خَبَرُ الآحَادِ هَلْ يُعَوَّلُ عَلَيهِ فِي إِثبَاتِ العَقِيدَةِ.

سَيفُ الدِّينِ/: السَّلَامُ عَلَيكُم .. نَشكُرُ جُهُودَكُم فِي خِدمَةِ الدِّينِ وَالمَذهَبِ، سُؤَالِي: لِمَاذَا لَا يعول عَلَى خَبَرِ الآحَادِ فِي العَقِيدَةِ؟ فَهَلِ المَسْأَلَةُ مُبتَنِيَةٌ عَلَى نُصُوصِ تَنهَى عَنْ ذَلِكَ أَو أَنَّ هُنَاكَ أَمرَاً آخَرَ لَمْ نَطَّلِعْ عَلَيهِ ؟

: اللجنة العلمية

الأَخُ سَيفُ الدِّينِ المُحْتَرَمُ:

السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ ٱللهِ وَبَرَكَاتُهُ:-

قَبلَ الجَوَابِ عَلَى سُؤالِكُم لَا بدَّ مِنْ مُقَدِّمِةٍ تَكُونُ مِفتَاحَاً؛ لِمَعرِفَةِ هَذَا الجَوَابِ، وَهَذِهِ المُقَدِّمَةُ تَبتَنِي عَلَى أَسَاسَينِ: 

الأَسَاسُ الأَوَّلُ: إِنَّ المَعرُوفً بَينَ أَهْلِ العِلمِ أَنَّ الدِّينَ الإِسْلَامِيَّ يَتَقَوَّمُ بِأَمرَينِ:

أَحَدُهُمَا: يُسَمَّى الأُصُولُ، والثَّانِي: يُسَمَّى الفُرُوعُ، والأُصُولُ كَمَا هُوَ مَعرُوفٌ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِأَدِلَّةً يَقِينِيَّةٍ جَازِمَةٍ، أَيْ أَنَّ المُكَلَّفَ يَجِبُ عَلَيهِ أَنْ يَعتَقِدً بِتِلكَ الأُصُولِ ٱعْتِقَادَاً جَازِمَاً لَا يَعتَرِيهِ رَيبٌ، ولًا شَكٌّ، فَمَثَلاً: عَلَى المُكَلَّفِ أَنْ يَعتَقِدَ ٱعْتِقَادَاً جَازِمًاً بأَنَّ ٱللهَ ﴿ﷻ﴾ مَوجُودٌ وَحَيٌّ، وَأَنْ يَعتَقِدَ بِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا ﴿ﷺ﴾ ٱعْتِقَادَاً جَازِمَاً، وَأَنْ يَعتَقِدَ بِالمَعَادِ ٱعْتِقَادَاً جَازِمَاً، وَهَكًذا الحَالُ فِي بَقِيَّةِ الأُمُورِ الَّتِي تُعَدُّ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ كَمَا لَا يَخفَى، وَأَمَّا إِذَا كَانَت المَسَائِلُ مِنْ فُرُوعِ الدِّينِ كَالصَّلًاةِ وَالصَّومِ وَالحَجِّ وَنَحوِهَا، فًلا يُشتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ٱعْتِقَادُنَا بِهَا عَنْ عِلمٍ وَيَقِينٍ، فَقَدْ تَثبُتُ هَذِهِ المَسَائِلُ الفَرعِيَّةُ بِالدَّلِيلِ اليَقِينيِّ، وَقَدْ تَثبُتُ بِالدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ.

الأَسَاسُ الثَّانِي: إِنَّ مِنْ جُملَةِ الأَدِلَّةِ المُوصِلَةِ إِلَى العِلمِ وَاليَقِينِ بِقَضِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ هِيَ الأَخبَارُ المُتَوَاتِرَةُ، أَو أَخبَارُ الآحَادِ المَحفَوفَةِ بِقَرَائِنَ قَطْعِيَّةٍ، وَأَمَّا إِذَا كَانَت الأَخْبَارُ غَيرَ مُتَوَاتِرَةٍ أَو كَانَت أَخْبَارُ آحادٍ لَكِنَّهَا غَيرُ مَحفُوفَةٍ بِقَرِينَةٍ قَطْعِيَّةٍ، فَهِيَ تفيد الظَّنَّ وليس العِلمُ كَمَا حُرِّرَ ذَلِكَ فِي عِلمِ أُصُولِ الفِقْهِ، وحِينَئِذٍ لَا يَثبُتُ بِهَا قَضِيَّةً مِنْ قَضَايًا أُصُولِ الدِّينِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ نَعتَقِدَ بِهَا عَنْ عِلمٍ وَيَقِينٍ كَمَا بَيَّنَّا أَعلًاهُ. فإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ تَعرِفُ أَنَّ مَقصُودَ العُلَمَاءِ بِخَبَرِ الآحَادِ الَّذِي لَا يُعَوَّلُ عَلَيهِ فِي العَقِيدَةِ، هُوَ ذَلِكَ الخَبَرُ الَّذِي يُفِيدُ الظَّنَّ، لَا العِلمَ وَاليَقِينَ. 

وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ