تعليق على إشكال.

يوسف حمزة الأعاجيبي‏: لو جاء مهندسُ بناءٍ بعاملٍ يعلم منه أنه إذا بنى البيت فإنه سيسقط  على ساكنيه، أ ليس من حق الساكنين أن يحاسبوا المهندس ؛ لأنه المسؤول الأول عن السقوط ؟ أما مثالكم بأن زيداً يعلم بسقوط أحد البيوت، وهو لم يبنِه، إذن فهو فلا علاقة له بسقوطه ؛ لأنه غير مسؤول عن بنائه ، ومثالكم لقاعة الامتحان : لو علموا بأن زيداً اذا دخل الامتحان فإنه سيفعل الفوضى ، ويكون سبباً في رسوب كثير من الطلبة ، وليس لرسوبه وحده كما تزعمون ، فهنا لمدير القاعة الحق في منع ذلك الطالب من الدخول للقاعة . وكذلك الطلاب لهم الحق بالاعتراض على دخول هذا الطالب ؛ لأنه سيكون سبباً في رسوبهم . وشكراً. تعليق على موضوع (هَلِ العِلْمُ المُسْبَقُ لَهُ عِلَاقَةٌ بإِرَادَةِ الفَسَادِ؟): https://www.alrasd.net/replytoatheists/1363

: اللجنة العلمية

نشكر الأخ يوسف حمزة على تعليقه، ولكي يصبح الأمر معقولاً بالنسبة له فلا بد من مناقشة الأمثلة التي أوردها، مع أن المثال يقرِّب من جهة ويبعِّد من جهات أخرى، وكما قيل: إنّ الأمثال تُضرَب ولا تناقش، ولكنّ المثال أحياناً يكون هو التعبير المناسب للفكرة، وفي هذه الحالة يجب فهم المثال ضمن السياق الذي وضع فيه؛ لأن إخراج المثال عن السياق الذي وجد فيه يؤدي إلى تشويه المعنى الذي أراده المثال. ومن هنا لا بد من رسم مسار الإشكال من جديد، ثم ننظر للأمثلة المضروبة ضمن سياقها الطبيعي.

 الإشكال هو: إذا كان الله يعلم بأن زيداً سيفسد في الأرض ثم لم يمنعه من ذلك، فإن هذا يدل على أن الله أراد فساد زيد.

عناصر الإشكال:

يبتني الإشكال على عدة مُعطَيات

1- أن الله عالم بفساد زيد.

2- أن الله قادر على منعه من الفساد.

3- إذا لم يمنعه فهو مريد لفساد زيد.

يتضح من ذلك أن الإشكال يتحرك في البعد الأخلاقي، أي أن الذي يريد الفساد لا يكون متّصفاً بالأخلاق، ومن هنا كانت معالجتنا السابقة قائمة على كون الله حَكيم وعادل، لأن الحِكمة والعدالة هما المحدِّدان الأخلاقيان للفعل وليس العلم والقدرة، وإذا رجعنا لما قلناه سابقاً ستجد أننا قلنا: 

1- أشرنا إلى ضرورة فهم فلسفة خلق الإنسان في الحياة، وبذلك نكتشف الحِكمة من خلق الإنسان، ثُم العدالة التي ترعى تلك الحِكمة.

2- بيّنّا أن الحِكمة هي التي تحمِّل الإنسان مسؤولية أفعاله لأنه مخلوق مُريد.

3- على أساس تلك الحِكمة تصبح الدنيا دار امتحان؛ لأن سياق المثال هو التأكيد على الامتحان فقط، دون الكلام عن نوع الامتحان وشكله وطريقته، فلكل امتحان شكله الذي يناسبه.

4- فإذا ثبت أن الدنيا دار امتحان فإن الحِكمة والعدالة تقتضيانِ ألا يتدخل العالِم بالأمور في مجريات الامتحان حتى لو كان قادراً على التدخل؛ لأنه خلاف الحِكمة والعدالة.

هكذا كان التسلسل الطبيعي لما طرحناه سابقاً، ولكنّ الأخ قد اشتبه عليه الأمر من عدة جوانب:

1- ذكر الأخ مثالَ المهندس الذي جاء بالعامل، وهو يعلم بأن هذا العامل إذا بنى البيت فإنه سيسقط على ساكنيه، وهذا المثال بعيد.. 

أولاً: لأن المثال الذي ضربه غير واضح؛ لأنه لم يبيِّن السبب الذي جعل المهندس يقوم بذلك؟ فإنْ كان السبب يقتضي قتلهم والتخلص منهم فحينها لا يكون عمله منافياً للأخلاق لو كان سكان البيت من الأعداء المحاربين لوطنه ولدينه، أو يخططون لضرب قنبلة نووية تؤدي إلى تدمير الكرة الأرضية، فحينها يكون واجبه الأخلاقي هو التخلص منهم وبأي وسيلة، وإذا فعل ذلك فإنه يستحق التكريم والتقدير من الجميع.

 أما إذا كان عمله نتيجة إهمالٍ وعدم اكتراث بأرواح الناس، ولا حِكمة خلفه فحينها لا يكون معارضاً لكلامنا ولا مناسباً له. فكلامنا أن الله العالم القادر أوجد الإنسان في الدنيا حتى يمتحنه؛ ولأنه حكيم وعادل فإنه لا يتدخل في مجريات هذا الامتحان.

 ثانياً: المثال الذي ذكرناه يعالج موضوع علم الله المسبق وعلاقته بالفعل الذي يصدر من العبد، أما المثال الذي ذكره الأخ فإن له علاقة بالعالِم الذي يشارك بعلمه في الفعل، مثل الحاكم الظالم الذي يأمر السجين أن يقفز من قمة جبل، فهو يعلم بموته جراء السقوط من الجبل، ومع ذلك فإنه يريد منه ذلك، أما علم الله المسبَق بفعل الإنسان فإنه ليس له أي دخل في نفس وقوع الفعل؛ بل على العكس تماماً، حيث أمره بعدم الفعل، ونهاه عن ذلك، وحذّره منه، وأوعده بالعقاب إن هو فعل ذلك، فلا يكون حينها مريداً له حتى إن كان عالماً بوقوعه.

2- أما مثاله الآخر، وهو أن زيداً سوف يُحدِث الفوضى في قاعة الامتحان، فهو أيضاً بعيد ..

 أولاً: لأن السياق الذي وضعْنا فيه مثالَنا لم يتحدث عن نوع الامتحان ولا شكله، وإنما يتحدث فقط عن كون الدنيا دار امتحان، ومثال زيد الذي يُحدث الفوضى لا ينسجم مع الامتحان في قاعات الدراسة، والامتحان ليس له شكل وطريقة واحدة وإنما يختلف من امتحان إلى آخر، فمثلاً لو كان الامتحان قائماً أساساً على من يُحدث ضجة أكثر من الأخرى، فماذا تقول؟. 

ثانياً: حتى لو قبلنا بمثالك فهو خلاف الفرض؛ لأن فرضنا قائم على أن الدنيا دار امتحان وما يفعله زيد يمنع من حصول الامتحان، بالتالي يكون مخالفاً للفرض الذي فرضناه، وعدم تدخل الله لا يمنع من حصول الامتحان بل العكس هو الصحيح.  ودمتم سالمين.