قَوْلُ الزَّهْرَاءِ (ع) لِلأَنْصَارِ: "بَنِي قَيْلَةَ".

أَحْمَدُ العِرَاقِيُّ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ. لِمَاذَا دَعَتْ السَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) الأوْسَ بِأَبْنَاءِ قَيْلَةَ فِي قَوْلِهَا "حَتَّى حَبَسَتْنِي قيلة نَصْرَهَا، وَالمُهَاجرَةُ وُصْلَتَهَا، هَلْ هُوَ تَعْرِيضٌ بِهِمْ وَبِأُمِّهِمْ؟

: اللجنة العلمية

    الأَخُ أَحْمَدُ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. 

    يَبْدُو أَنَّ هَذَا الإسْمَ (بَنِي قَيْلَةَ) لِقَبِيلَتَي الأوْسِ والخَزْرَجِ كَانَ مُتَدَاوَلًا فِي وَقْتِهَا، وَالنَّاسُ تُسَمِّي هَاتَيْنِ القَبِيلَتَيْنِ بِهَذَا الإسْمِ، وَلَمْ يَنْقُلْ لَنَا التَّأْرِيخُ أَنَّ ذِكْرَهُ كَانَ فِيهِ مَذمَّةٌ لَهُمْ، وَهُوَ قَدْ جَاءَ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) كَذَلِكَ.

     فَمِمَّا يُذْكَرُ عِنْدَ الهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ يَهُودِيًّا كَانَ يَقِفُ عَلَى حِصْنٍ مِنْ حُصُونِ المَدِينَةِ، فَلَمَّا رَأى النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ) قَادِمًا إِلَى المَدِينَةِ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: "يَا أَبْنَاءَ قَيْلَةَ، هَذَا جَدُّكُمْ - أَيْ حَظُّكُمْ - قَدْ جَاءَ" [السِّيرَةُ النَّبَوِيَّةُ لِابْنِ هُشَامٍ 2:341].

     وَأَيْضًا يَنْقُلُ الرُّوَاةُ وَالمُحَدِّثُونَ أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) لَمَّا جَاءَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفِيلِ وَأرْبدُ بْنُ رَبِيعَةَ وَسَأَلَا النَّبِيَّ (ص) أَنْ يَجْعَلَ لَهُمَا نِصْفَ الأَمْرِ، أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللهِ (ص)، فَقَامَ عَامِرُ بْنُ الطُّفِيلِ يُهَدِّدُ وَيَتَوَعَّدُ النَّبِيَّ (ص) بِقَوْلِهِ: لَأَملنَّهَا عَلَيْكَ - أَي المَدِينَةُ - خَيْلًا جَرْدًا وَرِجَالًا مرْدًا. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ): (يَأْبَى اللهُ ذَلِكَ وَأَبْنَاءُ قَيْلَةَ). [تَفْسِيرُ ابْنِ كَثِيرٍ 2: 524]. أَيْ يَمْنَعُكَ عَنَّا اللهُ وَالأَنْصَارُ الَّذِينَ هُمْ أَبْنَاءُ قَيْلَةَ.

     فَكَمَا نُلَاحِظُ أَنَّ هَذَا الإسْمَ (بَنِي قَيْلَةَ) كَانَ مُتَدَاوَلَ الخِطَابِ وَالتَّسْمِيَةِ بِهِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، بَلْ يُسْتَفَادُ مِنْ ذِكْرِهِ عِنْدَ النَّبِيِّ (ص) أَنَّهُ يَكُونُ لِلمَدْحِ وَالإسْتِنْهَاضِ بِهِ أَكْثَرُ مِمَّا هُوَ لِلذَّمِّ وَالتَّقْرِيعِ، وَكَذَلِكَ يُحْمَلُ مُنَادَاةُ الزَّهْرَاءِ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) لِلأَنْصَارِ وَمُخَاطَبَتُهُمْ بِهَذَا الإسْمِ.

       وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.