هل نظرية داروين بديل عن الإيمان بالله؟
(8)يقول الملحدون: إنّنا عن طريق نظرية دارين تواصّلنا إلى الكثير من الحقائق فيها يرتبط بتطوّر الكون، فهذه النظريّة هي نظرية بديلة وصحيحة وعلميّة لنظريّة الإيمان بوجود الله، لأن الإيمان بوجود الله يجعلنا في مأزق حول كيف حديث الحياة؟ بينما النظرية الداروينيّة حلّت المشكلة، ومن ثمّ فإنّ الصدفة عملت مرة واحدة في وجود الكون من العدم، ثمّ تطوّرت الامور بشكل علميّ ودقيق.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
بكلام مختصر يمكننا أن نقول إن نظرية داروين لا تشكل أي تهديد لموضوع الإيمان بالله تعالى، ولا تقع في مقابل الفكرة القائلة بأن الكون له إله اوجده من العدم؛ لأن التطور في نظرية داروين يقع ضمن إطار المخلوق بعد خلقه وإيجاده، ومن هنا نظرية التطور يتم قبولها ضمن تأثير البيئة على الكائنات الحية ومدى قدرة تلك الكائنات على التكيف معها، وهذا المقدار من النظرية لا يتم رفضه أو التنكر عليه من قبل المؤمنين، وقد قامت هذه النظرية على مجموعة من البحوث العلمية التي تثبت تكيف كثير من الكائنات الحية بما يتناسب مع البيئة، مثلاً التغير الذي حدث في بعض مناقير الطيور بسبب تبدل نوع الغذاء الذي توفره الطبيعة لهذه الطيور، أو التبدلات التي حدثت في شكل بعض الأسماك وغير ذلك من الأمثلة، كل ذلك لا يصلح أن يكون تفسيراً لسبب الوجود أو أصل الحياة على هذا الكوكب، ويبدو أن الإشكالية الكبيرة التي تواجه هذه النظرية هو الإلحاد الذي عمل على افراغها عن محتوها العلمي من اجل توظيفها لخدمة مشروعه الغير علمي والغير عقلائي، ومع أنه لا وجود لأي صلة بين الإلحاد وبين نظرية التطور سوى كان في نسختها الداروينية أو سوى كان في نسختها الحديثة التي تم تطويرها، بل لا وجود لموضوع مشترك بين الإلحاد وبين تلك النظرية، فالإلحاد يؤمن بأن الكون وجد من العدم ولا يحتاج إلى علة أو سبب لوجوده، ونظرية التطور تقوم اساساً على أن التغير لا يحدث بدون علة أو سبب، ومن الأخطاء الواضحة التي تعمد الإلحاد ارتكابها هو تحميل نظرية داروين القول بأن التطور قد يحدث بين الأنواع، أي أن النوع يمكن أن يتطور فينقلب إلى نوع أخر، وهذا أمر مستبعد بحسب البحوث الحديثة لهذه النظرية، فالعصفور لا يمكن أن يتطور فيصبح قطاً، والسمكة تصبح فرساً، والقرد يصبح إنساناً، ولا وجود لشاهد واحد يثبت حدوث تطور في النوع، فالعصفور يتغير منقاره إلا أنه يظل عصفور، والاسماك تتشكل بأشكال أخرى إلا إنها تظل اسماك، والإنسان يمكن أن يتغير لونه أو حجمه إلا أنه لا يخرج عن كونه إنسان، ومن هنا فإن خرافة إن الإنسان والقرد يرجعان إلى جد واحد هو مجرد هراء فكري لا يمتلك شاهد علمي واحد على صحته. وعليه يمكننا القول إن الإلحاد يشكل خطر كبير على النظريات العلمية بوصفه توجه مؤدلج يعمل على افراغ النظريات العلمية من محتواها وتوظيفها من اجل خدمة أيدولوجياته الخاصة، أما الإيمان بالله فإنه يفسح المجال لكل الاكتشافات العلمية ويحرض العقل على التفكير في مخلوقات الله تعالى.
اما قوله: (فهذه النظريّة هي نظرية بديلة وصحيحة وعلميّة لنظريّة الإيمان بوجود الله) هي نظرية صحيحة فيما له علاقة بالتكيف البيئي للكائنات الحية، وليست صحيحة في الإضافات التي حاول الإلحاد تحميلها لها بدون أي مستند علمي، وعليه فإن النظرية لا تقع في قبال الإيمان حتى تصلح أن تكون بديلاً له.
وقوله: (لأن الإيمان بوجود الله يجعلنا في مأزق حول كيف حدثت الحياة؟ بينما النظرية الداروينيّة حلّت المشكلة) لا أفهم المأزق الذي أشار إليه صاحب الإشكال، هل يقصد أن النظرية بينت لنا كيف تعيش الكائنات الحية المختلفة وكيف تتأثر بالبيئة؟ أم هل يقصد بداية الحياة في الدنيا كيف حدثت؟ فإن كان الأول فإن الأديان لا علاقة لها بذلك وإنما الامر موكول إلى العلم، والعلم جهد إنساني يشترك فيه المؤمن والكافر، أما إذا كان يقصد الثاني فعند المؤمن بداية الحياة حدثت عندما أراد الله ذلك فخلق الإنسان وغيره من الكائنات الحية، وهذا تفسير منطقي ينسجم مع العقل الذي يقول لا يمكن أن تأتي الحياة من الفراغ وإنما لابد لها من مصدر كامل لا نقص فيه ولا حاجة، أما رؤية الإلحاد إلى الإنسان فإنها تبدأ منذ أن كان خلية واحدة في ماء آسن منذ ملايين السنين، ولا نعلم ولا يعلمون من أين أتت هذه الخلية وكيف حصلت على الحياة؟ وأن المادة الميتة كيف يمكنها أن تهب الحياة لغيرها؟ بل من أين أتت هذه المادة من الأساس؟ وعليه فإن الإلحاد هو جهل في جهل وظلام في ظلام ثم يقول إن الإلحاد اوجد لنا تفسيراً عن بداية الحياة؟؟!
اما قوله: (ومن ثمّ فإنّ الصدفة عملت مرة واحدة في وجود الكون من العدم، ثمّ تطوّرت الامور بشكل علميّ ودقيق.) فهو تناقض واضح فمرة يقدم النظرية كحل لموضوع الخلاف بين الإيمان والإلحاد، ومرة أخرى يرجع كل ذلك إلى الصدفة العدمية، وهذا دليل واضح بان نظرية داروين لم تحل إشكالية أصل الحياة ومن أين أتى الكون؟ ولذا لجاء مرة اخرى إلى الصدفة بوصفها بداية الحياة من لا شيء، ثم فيما بعد يستعين بنظرية داروين ليفسر تطور الحياة، وهذا خلط واضح وجهل متعمد لأن أصل الخلاف بين الإيمان والإلحاد لم يقع في كيف تطورت الحياة؟ وإنما الخلاف في بداية الحياة من أين جاءت ومن الذي اوجدها؟. وفي واقع الامر أن كلمة الصدفة هي التي تشكل المأزق الحقيقي للإلحاد، فلو كانت نظرية داروين تعالج أصل نشوء الحياة كما يدعي هذا المسكين فما هي الحاجة لاستخدام كلمة صدفة من جديد؟.
اترك تعليق