شُبْهَةُ سَبَايَا أوْطَاس.

يُوسُفُ/ الأُرْدُن /: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إِخْوَتِي الأكَارِمُ، كَثُرَتْ الشُّبُهَاتُ عَلَى دِينِنَا الإِسْلَامِ وَعَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَقُرْآنِنَا الكْرِيمِ مِنْ أَعْدَاءِ الدِّينِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ دَاعِشَ هِيَ أَسَاسُ الإِسْلَامِ. (والعِيَاذُ بِاللهِ)، وَكَانَ هَذَا المَوْضُوعُ الَّذِي كَانَ سَبَباً لِإِلْحَادِ وَارْتِدَادِ كَثِيرٍ مِنْ السُّذَّجِ الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ البَحْثَ أَوْ أَخَذُوا الدِّينَ عَنْ طَرِيقِ المُخَالِفِينَ وَهُوَ: المَوْضُوعُ مُتَشَعِّبٌ...... قِصَّةُ (سَبَايَا أوْطَاس.....) نَزَلَتْ فِيهَا هَذِهِ الآيَاتُ: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (24) وَمَنْ لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ فَأَنْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمُ (25) يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26)).

: اللجنة العلمية

      الأَخُ يُوسُفُ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. 

      الَّذِي يُغَرِّدُ بِهَذِهِ الشُّبْهَةِ هُوَ إِنْسَانٌ جَاهِلٌ لَا يَعْرِفُ طَبِيعَةَ التَّأْرِيخِ وَالمُجْتَمَعَاتِ البَشَرِيَّةِ وَمَا هِيَ الأَوْضَاعُ السَّائِدَةُ يَوْمَذَاكَ فِي بِدَايَةِ الإِسْلَامِ، فَالرِّقُّ وَالسَّبْيُ لِلنِّسَاءِ فِي الحُرُوبِ كَانَ سَابِقاً مَوْجُوداً وَسَائِداً فِي كُلِّ المُجْتَمَعَاتِ العَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا، فَالرِّقُّ كَانَ مَوْجُوداً عِنْدَ الفُرْسِ وَعِنْدَ الهُنُودِ القُدَمَاءِ وَعِنْدَ الصِّينِيِّينَ وَعِنْدَ العَرَبِ الجَاهِلِيَّةِ وَعِنْدَ الإغْرِيقِ وَعِنْدَ الرُّومَانِ وَاسْتَمَرَّ وُجُودُهُ فِي القُرُونِ الوُسْطَى فِي فَرَنْسَا وَإِيطَاليَا وَالجُزُرِ البِرِيطَانِيَّةِ وَإِسْبَانيَا القَدِيمَةِ وَلَمْ يَتَخَلَّصْ العَالَمُ مِنْهُ إِلَّا قَبْلَ مِائَةِ عَامٍ فِي مُؤْتَمَرٍ عَقَدَتْهُ الأُمَمُ المُتَّحِدَةُ فِي عَامِ 1906م، حَيْثُ قَرَّرَتْ مَنْعَ تِجَارَةِ العَبِيدِ وَإِلْغَاءَ العُبُودِيَّةِ بِشَتَّى أَشْكَالِهَا، وَأَكَّدَتْ هَذِهِ القَرَارَاتُ بِالإِعْلَانِ العَالَمِيِّ لِحُقُوقِ الإِنْسَانِ.

      وَكَذَلِكَ سَبْيُ النِّسَاءِ كَانَ مَوْجُوداً قَبْلَ الإِسْلَامِ، فَهُوَ مَوْجُودٌ مُنْذُ شَرِيعَةِ حَمُورَابِي، وَمَوْجُودٌ عِنْدَ الرُّومَانِ، وَعِنْدَ اليَهُودِ، وَعِنْدَ الآشُورِيِّينَ وَالبَابِلِيِّينَ وَاليُونَانِيِّينَ، كَمَا كَانَ مَوْجُوداً عِنْدَ العَرَبِ القُدَمَاءِ فِي عَصْرِ الجَاهِلِيَّةِ.

    وَمِنْ المَعْرُوفِ مِنْ قَوَاعِدِ الحُرُوبِ هِيَ المُعَامَلَةُ بِالمِثْلِ، أَيْ رَدُّ الإعْتِدَاءِ بِمِثْلِهِ، فَلَوْ اعْتَدَى عَلَيْكَ جَيْشٌ كَافِرٌ مَثلاً وَسَبَى نِسَاءَكَ وَأَخَذَ أَبْنَاءَكَ رَقِيقاً وَعَبِيداً عِنْدَهُ، فَلَكَ أَنْتَ أَيْضاً أَنْ تَسْبِيَ نِسَاءَهَ وَتَأْخُذَ أَبْنَاءَهَ رَقِيقاً عِنْدَكَ، فَهَذَا قَانُونٌ عَامٌّ تَعْمَلُ بِهِ البَشَرِيَّةُ جَمْعَاءُ فِي الحُرُوبِ وَلَا يَتَخَلَّفُ عِنْدَهُ أَحَدٌ، وَلمَّا جَاءَ الإِسْلَامُ عَمِلَ بِهَذَا القَانُونِ حَتَّى يَحْمِيَ نَفْسَهُ وَأَبْنَاءَهَ مِنْ جَوْرِ الجَائِرِينَ وَبَغْيِ المُعْتَدِينَ، وَلَكِنْ كَانَتْ لِلإِسْلَامِ ضَوَابِطُ وَأَحْكَامٌ يَخْتَلِفُ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ كَثِيراً فِي مِثْلِ هَذِهِ الأُمُورِ، وَهِيَ تَكْشِفُ عَنْ مَدَى إِنْسَانِيَّتِهِ وَرُقِيِّهِ فِي النَّظْرَةِ إِلَى البَشَرِ وَمُحَاوَلَةِ تَخْلِيصِهِمْ مِنْ كُلِّ أَنْوَاعِ الرِّقِّ والعُبُودِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ سَائِدَةً فِي الأُمَمِ يَوْمَذَاكَ.

     فَقَدْ شَرَّعَ الإِسْلَامُ جُمْلَةً مِنْ الأَحْكَامِ تُشَجِّعُ المُسْلِمِينَ عَلَى عِتْقِ الإرِقَّاءِ كَالْكُفَّارَاتِ الوَاجِبَةِ الَّتِي تَضَمَّنَتْ فِي أَحَدِ بُنُودِهَا العِتْقَ وَتَخْلِيصَ النَّاسِ مِنْ رِقِّ العُبُودِيَّةِ.

     وَكَذَلِكَ فِي مَوْضُوعِ سَبْيِ النِّسَاءِ الَّذِي كَانَ سَائِداً فِي الحُرُوبِ يَوْمَذَاكَ، فَقَدْ حَاوَلَ الإِسْلَامُ تَخْلِيصَ المَرْأَةِ مِنْ هَذَا الوَضْعِ بِتَشْرِيعِ الحُرِّيَّةِ لَهَا بِأَنْ تُعْتَقَ مِنْ حِصَّةِ وَلَدِهَا إِذَا أَصْبَحَتْ أُمَّ وَلَدٍ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ سَيِّدِهَا، وَإِذَا أَرَادَ سَيِّدُهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَهَا أَوَّلاً ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا.

     وَحَتَّى جَوَازِ وَطْئِهَا بِمُلْكِ اليَمِينِ وَضَعَ لَهُ ضَوَابِطَ وَلَمْ يَتْرُكْهُ بِلَا قُيُودٍ وَلَا ضَوَابِطَ; إِذْ حَرَّمَ الإِسْلَامُ وَطْءَ الأَمَةِ المُشْرِكَةِ حَتَّى تُسْلِمَ، وَإِذَا كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً وَسَبَى مَعَهَا زَوْجَهَا فَيَبْقَيَانِ عَلَى نِكَاحِهِمَا وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا سُبِيَتْ الزَّوْجَةُ دُونَ الزَّوْجِ حَكَمَ الإِسْلَامُ بانْفِسَاخِ العَقْدِ بَيْنَهُمَا حَتَّى لَا تَبْقَى الأُمُورُ مُعَلَّقَةً إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ، وَحَتَّى يُتِيحَ لِلمَرأَةِ العَيْشَ بِحَيَاةٍ جَدِيدَةٍ فِي دَارِ الإِسْلَامِ، وَلَمْ يُجِزْ لِمَنْ يَمْلِكُهَا بِمِلْكِ اليَمِينِ أَنْ يَطَأَهَا إِلَّا إِذَا أَسْلَمَتْ وَإِلَّا كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.

 

 فَهَذِهِ الأَحْكَامُ كَمَا تَرَى - وَهِيَ كُلُّهَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عِنْدَ جُمْهُورِ المُسْلِمِينَ - كَانَتْ تُرَاعِي حَالَةً سَائِدَةً فِي الحُرُوبِ آنَذَاكَ وَحَاوَلَتْ تَخْلِيصَ النَّاسِ وَالمُسْلِمِينَ مِنْهَا بِتَشْرِيعِ جُمْلَةٍ مِنْ القَوَانِينِ وَالأَحْكَامِ لِمُعَالَجَتِهَا، فَلَا مَجَالَ لِمَنْ يُرِيدُ الإِشْكَالَ عَلَى الإِسْلَامِ بِمَوْضُوعِ الرِّقِّ وَسَبْيِ النِّسَاءِ.

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.