انْطِبَاعَاتُ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ حَوْلَ الإمَامِ الكَاظِمِ (ع).
أَحْمَدُ العِرَاقِيُّ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ .. مَا هِي انْطِبَاعَاتُ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ حَوْلَ شَخْصِيَّةِ الإِمَامِ مُوسَى الكَاظِمِ {ع}؟
الْأَخُ أحمد الْمُحْتَرَمُ، السَّلَاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
مَوَاقِفُ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ فِي العُمُومِ نَرَى وُجُودَ انْطِبَاعٍ جَيِّدٍ وَقِرَاءَةٍ جَيِّدَةٍ لِمَقَامِ الإِمَامِ الكَاظِمِ (ع) وَاحْتِرَامِهِ كَإِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ، وَلَكِنْ مَعَ فَرْضِ الإِمَامِ (ع) نَفْسَهُ وَاحْتِرَامَهُ عَلَيْهِمْ نَرَى أَنَّ كَلَامَهُمْ حَوْلَهُ (ع) وَمَدْحَهُمْ لَهُ عَلَى اسْتِحْيَاءٍ وَحَذَرٍ، بَيْنَ مَدٍّ وَجَزْرِ؛ حَيْثُ إِنَّ الأَئِمَّةَ (ع) مَحَلُّ نَظَرٍ عِنْدَهُمْ مَهْمَا حَاوَلُوا تَبْرِئَةَ سَاحَتِهِمْ وَتَحْسِينَ صُورَتِهِمْ وَسَلَامَةَ مَوْقِفِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ البَيْتِ (ع) حَيْثُ يَعْلَمُونَ جَيِّدًا امْتِلَاكَ العِتْرَةِ الطَّاهِرَةِ لِمَذْهَبٍ خَاصٍّ لَا عِلَاقَةَ لَهُ بِهِمْ، قَد وَرِثُوهُ عَنْ آبَائِهِمُ الطَّاهِرِينَ (ع) عَنْ جَدِّهِمْ رَسُولِ رَبِّ العَالَمِينَ (ص)، وَلِذَلِكَ نَرَى اضْطِرَابًا وَتَنَاقُضًا فِي المَوَاقِفِ وَحَيَاءً بَلْ حَذَرًا شَدِيدًا فِي الطَّرْحِ، حَيْثُ لَا نَدْرِي كَيْفَ نُفَسِّرُ اكْتِفَاءَ أَضْعَفِ اثْنَينِ مِنْ أَصْحَابِ الكُتُبِ السِّتَّةِ بِتَخْرِيجِ الحَدِيثِ عَنْهُ (ع) وَهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَةَ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَكَذَلِكَ لَمْ نَجِدْ مِنْ نَصٍّ عَلَى وَثَاقَتِهِ فِي الحَدِيثِ مِنْ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ غَيْرَ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ.
حَيْثُ نَرَى الذَّهَبِيَّ- بَعْدَ ذِكْرِهِ لِلأَئِمَّةِ الإِثْنَيْ عَشَرَ (ع) وَمَدْحِهِمْ انْتِهَاءً بِالإمَامِ الصَّادِقِ (ع) وَمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الأَئِمَّةِ (ع) يَقُولُ فِي سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ (13/120): وَكَانَ وَلَدُهُ مُوسَى كَبِيرَ القَدْرِ، جَيِّدَ العِلْمِ، أَوْلَى بِالخِلَافَةِ مِنْ هَارُونَ، وَلَهُ نُظَرَاءُ فِي الشَّرَفِ وَالفَضْلِ.
وَقَالَ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصَارِيُّ فِي خُلَاصَةِ تَذْهِيبِ تَهْذِيبِ الكَمَالِ (ص390):
(ت ق يَعْنِي أَخْرَجَ حَديثَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَةَ مِنْ الكُتُبِ السِّتَّةِ) مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الهَاشِمِيُّ أَبُو الحَسَنِ الكَاظِمُ المَدَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْهُ ابْنُهُ عَلِيٌّ الرِّضَا وَأَخَوَاهُ عَلِيٌّ وَمُحَمَّدُ ابْنَا جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَطَائِفَةٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ إمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ. قَالَ يَحْيَى بْنُ الحُسَيْنِ العَلَوِيُّ بَلَغَهُ عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ يُؤذِيهِ فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِصُرَّةٍ فِيهَا أَلْفُ دِينَارٍ حَبَسَهُ المَهْدِيُّ ثُمَّ أَطْلَقَهُ وَمَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمانِينَ وَمِائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (8/139):
مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَوَى عَنْ أَبِيهِ، رَوَى عَنْهُ ابْنهُ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى وَأَخُوهُ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ ذَلِكَ .نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: سُئِلَ أَبِي عَنْهُ فَقَالَ :ثِقَةٌ صَدُوقٌ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ.
قَالَ الْخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ فِي تَارِيخِهِ (1/132): بَابُ مَا ذُكِرَ فِي مَقَابِرِ بَغْدَادَ المَخْصُوصَةِ بِالعُلَمَاءِ وَالزُّهَّادِ بِالجَانِبِ الغَرْبِيِّ فِي أَعْلَى المَدِينَةِ مَقَابِرَ قُرَيْشٍ دُفِنَ بِهَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ الأَفَاضِلِ مَعَهُ.
ثُمَّ قَالَ:... أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ القَطِيعِيُّ قَالَ :سَمِعْتُ الحَسَنَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ أَبَا عَلِيٍّ الخلالَ يَقُولُ :مَا أَهَمَّنِي أَمْرٌ فَقَصَدْتُ قَبْرَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ فَتَوَسَّلْتُ بِهِ إِلَّا سَهَّلَ اللهُ تَعَالَى لِي مَا أُحِبُّ.
وَتَرْجَمَ الخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ لِلإِمَامِ الكَاظِمِ (ع) فِي تَارِيخِ بَغْدَادَ (13/29-33) نَذْكُرُ مِنْهَا:
مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَبُو الحَسَنِ الهَاشِمِيُّ:
يُقَالُ: إِنَّهُ وُلِدَ بِالمَدِينَةِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ. وَقِيلَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَأَقْدَمَهُ المَهْدِيُّ بَغْدَادَ، ثُمَّ رَدَّهُ إِلَى المَدِينَةِ وَأَقَامَ بِهَا إِلَى أَيَّامِ الرَّشِيدِ، فَقَدِمَ هَارُونُ مُنْصَرِفًا مِنْ عُمْرَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ، فَحَمَلَ مُوسَى مَعَهُ إِلَى بَغْدَادَ وَحَبَسَهُ بِهَا إِلَى أَنْ تَوَفَّى فِي مَحْبَسِهِ.
ثُمَّ نَقَلَ الخَطِيبُ بِسَنَدِهِ :كَانَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ يُدْعَى العَبْدَ الصَّالِحَ مِنْ عِبَادَتِهِ وَاجْتِهَادِهِ .رَوَى أَصْحَابُنَا أَنَّهُ دَخَلَ مَسْجِدَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَسَجَدَ سَجْدَةً فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَسُمِعَ وَهُوَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ :عَظِيمُ الذَّنْبِ عِنْدِي، فَلْيَحْسُنِ العَفْوُ عِنْدَكَ .يَا أَهْلَ التَّقْوَى وَيَا أَهْلَ المَغْفِرَةِ.
فَجَعَلَ يُرَدِّدُهَا حَتَّى أَصْبَحَ، وَكَانَ سَخِيًّا كَرِيمًا، وَكَانَ يَبْلُغُهُ عَنِ الرَّجُلِ أَنَّهُ يُؤذِيهِ فَيَبْعَثُ إِلَيْهِ بِصُرَّةٍ فِيهَا أَلْفُ دِينَارٍ، وَكَانَ يُصِرُّ الصُّرَرَ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ، وَأَرْبَعْمِائَةِ دِينَارٍ، وَمِائَتَيْ دِينَارٍ، ثُمَّ يُقَسِّمُهَا بِالمَدِينَةِ. وَكَانَ مِثْلُ صُرَرِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ إِذَا جَاءَتِ الإِنْسَانَ الصُّرَّةُ فَقَدْ اسْتَغْنَى.
وَرَوَى الخَطِيبُ بِسَنَدِهِ... قَالَ جَدِّي يَحْيَى بْنُ الحَسَنِ :وَذَكَرَ لِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ وُلْدِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ كَانَ بِالمَدِينَةِ يُؤذِيهِ وَيَشْتُمُ عَلِيًّا، قَالَ: وَكَانَ قَدْ قَالَ لَهُ بَعْضُ حَاشِيَتِهِ: دَعْنَا نَقْتُلُهُ. فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْيِ، وَزَجَرَهُمْ أَشَدَّ الزَّجْرِ، وَسَأَلَ عَنِ العُمَرِيِّ فَذُكِرَ لَهُ أَنَّهُ يَزْدَرِعُ بِنَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي المَدِينَةِ، فَرَكَبَ إِلَيْهِ فِي مَزْرَعَتِهِ فَوَجَدَهُ فِيهَا، فَدَخَلَ المَزْرَعَةَ بِحِمَارِهِ فَصَاحَ بِهِ العُمَرِيُّ: لَا تَطَأْ زَرْعَنَا. فَوَطَئَهُ بِالْحِمَارِ حَتَّى وَصَلَ إِلَيْهِ فَنَزَلَ فَجَلَسَ عِنْدَهُ وَضَاحَكَهُ، وَقَالَ لَهُ: كَمْ غَرِمْتَ فِي زَرْعِكَ هَذَا؟ قَال لَهُ: مِائَةُ دِينَارٍ. قَالَ: فَكَمْ تَرْجُو أَنْ يُصِيبَ؟ قَالَ: أَنَا لَا أَعْلَمُ الغَيْبَ. قَالَ :إِنَّمَا قُلْتُ لَكَ: كَمْ تَرْجُو أَنْ يَجِيئَكَ فِيهِ؟ قَالَ :أَرْجُو أَنْ يَجِيئَنِي مِائَتَا دِينَارٍ. قَالَ :فَأَعْطَاهُ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ وَقَالَ: هَذَا زَرْعُكَ عَلَى حَالِهِ. قَالَ :فَقَامَ العُمَرِيُّ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَانْصَرَفَ .قَالَ :فَرَاحَ إِلَى المَسْجِدِ فَوَجَدَ العُمَرِيَّ جَالِسًا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَالَ: اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ .قَالَ :فَوَثَبَ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا لَهُ: مَا قِصَّتُكَ؟ قَدْ كُنْتَ تَقُولُ خِلَافَ هَذَا. قَالَ :فَخَاصَمَهُمْ وَشَاتَمَهُمْ. قَالَ: وَجَعَلَ يَدْعُو لِأَبِي الحَسَنِ مُوسَى كُلَّمَا دَخَلَ وَخَرَجَ .قَالَ :فَقَالَ أَبُو الحَسَنِ مُوسَى لِحَاشِيَتِهِ الَّذِينَ أَرَادُوا قَتْلَ العُمَرِيِّ :أَيَّمَا كَانَ خَيْرًا، مَا أَرَدْتُم، أَوْ مَا أَرَدْتُ أَنْ أُصْلِحَ أَمْرَهُ بِهَذَا المِقْدَارِ؟
قَالَ الْخَطِيبُ:... حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُغِيثٍ القَرَظِيُّ - وَبَلَغَ تِسْعِينَ سَنَةً – قَالَ: زَرَعْتُ بِطِّيخًا وَقِثَّاءً وَقَرْعًا فِي مَوْضِعٍ بِالجَوَانِيَّةِ عَلَى بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ عِظَامٍ. فَلَمَّا قَرُبَ الخَيْرُ، وَاسْتَوَى الزَّرْعُ، بَغَتْنِي الجَرَادُ، فَأَتَى عَلَى الزَّرْعِ كُلِّهِ، وَكُنْتُ غَرِمْتُ عَلَى الزَّرْعِ وَفِي ثَمَنِ جَمَلَيْنِ مِائَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ طَلَعَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: أيْش حَالُكَ؟ فَقُلْتُ: أَصْبَحْتُ كَالصَّرِيمِ، بَغَتْنِي الجَرَادُ فَأَكَلَ زَرْعِي. قَالَ: وَكَمْ غَرِمْتَ فِيهِ؟ قُلْتُ: مِائَةٌ وَعِشْرُونَ دِينَارًا مَعَ ثَمَنِ الجَمَلَيْنِ .فَقَالَ: يَا عَرَفَةُ، زِنْ لِأَبِي المُغِيثِ مِائَةً وَخَمْسِينَ دِينَارًا فَربحكَ ثَلَاثِينَ دِينَارًا وَالجَمَلَيْنِ. فَقُلْتُ: يَا مُبَارَكُ، ادْخُلْ وَادْعُ لِي فِيهَا. فَدَخَلَ وَدَعَا، وَحَدَّثَنِي عَنْ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَنَّهُ قَالَ:" تَمَسَّكُوا بِبَقَايَا المَصَائِبِ" ثُمَّ عَلَّقْتُ عَلَيْهِ الجَمَلَيْنِ وَسَقَيْتُهُ، فَجَعَلَ اللهُ فِيهَا البَرَكَةَ، زُكَّتْ فَبِعْتُ مِنْهَا بِعَشَرَةِ آلَافٍ.
وَسَاقَ الخَطِيبُ بِسَنَدِهِ... سَمِعْتُ إِسْحَاقَ المَوْصِلِيَّ - غَيْرَ مَرَّةٍ – يَقُولُ: حَدَّثَنِي الفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ لَمَّا حَبَسَ المَهْدِيُّ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ رَأَى المَهْدِيُّ فِي النَّوْمِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ يَقُولُ يَا مُحَمَّدُ: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ([مُحَمَّدٌ/22] قَالَ الرَّبِيعُ :فَأَرْسَلَ لِي لَيْلًا فَرَاعَنِي ذَلِكَ، فَجِئْتُهُ فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ - وَكَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ صَوْتًا- . وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ .فَجِئْتُهُ بِهِ فَعَانَقَهُ وَأَجْلَسَهُ إِلَى جَانِبِهِ، وَقَالَ: يَا أَبَا الحَسَنِ، إِنِّي رَأَيْتُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي النَّوْمِ يَقْرَأُ عَلَيَّ كَذَا، فَتُؤْمِنُنِي أَنْ تَخْرُجَ عَلَيَّ أَوْ عَلَى أَحَدٍ مِنْ وُلْدِي؟ فَقَالَ :آللهُ لَا فَعَلْتْ ذَاكَ، وَلَا هُوَ مِنْ شَأْنِي. قَالَ: صَدَقْتَ، يَا رَبِيعُ أَعْطِهِ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِينَارٍ وَرُدَّهُ إِلَى أَهْلِهِ إِلَى المَدِينَةِ.
قَالَ الرَّبِيعُ: فَأَحْكَمْتُ أَمْرَهُ لَيْلًا، فَمَا أَصْبَحَ إِلَّا وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ خَوْفَ العَوَائِقِ .أَخْرَجَهُ أَيْضًا تَهْذِيبُ الكَمَالِ لِلْمزيِّ (29/49) وَغَيْرُهُ.
ثُمَّ قَالَ الخَطِيبُ: ...أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَزْدِيُّ قَالَ: حَجَّ هَارُونُ الرَّشِيدُ، فَأَتَى قَبْرَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زَائِرًا لَهُ وَحَوْلَهُ قُرَيْشٌ وَأفيَاءُ الْقَبَائِلِ، وَمَعَهُ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى القَبْرِ قَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، يَا ابْنَ عَمِّي. افْتِخَارًا عَلَى مَنْ حَوْلَهُ، فَدَنَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَةُ. فَتَغَيَّرَ وَجْهُ هَارُونَ وَقَالَ: هَذَا الفَخْرُ يَا أَبَا الحَسَنِ حَقًّا.
قَالَ الخَطِيبُ: ...حَدَّثَنِي عُمَّارُ بْنُ أَبَانَ قَالَ: حُبِسَ أَبُو الحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عِنْدَ السِّندِيِّ بْنِ شَاهِكٍ، فَسَأَلَتْهُ أُخْتُهُ أَنْ تَتَوَلَّى حَبْسَهُ - وَكَانَتْ تَتَدَيَّنُ - فَفَعَلَ، فَكَانَتْ تَلِي خِدْمَتَهُ، فَحَكَى لَنَا أَنَّهَا قَالَتْ :كَانَ إِذَا صَلَّى العُتْمَةَ حَمِدَ اللهَ وَمَجَّدَهُ وَدَعَاهُ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى يَزُولَ اللَّيْلُ، فَإِذَا زَالَ اللَّيْلُ قَامَ يُصَلِّي حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ، ثُمَّ يَذْكُرُ قَلِيلًا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ يَقْعُدُ إِلَى ارْتِفَاعِ الضُّحَى، ثُمَّ يَتَهَيَّأُ وَيَسْتَاكُ وَيَأْكُلُ، ثُمَّ يَرْقِدُ إِلَى قَبْلِ الزَّوَالِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي حَتَّى يُصَلِّيَ العَصْرَ، ثُمَّ يَذْكُرُ فِي القِبْلَةِ حَتَّى يُصَلِّيَ المَغْرِبَ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعُتْمَةِ، فَكَانَ هَذَا دَأْبُهُ. فَكَانَتْ أُخْتُ السِّنْدِيِّ إِذَا نَظَرَتْ إِلَيْهِ قَالَتْ :خَابَ قَوْمٌ تَعَرَّضُوا لِهَذَا الرَّجُلِ، وَكَانَ عَبْدًا صَالِحًا .وَأَخْرَجَهُ المزيُّ فِي تَهْذِيبِ الكَمَالِ أَيْضًا (29/50).
ثُمَّ قَالَ الخَطِيبُ...: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: بَعَثَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ إِلَى الرَّشِيدِ مِنَ الحَبْسِ رِسَالَةً كَانَتْ :إِنَّهُ لَنْ يَنْقَضِيَ عَنِّي يَوْمٌ مِنَ البَلَاءِ إِلَّا انْقَضَى عَنْكَ مَعَهُ يَوْمٌ مِنَ الرَّخَاءِ، حَتَّى نَقْضِيَ جَمِيعًا إِلَى يَوْمٍ لَيْسَ لَهُ انْقِضَاءٌ، يَخْسَرُ فِيهِ المُبْطِلُونَ. تَهْذِيبُ المزيِّ (29/50).
قَالَ الخَطِيبُ:... حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ السِّنْدِيِّ بْنِ شَاهِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عِنْدَنَا مَحْبُوسًا، فَلَمَّا مَاتَ بَعَثْنَا إِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ العُدُولِ مِنَ الكَرْخِ فَأَدْخَلْنَاهُمْ عَلَيْهِ فَأَشْهَدْنَاهُمْ عَلَى مَوْتِهِ، وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ الشونيزي .تَهْذِيبُ المَزيِّ (29/51).
... قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ صَدقَةَ العَنْبَرِيُّ: تَوَفَّى مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمانِينَ وَمِائَةٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ :تَوَفَّى لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ رَجَبَ. كَذَلِكَ عِنْدَ المزيِّ أَيْضًا تَرْجَمَهُ بِعَيْنِهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَةَ فِي سُنَنِهِ (1/25): قَالَ أَبُو الصَّلْتِ (بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثًا عَنِ الإِمَامِ الرِّضَا (ع) عَنْ آبَائِهِ (ع) وَذَكَرَ أَسْمَاءَهُمُ الشَّرِيفَةَ المُبَارَكَةَ): لَوْ قُرِئَ هَذَا الإِسْنَادُ عَلَى مَجْنُونٍ لَبَرَأَ.
وَقَالَ عَلَامَةُ المَغْرِبِ المُحَدِّثُ أَحْمَدُ الصِّدِّيقُ الغَمَارِيُّ الحَسَنِيُّ فِي فَتْحِ المَلِكِ العَلِيِّ ص130:
تَارِيخُ الخَطِيبِ ...عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ طَاهِرٍ قَالَ: كُنْتُ وَاقِفًا عَلَى رَأْسِ أَبِي وَعِنْدَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ وَإِسْحَاقُ أَحْمَدُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَبُو الصَّلْتِ الهَرَوِيُّ، فَقَالَ أَبِي: لِيُحَدِّثَنِي كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِحَدِيثٍ. فَقَالَ أَبُو الصَّلْتِ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا وَكَانَ وَاللهِ رَضِيًّا كَمَا سُمِّيَ، عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ): الإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا هَذَا الإِسْنَادُ؟ فَقَالَ لَهُ أَبِي :هَذَا سعُوطُ المَجَانِينَ، إِذَا سَعطَ بِهِ المَجْنُونُ بَرَأَ. فَأَقَرَّهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرَاهُ. رَاجِعْ تَارِيخَ بَغْدَادَ لِلْخَطِيبِ البَغْدَادِيِّ (3/37).
ثُمَّ قَالَ الصِّدِّيقُ الغَمَارِيُّ :وَقَدْ ذَكَرَ السَّخَاوِيُّ فِي" المَقَاصِدِ الحَسَنَةِ"، وَالحَافِظُ السُّيُوطِيُّ فِي التَّعَقُّبَاتِ المُفْرَدَةِ: إِنَّ الدَّيْلَمِيَّ ذَكَرَ فِي "مُسْنَدِ الفِرْدَوْسِ" أَنَّ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لَمَّا دَخَلَ نَيْسَابُورَ خَرَجَ عُلَمَاءُ البَلَدِ فِي طَلَبِهِ، يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، فَتَعَلَّقُوا بِلُجَامِهِ فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ :بِحَقِّ آبَائِكَ الطَّاهِرِينَ حَدِّثْنَا بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ أَبِيكَ، فَقَالَ: ثَنَا العَبْدُ الصَّالِحُ أَبُو مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ. وَذَكَرَ الحَدِيثَ...
وَقَالَ مُلَّا عَلِيٌّ القَارِي فِي الأَسْرَارِ المَرْفُوعَةِ (ص392):
وَفِي الْوَجِيزِ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: كَتَبْتُ جُمْلَةً عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثِ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ آبَائِه إِلَى عَلِيٍّ رَفَعَهَا إِذْ أَخَرَجَ إِلَيْنَا نُسْخَةً قَرِيبًا مِنْ أَلْفِ حَدِيثٍ، عَنْ مُوسَى المَذْكُورِ، عَنْ آبَائِه بِخَطٍّ طَرِيٍّ عَامَّتُهَا مَنَاكِيرُ، قَالَ الدَّارقطنِيُّ: إِنَّهُ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَضْعُ ذَلِكَ الكِتَابِ. يَعْنِي العَلَوِيَّاتِ. قَالَ العَسْقَلَانِيُّ: وَسَمَّاهُ السُّنَنَ، وَكُلَّهُ بِسَنَدٍ وَاحِدٍ مِنْهُ لَا خَيْلَ أَبْقَى مِنَ الدَّهْمِ، وَلَا امْرَأَةَ كَابْنَةِ العَمِّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ الرِّضَا، عَنْ آبَائِه يَرْوِي نُسْخَةً مَوْضُوعَةً بَاطِلَةً مَا تَنْفَكُّ عَنْ وَضْعِهِ أَوْ عَنْ وَضْعِ أَبِيهِ، كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ. وَنِسْبَةُ الوَضْعِ إِلَى الرِّضَا وَأَبِيهِ غَيْرُ مَرَضِيَّةٍ، وَكَذَا نِسْبَتُهُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ أَحْمَدَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ إِنْ كَانَ المُرَادُ بِهِ الإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلَ، فَتَأَمَّلْ فَإِنَّهُ مَحَلُّ زَلَلٍ
وَقَالَ عَبْدُ العَلِيمِ عَبْدُ العَظِيمِ البَسْتوِيُّ فِي المَهْدِيِّ المُنْتَظَرِ(ع) ص76:
الإِثْنَا عَشَرِيَّةَ: وَهِيَ أَشْهَرُ فِرَقِ الإِمَامِيَّةِ المَوْجُودَةِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ، وَيُسَمَّوْنَ القَطْعِيَّةَ أَيْضًا لِأَنَّهُمْ قَطَعُوا بِمَوْتِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ .قَالَ ابْنُ حَزْمٍ :"وَهُمْ جُمْهُورُ الشِّيعَةِ وَمِنْهُمْ المُتَكَلِّمُونَ وَالنَّظَّارُونَ وَالعَدَدُ العَظِيمُ".
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الأَخْبَارِ الطِّوَالِ ص389:
وَذُكِرَ عَنِ الأَصْمَعِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الرَّشيدِ، وَكُنْتُ غِبْتُ عَنْهُ حَوْلَيْنِ بِالبَصْرَةِ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ بِالجُلُوسِ قَرِيبًا مِنْهُ، فَجَلَسْتُ قَلِيلًا، ثُمَّ نَهَضْتُ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ أَنِ اجْلِسْ، فَجَلَسْتُ، حَتَّى خَفَّ النَّاسُ.
ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَصْمَعِيُّ، أَلَا تُحِبُّ أَنْ تَرَى مُحَمَّدًا وَعَبْدَ اللهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنِّي لَأُحِبُّ ذَلِكَ، وَمَا أَرَدْتُ القِيَامَ إِلَّا إِلَيْهِمَا، لِأُسَلِّمَ عَلَيْهِمَا... فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى أَدَبَهُمَا؟ قُلْتُ :يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُمَا فِي ذكَائِهِمَا وَجَوْدَةِ ذِهْنِهِمَا، فَأَطَالَ اللهُ بَقَاءَهُمَا، وَرَزَقَ الأُمَّةَ مِنْ رَأْفَتِهِمَا وَمَعْطَفَتِهِمَا .فَضَمَّهُمَا إِلَى صَدْرِهِ، وَسَبَقَتْهُ عَبْرَتُهُ حَتَّى تَحَدَّرَتْ دُمُوعُهُ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمَا، حَتَّى إِذَا نَهَضَا وَخَرَجَا، قَالَ :كَيْفَ بِكُمْ إِذَا ظَهَرَ تَعَادِيِهِمَا وَبَدَا تَبَاغُضُهُمَا، وَوَقَعَ بَأْسُهُمَا بَيْنَهُمَا حَتَّى تُسْفَكَ الدِّمَاءُ، وَيَوَدُّ كَثِيرٌ مِنَ الأَحْيَاءِ أَنَّهُمْ كَانُوا مَوْتَى؟ فَقُلْتُ :يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، هَذَا شَيْءٌ قَضَى بِهِ المُنَجِّمُونَ عِنْدَ مَوْلِدِهِمَا، أَوْ شَيْءٌ آثَرَتْهُ العُلَمَاءُ فِي أَمْرِهِمَا؟ قَالَ: بَلْ شَيْءٌ آثَرَتْهُ العُلَمَاءُ عَنِ الأَوْصِيَاءِ عَنِ الأَنْبِيَاءِ فِي أَمْرِهِمَا. قَالُوا: فَكَانَ المَأْمُونُ يَقُولُ فِي خِلَافَتِهِ :(قَدْ كَانَ الرَّشيدُ سَمِعَ جَمِيعَ مَا جَرَى بَيْنَنَا مِنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَلِذَلِكَ قَالَ مَا قَالَ).
أَمَّا ابْنُ تَيْمِيَّةَ فَيَجِبُ أَنْ يُغَرِّدَ خَارِجَ السِّرْبِ، وَلَهُ رَأْيٌ آخَرُ كَعَادَتِهِ يَتَفَوَّهُ فِي جَنَابِ أَهْلِ البَيْتِ (ع) مَا يَظْهَرُ نِفَاقَهُ وَنَصْبَهُ الَّذِي يَخْتَبِئُ بِهِ، فَهَا هُوَ يَزْدَرِي حَقَّ وَفَضْلَ أَهْلِ البَيْتِ (ع) الَّذِينَ شَهِدَ لَهُمُ القَاصِي وَالدَّانِي بِالفَضْلِ وَالسُّؤْدَدِ فِي العِلْمِ وَالحِكْمَةِ وَالعَقْلِ وَالدِّينِ وَالوَرَعِ وَالإِمَامَةِ، فَهُوَ يَقُولُ فِي مِنْهَاجِ سُنَّتِهِ (2/476): لَا رَيْبَ أَنَّ مَا يَنْقُلُهُ الفُقَهَاءُ عَنْ مِثْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ هُوَ أَصَحُّ مِمَّا يَنْقُلُهُ الرَّوَافِضُ عَنْ مِثْلِ العَسْكَرِيَّيْنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الجَوَادِ وَأَمْثَالِهِمْ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَؤُلَاءِ أَعْلَمُ بِدِينِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْ أُولَئِكَ، فَمَنْ عَدَلَ عَنْ نَقْلِ الأَصْدَقِ عَنِ الأَعْلَمِ إِلَى نَقْلِ الأَكْذَبِ عَنْ المَرْجُوحِ كَانَ مُصَابًا فِي دِينِهِ أَوْ عَقْلِهِ أَوْ كِلَيْهِمَا. أه
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ مِنْهَاجِ سُنَّتِهِ (2/473): وَالوَاجِبُ عَلَى مِثْلِ العَسْكَرِيَّيْنِ وَأَمْثَالِهِمَا أَنْ يَتَعَلَّمُوا مِنْ الوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَمِنَ المَعْلُومِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الحُسَيْنِ وَأَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَابْنَهُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانُوا هُمُ العُلَمَاءَ الفُضَلَاءَ، وَأَنَّ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الإِثْنَيْ عَشَرَ لَمْ يُعْرَفْ عَنْهُ مِنَ العِلْمِ مَا عُرِفَ مِنْ هَؤُلَاءِ ...إِلَى آخِرِ سَخَافَاتِهِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الإِمَامُ الكَاظِمُ وَالرِّضَا وَالجَوَادُ وَالعَسْكَرِيَّانِ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ لَيْسُوا عُلَمَاءَ فُضَلَاءَ عِنْدَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ النَّاصِبِيِّ عَامَلَهُ اللهُ تَعَالَى بِعَدْلِهِ وَبِمَا يَسْتَحِقُّ.
وَدُمْتُم سَالِمِينَ.
اترك تعليق