كَيْفَ يُبَايِعُ عَلِيٌّ (ع) الخُلَفَاءَ وَهُمْ كُفَّارٌ كَمَا تَقُولُونَ؟!!

كَرِيمٌ:      سَيِّدُنَا عَلِيٌّ وَهُوَ الإِمَامُ المَعْصُومُ عِنْدَ الشِّيعَةِ قَدْ بَايَعَ سَيِّدَنَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى الخِلَافَةِ وَعَاشَ تَحْتَ إمَامَتِهِ وَخِلَافَتِهِ كَأَحَدِ رَعَايَاهُ.      وَكَذَلِكَ فَإِنَّ الإِمَامَ المَعْصُومَ قَدْ بَايَعَ سَيِّدَنَا عُمَرَ عَلَى الخِلَافَةِ وَعَاشَ تَحْتَ خِلَافَتِهِ وإمَامَتِهِ كَأَحَدِ رَعَايَاهُ، وَفَوْقَ هَذَا قَدْ صَاهَرَهُ وَوَافَقَ عَلَى زَوَاجِهِ مِنْ ابْنَتِهِ المُؤْمِنَةِ الطَّاهِرَةِ أُمِّ كُلْثُومَ الكُبْرَى بِنْتِ فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ).      هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُنَافِقَيْنِ كَافِرَيْنِ؟؟؟      لَا أُرِيدُ ذِكْرَ رِوَايَاتٍ، وَلَكِنَّ إِمْكَانِيَّةَ أَنْ يَكُونَا كَافِرَيْنِ أَوْ مُنَافِقَيْنِ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ أَمْ لَا؟       بِحَسَبِ عَقِيدَةِ الشِّيعَةِ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُبَايِعَ الشِّيعِيُّ مَنْ يَعْلَمُ بِأَنَّهُ مُنَافِقٌ كَافِرٌ عَلَى الخِلَافَةِ؟      هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُبَايِعَ الإِمَامُ المَعْصُومُ مُنَافِقًا كَافِرًا عَلَى الخِلَافَةِ، وَيَعِيشُ تَحْتَ حُكْمِهِ كَأَحَدِ رَعَايَاهُ؟

: اللجنة العلمية

     الأَخُ كَرِيمٌ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     تُوجَدُ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ عِدَّةُ أُمُورٍ نُشِيرُ إِلَيْهَا بِشَكْلٍ مُخْتَصَرٍ:

     الأَوَّلُ: لَمْ يَثْبُتْ بِشَكْلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ أَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بَايَعَ الَّذِينَ سَبَقُوهُ بِالخِلَافَةِ، وَعَلَى فَرْضِ ثُبُوتِهِ فَهِيَ بَيْعَةُ إِكْرَاهٍ وَاضْطِرَارٍ، وَبَيْعَةُ الإِكْرَاهِ لَا تُعَدُّ بَيْعَةً شَرْعًا.

     تَقُولُ: وَمَا هُوَ الوَجْهُ فِي حَمْلِهَا عَلَى بَيْعَةِ الإِكْرَاهِ دُونَ البَيْعَةِ الشَّرْعِيَّةِ؟!!

     نَقُولُ: لَمَّا ثَبَتَ بِأَنَّ الخَلِيفَةَ الشَّرْعِيَّ المُنَصَّبَ مِنْ اللهِ وَرَسُولِهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) هُوَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَأَنَّ القَوْمَ خَالَفُوا اللهَ وَرَسُولَهُ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ أَحَدُ أَعْلَامِ أَهْلِ السُّنَّةِ الكِبَارِ، وَهُوَ الإِمَامُ الْغَزَّالِيُّ، الَّذِي قَالَ فِي "سِرِّ العَالَمِينَ":

     (لَكِنْ أَسْفَرَتْ الحُجَّةُ وَجْهَهَا، وَأَجْمَعَ الجَمَاهِيرُ عَلَى مَتْنِ الحَدِيثِ، مِنْ خُطْبَتِهِ فِي يَوْمِ غَدِيرِ خُمٍّ بِاتِّفَاقِ الجَمِيعِ، وَهُوَ يَقُولُ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ. فَقَالَ عُمَرُ: بَخٍ بَخٍ يَا أَبَا الحَسَنِ، لَقَدْ أَصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَمَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ. فَهَذَا تَسْلِيمٌ وَرِضًى وَتَحْكِيمٌ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا غَلَبَ الهَوَى لِحُبِّ الرِّئَاسَةِ، وَحُمِلَ عَمُودُ الخِلَافَةِ، وَعُقُودُ البُنُودِ، وَخَفَقَانُ الهَوَى فِي قَعْقَعَةِ الرَّايَاتِ، وَاشْتِبَاكُ ازْدِحَامِ الخُيُولِ، وَفَتْحُ الأَمْصَارِ; سَقَاهُمْ كَأْسُ الهَوَى، فَعَادُوا إِلَى الخِلَافِ الأَوَّلِ، فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا). انْتَهَى [مَجْمُوعَةُ رَسَائِلِ الإِمَامِ الْغَزَّالِيِّ، كِتَابُ سِرِّ العَالِمِينَ: 483].

     الثَّانِي: أَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلِيًّا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَكَذَلِكَ شِيعَتَهُ، لَمْ يَقُولُوا بِكُفْرِ مَنْ سَبَقَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِالخِلَافَةِ، بَلْ كَانَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ المُسْلِمِينَ، وَإِنْ سَمِعْتَ القَوْلَ بِكُفْرِهِمْ فِي بَعْضِ كُتُبِ الشِّيعَةِ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الكُفْرِ الأَصْغَرِ دُونَ الأَكْبَرِ، المُسَمَّى بِكُفْرِ النِّعْمَةِ، وَهُوَ يَجْتَمِعُ مَعَ الإِسْلَامِ.. رَاجِعْ كُتُبَكَ وَمَصَادِرَكَ مِنْ صَحِيحِ البُخَارِيِّ وَغَيْرَهَا فِي تَقْسِيمِ الكُفْرِ إِلَى كُفْرٍ أَصْغَرَ وَكُفْرٍ أَكْبَرَ، أَوْ كُفْرٍ دُونَ كُفْرٍ.

     الثَّالِثُ: دَعْوَى تَزْوِيجِ أُمِّ كُلْثُومَ ابْنَةِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ لَمْ تَثْبُتْ، وَالرِّوَايَاتُ فِيهَا مُتَضَارِبَةٌ جِدًّا، وَعَلَى فَرْضِ ثُبُوتِهَا فَالرِّوَايَاتُ تُشِيرُ إِلَى وُقُوعِ هَذَا الزَّوَاجِ بِالتَّهْدِيدِ وَالإِكْرَاهِ، وَالطَّرَفُ الآخَرُ قَدْ قُلْنَا بِإِسْلَامِهِ، فَلَا مُشْكِلَةَ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ، وَمَعَهُ لَا تَنْفَعُ المُسْتَدِلَّ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ فِي إِثْبَاتِ المَوَدَّةِ أَوْ المَحَبَّةِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، بَلْ تُوجَدُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ السُّنَّةِ تَنْفِي هَذَا التَّوَادَّ وَالمَحَبَّةَ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، نَذْكُرُ مِنْهَا شَاهِدَيْنِ فَقَطْ:

     الأَوَّلُ: مَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: (وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنْ النَّاسِ وَجْهٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ إسْتَنْكَرَ عَلَى وُجُوهِ النَّاسِ فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ يُبَايِعُ تِلْكَ الأَشْهُرَ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ ائْتِنَا وَلَا يَأْتِينَا أَحَدٌ مَعَكَ كَرَاهِيَةً لِمَحْضَرِ عُمَرَ). [صَحِيحُ البُخَارِيِّ ج 5، ص 83، بَابُ غَزْوِ خَيْبَرٍ].

      الثَّانِي: مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ خِطَابِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ لِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَالعَبَّاسِ عَمِّ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ): (فَجِئْتُمَا تَطْلُبُ مِيرَاثَكَ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ، وَيَطْلُبُ هَذَا مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): مَا نُوَرِّثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةً. فَرَأَيْتُمَاهُ كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنًا، وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَأَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَوَلِيُّ أَبِي بَكْرٍ فَرَأَيْتُمَانِي كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنًا). [صَحِيحُ مُسْلِمٍ - كِتَابُ الجِهَادِ وَالسِّيَرِ - رَقْم 1379].

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.