طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ فِي المِيزَانِ. 

سَيْفُ الدِّينِ:      طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ مِنْ عُشَّاقِ الدُّنْيَا.      قَالَ التَّيجَانِيُّ ص 183:      (وَعِنْدَمَا نَبْحَثُ عَنْ شَخْصِيَّةِ هَذَا الرَّجُلِ (يَعْنِي طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ) فِي كُتُبِ التَّارِيخِ يَتَبَيَّنُ لَنَا بِأَنَّهُ مِنْ عُشَّاقِ الدُّنْيَا، مِنْ الَّذِينَ غَرَّتْهُمْ وَجَرَّتْهُمْ وَرَاءَهَا فَبَاعُوا دِينَهُمْ مِنْ أَجْلِهَا، وَخَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ، وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَنْدَمُونَ).      أَقُولُ: هَذِهِ جُرْأَةٌ قَبِيحَةٌ عَلَى صَحَابِيٍّ جَلِيلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) اشْتَهَرَ بِالجِهَادِ وَبَذْلِ النَّفْسِ حَتَّى قَالُوا عَنْهُ فِي يَوْمِ أُحُدٍ: كَانَ يَوْمَ طَلْحَةَ شُلَّتْ فِيهِ يَمِينُهُ وَهُوَ يُدَافِعُ عَنْ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [369].       انْظُرْ تَرْجُمَةَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ 1 / 23، البِدَايَةَ وَالنِّهَايَةَ 7 / 258، الإِصَابَةَ 2 / 22.

: اللجنة العلمية

     الأَخُ سَيْفُ الدِّينِ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     مِنْ الأُمُورِ الَّتِي تُؤَاخَذُ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا بِعَدَالَةِ الصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ أَجْمَعِينَ، الأَمْرُ الَّذِي جَعَلَهُمْ يَصُمُّونَ آذَانَهُمْ عَنْ أَيِّ نَقْدٍ أَوْ تَحْقِيقٍ فِي أَيِّ صَحَابِيٍّ مِنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)، فَوَقَعُوا مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ فِي تَنَاقُضَاتٍ عَجِيبَةٍ وَغَرِيبَةٍ، مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ حُكْمُهُمْ عَلَى الصَّحَابِيِّ أَبِي الغَادِيَةِ (قَاتِلِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ) بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ تَارَةً; وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الحَدِيثِ الصَّحِيحِ: (قَاتِلُ عَمَّارٍ وَسَالِبُهُ فِي النَّارِ) [كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ فِي سِلْسِلَةِ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ 5: 19]، وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ تَارَةً أُخْرَى; لأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ [كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي مِنْهَاجِ السُّنَّةِ 6: 205].

     وَهَذَا تَنَاقُضٌ وَاضِحٌ أَوْقَعَتْهُمْ فِيهِ عَقِيدَتُهُمْ الآنِفَةُ الذِّكْرِ: عَدَالَةُ الصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ أَجْمَعِينَ.

     وَكَذَلِكَ الحَالُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّحَابِيِّ (طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ)، فَهُمْ تَارَةً يَرْوُونَ أَنَّهُ مِنْ العَشَرَةِ المُبَشِّرَةِ [كَمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حَبَّانَ، بِرَقْمِ 6993]، وَأُخْرَى يَرْوُونَ أَنَّهُ مِمَّنْ شَارَكَ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ.

     قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي الإِسْتِيعَابِ: ((لَا يَخْتَلِفُ العُلَمَاءُ الثُّقَاتُ فِي أَنَّ مَرْوَانَ قَتَلَ طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ وَكَانَ فِي حِزْبِهِ)) [الإِسْتِيعَابُ 2: 766، تَهْذِيبُ التَّهْذِيبِ 5: 19].

     وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي سبرَةَ قَالَ: نَظَرَ مَرْوَانُ إِلَى طَلْحَةَ يَوْمَ الجَمَلِ، فَقَالَ: لَا أَطْلُبُ بِثَأْرِي بَعْدَ اليَوْمِ. فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ.

     وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ قَالَ: رَمَى مَرْوَانُ طَلْحَةَ بِسَهْمٍ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ :قَدْ كَفَيْنَاكَ بَعْضَ قَتَلَةِ أَبِيكَ. [الإِسْتِيعَابُ 2: 768، سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ 1: 36].

     وَعَنْ الطَّبَرِيِّ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يَشْتَكِي مِنْ طَلْحَةَ وَيَقُولُ: (اللَّهُمَّ اكْفِنِي طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ، فَإِنَّهُ حَمَلَ عَلَيَّ هَؤُلَاءِ وَأَلَّبَهُمْ، وَأَنَّهُ انْتَهَكَ مِنِّي مَا لَا يَحِلُّ لَهُ). [تَارِيخُ الطَّبَرِيِّ، ج 4، ص 379].

     وَهُوَ بَعْدَ هَذَا مِنْ البُغَاةِ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ حَارَبُوا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلِيًّا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَوْمَ الجَمَلِ، كَمَا يَنُصُّ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْفُسُهُمْ.

     قَالَ المَنَّاوِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي "فَيْضِ القَدِيرِ": قَالَ عَبْدُ القَاهِرِ الجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابِ الإمَامَةِ: أَجْمَعَ فُقَهَاءُ الحِجَازِ وَالعِرَاقِ مِنْ فَرِيقَيْ الحَدِيثِ وَالرَّأْيِ، مِنْهُمْ: مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، والأَوْزَاعِيُّ، وَالجُمْهُورُ الأَعْظَمُ مِنْ المُتَكَلِّمِينَ وَالمُسْلِمِينَ أَنَّ عَلِيًّا مُصِيبٌ فِي قِتَالِهِ لِأَهْلِ صِفِّينَ، كَمَا هُوَ مُصِيبٌ فِي أَهْلِ الجَمَلِ، وَأَنَّ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ بُغَاةٌ ظَالِمُونَ لَهُ، وَلَكِنْ لَا يُكَفَّرُونَ بِبَغْيِهِمْ.

     وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ فِي كِتَابِ الفَرْقِ فِي بَيَانِ عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ: أَجْمَعُوا أَنَّ عَلِيًّا مُصِيبٌ فِي قِتَالِهِ أَهْلَ الجَمَلِ: طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَائِشَةَ بِالبَصْرَةِ، وَأَهْلَ صِفِّينَ: مُعَاوِيَةَ وَعَسْكَرَهُ. انْتَهَى [فَيْضُ القَدِيرِ 6: 474]. 

     وَأَمَّا عَنْ ثَرْوَتِهِ المَالِيَّةِ فَقَدْ تَرَكَ طَلْحَةُ ثَوْرَةً طَائِلَةً أَشَارَ إِلَيْهَا صَاحِبُ الطَّبَقَاتِ الكُبْرَى بِقَوْلِهِ: كَانَ يَغلُّ كُلَّ سَنَةٍ مِنَ العِرَاقِ مِائَةَ أَلْفٍ سِوَى غَلَّاتِهِ مِنْ السُّرَاةِ وَغَيْرِهِمَا. وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: كَانَتْ قِيمَةُ مَا تَرَكَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ مِنْ العِقَارِ وَالأَمْوَالِ وَمَا تَرَكَ مِنْ النَّاض ثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. تَرَكَ مِنْ العَيْنِ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَتِي أَلْفِ دِينَارٍ. وَالبَاقِي عَرُوضٌ.

     وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ جَدَّتِهِ سَعْدَى بِنْتِ عَوْفٍ المريةَ أُمِّ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَتْ :قُتِلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَفِي يَدِ خَازِنِهِ أَلْفَا أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَتَا أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَقُوِّمَتْ أُصُولُهُ وَعِقَارُهُ ثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ رباحٍ قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ: حَدَّثْتُ أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ تَرَكَ مِائَةَ بهَارٍ فِي كُلِّ بهَارٍ ثَلَاثَ قَنَاطِرَ ذَهَبٍ. وَسَمِعْتُ أَنَّ البهَارَ جِلْدُ ثَوْرٍ. [الطَّبَقَاتُ الكُبْرَى، ج 3، ص 166 وَ 167]. 

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.