. كَ /: مَا رُدُّكُمْ عَلَى هَذَا الكَلَامِ: ثَمَانُونَ كِيلُو مِنْ الذَّهَبِ فِي قُبَّةِ الحُسَيْنِ!! آخِرُ الإِنْجَازَاتِ العَظِيمَةِ الَّتِي طَالَعَتْنَا بِهَا العَتَبَةُ الحُسَينِيَّةُ فِي كَرْبَلَاءَ هِيَ: إكْمَالُ الهَيْكَلِ الحَدِيدِيِّ لِقُبَّةِ حَرَمِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ "عَ" وَالَّذِي مِنْ المُؤمَّلِ - حَسَبَ تَعْبِيرِهِمْ - افْتِتَاحُهُ فِي شَهْرِ مُحَرَّمٍ القَادِمِ, لَكِنَّ المُحْزِنَ لِي وَلِكُلِّ إِنْسَانٍ ذِي شُعُورٍ فِي هَذَا الإِنْجَازِ هُوَ: مِقْدَارُ الذَّهَبِ الَّذِي سَيُسْتَخْدَمُ فِي هَذِهِ القُبَّةِ; إِذْ جَاءَ التَّصْرِيحُ الرَّسْمِيُّ مِنْ قِبَلِهِمْ إِنَّ مِقْدَارَهُ يَتَرَاوَحُ مَا بَيْنَ "72- 80 " كِيلُو, وَعَدُّوهُ كَبِيراً مُقَارَنَةً بِالقُبَّةِ القَدِيمَةِ !! وَأَنَا لَا أَدْرِي مَا الَّذِي سَيسْتَفِيدُهُ الحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ "عَ" مِنْ هَذَا المِقْدَارِ مِنْ الذَّهَبِ فِي قُبَّتِهِ وَهُوَ فِي عَلْيَائِهِ؟ وَمَا الَّذِي يَنْتَفِعُ مِنْهُ المَلَايِينُ مِنْ عُشَّاقِهِ وَهُمْ يَعِيشُونَ أَدْنَى مُسْتَوَيَاتِ الفَقْرِ والتَّقَهْقُرِ عَلَى جَمِيعِ الأَصْعِدَةِ؟ لَا يَسَعُنِي إِلَّا أَنْ أَقُولَ: تَعْساً لِلعَنَاوِينِ الثَّانَوِيَّةِ الَّتِي تُسَوِّغُ ذَلِكَ, وَبُؤْساً لِلثَّوَابِ الَّذِي يتَّكِئُ بَعْضُ المُعَمَّمِينَ عَلَيْهِ لِإقْنَاعِ سَذَجَةِ التُّجَّارِ بالتَّبرُّعِ لِمِثْلِهِ, وَسُحْقاً لِفِقْهٍ يُقَدِّمُ القُبَبَ وَالأَضْرِحَةَ عَلَى كَرَامَةِ الإِنْسَانِ... أَجَلْ; إِنَّهَا تِجَارَةُ عَمَائِمَ خَاوِيَةٍ تَعْتَاشُ عَلَى السَّذَاجَةِ والإسْتِغفَالِ, وَاللهُ مِنْ وَرَاءِ القَصْدِ.
الأَخُ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
نَقُولُ: إِنَّ قُبَبَ أَئِمَّتِنَا الشَّمَّاءَ رَمْزٌ مِنْ رُمُوزِ عِزَّتِنَا، وَالعِنَايَةُ بِهَا جُزْءٌ لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ إِيمَانِنَا وَوُجُودِنَا، وَالَّذِينَ يَطْرَحُونَ مِثْلَ هَذِهِ الأَقْوَالِ يَجْهَلُونَ الشَّرِيعَةَ الإِسْلَامِيَّةَ بِالمَرَّةِ، فَالإِسْلَامُ العَزِيزُ كَمَا حَثَّ عَلَى إِطْعَامِ الفُقَرَاءِ وَمُسَاعَدَةِ المُحْتَاجِينَ وَرِعَايَةِ الأَيْتَامِ حَثَّ كَذَلِكَ عَلَى تَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللهِ وَجَعَلَهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ، وَمِنْ شَعَائِرِ اللهِ الَّتِي عَلَيْنَا تَعْظِيمُهَا هِيَ مَرَاقِدُ الأَئِمَّةِ الأَطْهَارِ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ).
يَقُولُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (الحج:32)، فمَا هِي حَقِيقَةُ التَّعْظِيمِ المَذْكُورِ؟!!
يَقُولُ الشَّيْخُ نَاصِرٌ مَكَارِم الشِّيرَازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ "الأَمْثَلِ" ج10 ص 344: (حَقِيقَةُ التَّعْظِيمِ تَعْنِي تَسَامَى مَكَانَةُ هَذِهِ الشَّعَائِرِ فِي عُقُولِ النَّاسِ وَبَوَاطِنِهِمْ، وَأَنْ يُؤَدُّوا مَا تَسْتَحِقُّهُ هَذِهِ الشَّعَائِرُ مِنْ تَعْظِيمٍ وَاحْتِرَامٍ). انْتَهَى.
فَالنَّاسُ كَمَا تُسَاعِدُ الفُقَرَاءَ وَالمُحْتَاجِينَ وَتَرْعَى الأَيْتَامَ، يُقَدِّمُونَ كَذَلِكَ أَفْضَلَ مَا تَجُودُ بِهِ أَيْدِيهِمْ لِأَئِمَّتِهِمْ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) تَعْظِيماً لَهُمْ، وَلَا يُقَصِّرُونَ فِي الجَانِبَيْنِ، فَلِمَاذَا يُرِيدُ هَذَا البَعْضُ تَغْلِيبَ أَحَدِ الجَانِبَيْنِ عَلَى الآخَرِ وَبِأَيِّ حُجَّةٍ وَدَلِيلٍ؟!!
بَلْ وَجَدْنَا أَنَّ العِنَايَةَ بِهَذِهِ الشَّعَائِرِ وَالإهْتِمَامَ بِهَا بِكُلِّ وَسَائِلِ الإهْتِمَامِ هُوَ سَبَبٌ رَئِيسِيٌّ مِنْ أَسْبَابِ عِزَّتِنَا وَقُوَّتِنَا الَّتِي يَسْعَى الأَعْدَاءُ إِلَى مَحْوِهَا وَإِزَالَتِهَا مِنْ دُنْيَا الوُجُودِ، فَلَمْ يَقْصِمْ ظَهْرَ الإِرْهَابِ وَيَقُضَّ مَضَاجِعَهُمْ إِلَّا هَذِهِ القُبَبُ الشَّامِخَةُ الشَّمَّاءُ الَّتِي جَعَلُوهَا هَدَفَهُمْ الأَوَّلَ حِينَ صَرَّحُوا فِي أَوَّلِ بَيَانٍ أَصْدَرُوهُ لِغَزْوِ العِرَاقِ بِأَنَّ غَايَتَهُمْ هِيَ الوُصُولُ إِلَى النَّجَفِ وَكَرْبَلَاءَ وَتَهْدِيمُ القُبَبِ فِيهَا وَإِزَالَتُهَا مِنْ دُنْيَا الوُجُودِ!! وَكُلُّ صَوْتٍ يُرِيدُ التَّقْلِيلَ مِنْ شَأْنِ هَذِهِ المَرَاقِدِ وَتَعْظِيمِهَا يَصُبُّ فِي خِدْمَةِ الدَّوَاعِشِ وَأَهْدَافِهِمْ!!.
تَقُولُ: وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّعْظِيمُ بِكُلِّ هَذَا الذَّهَبِ الَّذِي تَضَعُونَهُ عَلَى هَذِهِ المَرَاقِدِ؟!!
نَقُولُ: لَقَدْ وَرَدَ فِي تَعْظِيمِ حَدِيثٍ وَاحِدٍ ذَكَرَهُ الإِمَامُ الصَّادِقُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي حَقِّ زِيَارَةِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِأَنْ يُكْتَبَ بِمَاءِ الذَّهَبِ إعظَاماً لِشَأْنِهِ، فمَا بَالُكَ بِمَثْوىً يَضُمُّ جَسَدَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) نَفْسَهُ، كَيْفَ لَنَا تَعْظِيمُهِ!!
رَوَى الشَّيْخُ الطُّوسِيُّ (قُدِّسَ سِرُّهُ) فِي "التَّهْذِيبِ" ج6 ص 22 عَنْ ابْنِ مَارِدٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَقَدْ ذَكَرَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)... فَقَالَ: يَا بْنَ مَارِدٍ، مَنْ زَارَ جَدِّي عَارِفاً بِحَقِّهِ، كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حُجَّةً مَقْبُولَةً، وَعُمْرَةً مَبْرُورَةً، يَا بْنَ مَارِدٍ، وَاللهِ مَا يُطْعِمُ اللهُ النَّارَ قَدَماً اغْبَرَّتْ فِي زِيَارَةِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مَاشِياً كَانَ أَوْ رَاكِباً، يَا بْنَ مَارِدٍ، اكْتُبْ هَذَا الحَدِيثَ بِمَاءِ الذَّهَبِ. انْتَهَى.
وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.
اترك تعليق