ما هيَ المُشتركاتُ بينَ الأديانِ الإبراهيميّة؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
الأديانُ السّماويّةُ مِن حيثُ كونها رسالةَ اللهِ سُبحانه للعبادِ تُعبّرُ بأجمعِها عن حقيقةٍ واحدةٍ، وهيَ الإيمانُ باللهِ وصرفُ العبادةِ لهُ وحدَه قالَ تعالى: (وَلَقَد بَعَثنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعبُدُوا اللَّهَ وَاجتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) ولا يمنعُ ذلكَ مِن وجودِ تشريعاتٍ خاصّةٍ تتناسبُ معَ كلِّ أمّةٍ بحسبِ ظرفِها الزمانيّ، قالَ تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلنَا مِنكُم شِرعَةً وَمِنهَاجًا) وعليهِ لا وجودَ لاختلافٍ بينَ الأديانِ السماويّةِ لا مِن حيثُ العقائد ولا مِن حيثُ القيم الكُبرى التي سعَت التشريعاتُ لتحقيقِها، ومِن هُنا كانَ الإيمانُ بالأنبياءِ والتصديقُ برسالاتِهم واجباً على جميعِ المُسلمينَ، ولا يعني ذلكَ أنَّ ما عليهِ اليهودُ والنّصارى اليوم هوَ تمامُ ما جاءَ بهِ موسى وعيسى (عليهم السّلام) فقد إنحرفَت تلكَ الدّياناتُ ووقعَ فيها التّحريفُ والتبديلُ، قالَ تعالى: (أَفَتَطمَعُونَ أَن يُؤمِنُوا لَكُم وَقَد كَانَ فَرِيقٌ مِّنهُم يَسمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُم يَعلَمُونَ)، وقالَ تعالى: (فَوَيلٌ لِّلَّذِينَ يَكتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيدِيهِم ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِن عِندِ اللَّهِ لِيَشتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَت أَيدِيهِم وَوَيلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكسِبُونَ)، وقالَ تعالى: (مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعنَا وَعَصَينَا وَاسمَع غَيرَ مُسمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلسِنَتِهِم وَطَعنًا فِي الدِّينِ) ولم يقِف التحريفُ عندَ حدودِ بعضِ التشريعاتِ وإنّما تعدّاها ليشملَ التحريفَ في عقيدةِ التّوحيد، قالَ تعالى: (وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيرٌ ابنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَولُهُم بِأَفوَاهِهِم ۖ يُضَاهِئُونَ قَولَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤفَكُونَ)، وقالَ تعالى: (لَّقَد كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِن إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّم يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ)، وقالَ تعالى: (إِذ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابنَ مَريَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَينِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَن أَقُولَ مَا لَيسَ لِي بِحَقٍّ).
وعلى ذلكَ لم يبقَ منَ المُشتركاتِ إلّا العناوينُ العامّةُ مثلَ الإيمانِ باللهِ واليومِ الآخرِ مُضافاً إلى مُسمّياتِ بعضِ العباداتِ مثلَ الصّلاةِ والزّكاة، وهناكَ إختلافٌ كبيرٌ في تلكَ العناوينِ معَ الإسلامِ سواءٌ كانَ في المُحتوى أو في التّفاصيل.
وقد يشيرُ بعضُ الباحثينَ إلى الوصايا العشرةِ التي جاءَت في التوراةِ على أنّها تمثّلُ مشتركاً مع الإسلامِ، والتي جاءَ ذكرُها في قولِه تعالى: (قُل تَعَالَوا أَتلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُم عَلَيكُم ۖ أَلَّا تُشرِكُوا بِهِ شَيئًا ۖ وَبِالوَالِدَينِ إِحسَانًا ۖ وَلَا تَقتُلُوا أَولَادَكُم مِّن إِملَاقٍ ۖ نَّحنُ نَرزُقُكُم وَإِيَّاهُم ۖ وَلَا تَقرَبُوا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ ۚ ذَٰلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ (151) وَلَا تَقرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ حَتَّىٰ يَبلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوفُوا الكَيلَ وَالمِيزَانَ بِالقِسطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفسًا إِلَّا وُسعَهَا ۖ وَإِذَا قُلتُم فَاعدِلُوا وَلَو كَانَ ذَا قُربَىٰ ۖ وَبِعَهدِ اللَّهِ أَوفُوا ۚ ذَٰلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ) إلّا أنَّ تلكَ المبادئَ تمثّلُ مُشتركاً أخلاقيّاً ليس فقط بينَ الأديانِ وإنّما بينَ البشرِ جميعاً بحُكمِ الفطرةِ الإنسانيّة، أمّا التوحيدُ وعدمُ الشّركِ باللهِ فقد وقعَ منهم ما يُنافي ذلكَ كما أشارَت الآياتُ التي سبقَت.
اترك تعليق