ما الدليل على أن الخالق لهذا العالم هو واحد؟
أولاً: انه لو كان الخالق له اثنين لزم أن يكون مركبين من شيئين اثنين:
أحدهما الشيء الذي اشتركا فيه وهو وجوب الوجود.
ثانيهما الشيء الذي به يتميز كل واحد منهما عن صاحبه ليكونا اثنين، والمركب مفعول يحتاج إلى فاعل والمحتاج إلى خالق لا يصلح أن يكون إلها خالقا، فلا جائز عقلا أن يكون الخالق اثنين بعد أن ثبت استغناء الخالق وقدمه وعدم احتياجه مطلقا.
ثانياً: أنه لو كان مع الخالق شريك فإما أن يكون أحدهما قادرا على أن يكتم شيئا عن شريكه أو غير قادر على ذلك، فان كان قادرا على ذلك جاز على شريكه الجهل والجاهل ناقص والناقص لا يكون إلها خالقا قديما معطيا وإن لم يكن قادرا على الكتمان كان عاجزا في نفسه والعاجز أيضا ناقص فلا يصلح أن يكون خالقا معطيا القدرة لغيره فإذا تسجل بطلان هذا، ثبت أنه واحد لا شريك له.
ثالثاً: أنه لو كان للخالق شريك لوجب أن يكون مماثلا له في العلم و القدرة و القدم و إذا كان كذلك جاز أن يريد أحدهما تحريك جسم و أراد الأخر تسكينه في الوقت نفسه و حينئذ إما أن نقول بجواز وقوع مرديهما بلا تدافع فيلزم أن يكون الجسم الواحد في الوقت الواحد ساكنا متحركا و بطلانه في غاية الوضوح لإستلزامه اجتماع النقيضين و هو محال عقلا و إما أن نقول لا يجوز أن يقع شيء من مراديهما وهو محال أيضا لإستلزامه الخلو على معنى خلو الجسم من الحركة و السكون وهو واضح الفساد و لأنه يلزم أن يكونا متساويين في القدرة و معه لا يمكن أن يكون فعل أحدهما أولى بالوجود من فعل شريكه لإستلزامه الترجيح بلا مرجح وهو باطل و في هذا أقوى دليل على فساد أفعالهما معا و إلى هذا أشار القرآن الكريم بقوله تعالى { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } / الأنبياء - 22 ، و إن قلنا بوقوع مراد أحدهما و امتناع الآخر فهو دليل على أن شريكه ضعيف ممنوع عاجز خارج عن وصف القدم فان من صفة القديم أن يكون قادرا لذاته لا يتعذر عليه ما يريد ولان وقوع مراد أحدهما يدلنا على رجحانه في قدرته على صاحبه إذ لو لم يكن أقدر منه لم يقع مراده دون مراد شريكه و هذا يكشف بوضوح عن ضعف صاحبه و عجزه من أن يوقع مراده و الخالق طبعا لا يكون ضعيفا عاجزا و إلى هذا أشار كتاب الله بقوله تعالى { إذن لذهب كل اله بما خلق و لعلا بعضهم على بعض }/ المؤمنون -91 ، لأن تعدد الآلهة يستلزم اختلافها و الاختلاف يؤدي الى الفساد و عدم الانتظام و يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ( لو كان معه اله لأتتك رسله ) فهذا القول يدل على أن منكر التوحيد يكون مدعيا من حيث كشف الأثر عن وجود المؤثر وذلك أن عدم إتيان الرسل من قبل اله آخر كاشف عن عدم وجود اله آخر فمدعي وجوده يحتاج إلى برهان و ضرورة العقل قاضية بعدمه و امتناعه فثبت أن الخالق واحد ، لا ثاني معه فان قيل إنما يقع التمانع بينها إذا أراد أحدهما ضد ما يريده الآخر، أما إذا كان لا يريد ضده فلا يقع بينهما تدافع فيقال فيه أن القادر لا يكون قادرا إلا إذا صح منه الشيء و صح منه ضده خاصة إذا كان قادرا لنفسه كما في المقام فانهما إذا كانا قادرين لأنفسهما صح أن يريد أحدهما ضد ما يريده الآخر فيقع بينهما ما ذكرناه و إن قالوا التمانع إنما يقع إذا لم يعلم كل منهما أن ما يريده الآخر حكمة إما إذا كانا عالمين بها فلا يقع بينهما تدافع فيقال لهم بان علم كل منهما أن ما يريده صاحبه حكمة لا يمنع من صحة إرادة ضده لأن عدم فعله لذلك شيء و صحة إرادته له شيء آخر فان كونه قادرا يعطي انه ممكن الوقوع و إن لم يفعل فيتحقق بذلك جواز التمانع و إمكان اجتماع الضدين في الوجود ، محال عن العقول .
رابعاً: لو كان خالق العالم اثنين لكانت بينهما فرجة وإذا كانت بينهما فرجة كان محتاجين إليهما وإلى حيز يفصل أحدهما عن الآخر والمحتاج ناقص والحيز سابق على صاحبه والناقص لا يكون إلها والمسبوق بغيره لا يكون خالقا، فلا يجوز أن يكون الخالق له اثنين.
خامساً: ان العقل حاكم بأن الخالق للعالم كله يجب أن يكون موصوفا بالكمال المطلق والكمال المطلق لا يليق الا بواحد لأن الشريك له نقصا عليه.
سادساً: أنه لو كان الخالق للعالم اثنين، لكانا غيرين وحقيقة الغيرين انهما اللذان يجوز وجود أحدهما وعدم وجود الآخر إما من حيث المكان والزمان أو على أي وجه كان ولسنا نعرف شيئين كهذين إلا قطعنا بأنهما غيران، وهذا مانع من أن يكون الخالق اثنين لان فيه جواز عدم أحدهما ومن جاز عليه العدم فليس بقديم وخالق العالم قديم لا يجوز عليه العدم فلا يجوز عقلا أن يكون الصانع له اثنين (1).
___________________
(1) ينظر: عقيدة المسلم، ص11-15.
اترك تعليق