هل مذهبَ الشيعة هو مذهب سبّ الصحابة والطعن في عائشة؟
لا شكّ أنّ عقائدنا الأساسية سُنّةً وشيعة واحدة، فما موقفكم من العلماء الشيعة الذين يظهرونَ مذهبَ الشيعة على أنه سبّ الصحابة والطعن في عائشة وعدم أخوة السّني للشيعي ونحو ذلك مما قررتم بطلانهُ عندكم ؟ بارك الله فيكم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
منَ المؤكّدِ أنَّ هناكَ عقائد تشكّلُ أساسَ الإسلامِ وجوهرَه، مثلَ الإيمانِ باللهِ، واليومِ الآخرِ، والملائكةِ، والرّسلِ، مُضافاً للإلتزامِ بما جاءَ في القرآنِ والأحاديثِ مِن أحكامٍ وتشريعات، فمَن شهدَ أن لا إلهَ إلّا اللهُ محمّدٌ رسولُ الله والتزمَ بتعاليمِ الإسلامِ يُعدُّ مُسلِماً يجبُ إحترامُه ويُحرّمُ تحقيرُه وتوهينُه، وعلى ذلكَ فإنَّ المبدأ الذي يحكمُ علاقةَ المسلمينَ معَ بعضِهم البعضَ هو كونُهم ينتمونَ إلى دينٍ واحد، أمّا الخلافاتُ المذهبيّةُ فهيَ محكومةٌ بالبحثِ العلميّ والنّقاشِ الموضوعيّ بوصفِها موضوعاتٍ إجتهاديّة، ومنَ المعلومِ أنَّ الأمورَ الإجتهاديّةَ تظلُّ مُحترمةً طالما تحرّكَت في إطارِ المناهجِ العلميّةِ والضوابطِ العقلائيّةِ، وما نشهدُه مِن مُشاحناٍت وخصوماتٍ في ساحةِ الحوارِ الشيعيّ السنّي، مخالفٌ للحِكمةِ والموعظةِ الحسنة كمبدأٍ أقرّهُ الإسلامُ للدّعوةِ إلى سبيلِه، فالخلافُ حولَ الصّحابةِ مهما إتّسعَ لا يستتبعُ كلَّ هذهِ الخصومةِ إذا إلتزمَ الطّرفانِ بأخلاقيّاتِ الحوارِ وضوابطِه العلميّة، فحقيقةُ الخلافِ في ما يتعلّقُ ببعضِ الصّحابةِ وبعضِ زوجاتِ النبيّ يقعُ ضمنَ دائرةِ الإجتهادِ في الموضوعاتِ الخارجيّة، أي أنّهُ لا خلافَ بينَهما على أنَّ حُكمَ المُنافقِ هو اللّعنُ، إلّا أنّهم إختلفوا في تمييزِ بعضِ الصّحابةِ وتحديدِ المؤمنِ منهُم منَ المُنافق، ولحسمِ هذا الأمرِ يجبُ فتحُ بابِ البحثِ التاريخيّ والتّحقيقُ في أحوالِهم للوقوفِ على سيرتِهم بكلِّ حياديّةٍ وموضوعيّةٍ، وعليهِ مِن حقِّ الشيعةِ على السنّةِ أن لا يمنعوهم منَ البحثِ التاريخيّ والتحقيقِ العلمي حولَ سيرةِ الصّحابةِ وبيانِ ما عليهِ واقعُ حالِهم، ومِن حقِّ السنّةِ على الشيعةِ أن لا يحقّروا رموزَهم ولا يسيئوا إليهم بسبِّ مَن يعتقدونَ بقداستِهم، وهذا ما أفتى به مُعظمُ مراجعِ الشّيعةِ وعلمائِهم، حيثُ يقولُ آيةُ اللهِ العُظمى، السيّدُ علي السّيستاني: سبُّ الصّحابةِ مُستنكرٌ ومدانٌ ويخالفُ ما أمرَ بهِ أهلُ البيتِ (عليهم السّلام)، ويقولُ آيةُ اللهِ العُظمى الشيخُ مكارم شيرازي: لا يجوزُ شرعاً توجيهُ أيّ إهانةٍ لمُقدّساتِ الآخرين. ويقولُ آيةُ اللهِ العُظمى، الشيخُ وحيد خراساني: يجبُ ألّا نُعادي أتباعَ المذاهبِ الأخرى، يجبُ ألّا نُسيءَ إلى مقدّساتِهم، ولا يجوزُ لعنُ وسبُّ رموزِهم، لأنَّ هذا يؤدّي إلى إبتعادِهم عَن أهلِ البيتِ ومعارفِهم. ويبدو أنَّ هناكَ إجماعاً بينَ الفُقهاءِ والعُلماءِ على ذلكَ، ومَن شذَّ عَن هذا الإجماعِ لا يُمثّلُ إلّا نفسَه ولا يجوزُ الدّفاعُ عنهُ وتبريرُ فعلِه، وعليهِ فإنَّ موقفَ الإسلامِ وطريقةَ العُقلاءِ تقضي بضرورةِ البحثِ العلميّ والتّحقيقِ التاريخي مِن غيرِ أن يستتبعَ ذلكَ إساءةٌ وتوهينٌ لمقدّساتِ الآخرين.
اترك تعليق