هل صحّ أنَّ أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) ندم بعد حرب الجمل؟

السؤال: هل صحّ أنَّ أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) ندم بعد حرب الجمل؟ بناءً على ما روي أنّه لمّا رأى يوم الجمل كثرة الدماء قال لابنه الحسن: يا بني هلكت)؟

: السيد علي المشعشعي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

يشير الأخ السائل إلى الرواية التي رواها الكشـيّ في: (معرفة الرجال ص697). لمّا قال: وجدت في كتاب أبي محمّد جبرئيل بن أحمد الفاريابيّ بخطّه حدّثني محمّد بن عيسى، عن محمّد بن الفضيل الكوفيّ، عن عبد الله بن عبد الرحمان عن الهيثم بن واقد، عن ميمون بن عبد الله قال: أتى قوم أبا عبد الله عليه السلام يسألونه الحديث من الأمصار، وأنا عنده، فقال لي: أتعرف أحدا من القوم؟ قلت: لا فقال: كيف دخلوا عليّ؟ قلت: هؤلاء قوم يطلبون الحديث من كلّ وجه، لا يبالون ممّن أخذوا، فقال لرجل منهم: هل سمعت من غيري من الحديث؟ قال: نعم قال: فحدّثني ببعض ما سمعت. قال: إنّما جئت لأسمع منك، لم أجيء أحدّثك، وقال للآخر: ذلك ما يمنعه أن يحدّثني ما سمع؟ قال: تتفضّل أن تحدّثني بما سمعت، أجعل الذي حدّثك حديثه أمانة لا أتحدّث به أبدا؟ قال: لا قال: فأسمعنا بعض ما اقتبست من العلم حتّى نعتدّ بك إن شاء الله قال: حدّثني سفيان الثوريّ، عن جعفر بن محمّد عليه السلام قال: النبيذ كلّه حلال إلّا الخمر، ثمّ سكت فقال أبو عبد الله عليه السلام: زدنا قال: حدّثني سفيان عمّن حدّثه عن محمّد بن عليّ عليه السلام أنّه قال: من لم يمسح على خفّيه فهو صاحب بدعة، ومن لم يشرب النبيذ فهو مبتدع، ومن لم يأكل الجريث وطعام أهل الذمّة وذبايحهم فهو ضالّ أمّا النبيذ فقد شربه عمر نبيذ زبيب فرشحه بالماء، وأمّا المسح على الخفّين فقد مسح عمر على الخفّين ثلاثا في السفر، ويوما وليلة في الحضر، وأمّا الذبائح فقد أكلها عليّ عليه السلام وقال: كلوها، فإنّ الله تعالى يقول: "اليوم أحلّ لكم الطيّبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لكم وطعامكم حلّ لهم" ثمّ سكت. فقال أبو عبد الله عليه السلام: زدنا .. قال: حدّثنا عباد، عن جعفر بن محمّد أنّه قال: لما رأى عليّ بن أبي طالب عليه السلام يوم الجمل كثرة الدماء، قال لابنه الحسن: يا بني هلكت قال له الحسن: يا أبت أليس قد نهيتك عن هذا الخروج؟ فقال عليّ عليه السلام: يا بني لم أدرِ أنّ الامر يبلغ هذا المبلغ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: زدنا.

قال -ميمون بن عبد الله-: فضاق بي البيت وعرقت، وكدت أن أخرج من مسكي فأردت أن أقوم إليه فأتوطّأه ثمّ ذكرت غمز أبي عبد الله (عليه السلام) فكففت فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): من أيّ البلاد أنت؟ قال الرجل: من أهل البصرة قال (عليه السلام): هذا الذي تحدّث عنه وتذكر اسمه جعفر بن محمّد تعرفه؟ قال الرجل: لا.

قال (عليه السلام): فهل سمعت منه شيئا قطّ؟ قال الرجل: لا، قال(عليه السلام): فهده الأحاديث عندك حقّ؟ قال الرجل: نعم، قال (عليه السلام): فمتى سمعتها؟ قال الرجل: لا أحفظ قال: إلّا أنّها أحاديث أهل مصرنا، منذ دهرنا لا يمترون فيها.

قال له أبو عبد الله (عليه السلام): لو رأيت هذا الرجل الذي تحدّث عنه فقال لك هذه التي ترويها عنّي كذب، وقال: لا أعرفها ولم أحدّث بها، هل كنت تصدّقه؟

قال الرجل: لا. قال (عليه السلام): لِمَ؟ قال الرجل: لأنّه شهد على قوله رجال لو شهد أحدهم على عتق رجل لجاز قوله، فقال (عليه السلام): اكتب بسم الله الرحمن الرحيم حدّثني أبي، عن جدّي، قال الرجل: ما اسمك؟ قال (عليه السلام): ما تسأل عن اسمي إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: "خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام، ثمّ أسكنها الهواء، فما تعارف منها ثمّ ائتلف ههنا، وما تناكر ثمّ اختلف ههنا، ومن كذب علينا أهل البيت حشره الله يوم القيامة أعمى يهوديّا وإن أدرك الدجّال آمن به، وإن لم يدركه آمن به في قبره"، يا غلام ضع لي ماءً وغمزني وقال (عليه السلام): لا تبرح، وقام القوم فانصرفوا، وقد كتبوا الحديث الذي سمعوا منه.

ثمّ إنّه خرج ووجهه منقبض فقال: أما سمعت ما يحدّث به هؤلاء؟

قلت: أصلحك الله ما هؤلاء، وما حديثهم؟

قال (عليه السلام) أعجب حديثهم كان عندي الكذب عليّ والحكاية عنّي، ما لم أقل ولم يسمعه عنّي أحد، وقولهم: لو أنكر الأحاديث ما صدّقناه! ما لهؤلاء لا أمهل الله لهم، ولا أملى لهم ثمّ قال لنا: إنّ عليّا عليه السلام لما أراد الخروج من البصرة قال على أطرافها ثمّ قال: لعنك الله يا أنتن الأرض ترابا، وأسرعها خرابا، وأشدّها عذابا، فيك الداء الدوي، قيل: ما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: كلام القدر الذي فيه الفرية على الله، وبغضنا أهل البيت، وفيه سخط الله، وسخط نبيّه صلّى الله عليه وآله وكذبهم علينا أهل البيت، واستحلالهم الكذب علينا”. انتهى

فهذا هو الخبر بفصّه ونصّه، وهو باطلٌ من حيث الإسناد والمتن، فأمّا من حيث الإسناد، ففيه:

1- محمّد بن الفضيل الكوفيّ الأزديّ، ضعيف رمي بالغلوّ [ينظر معجم رجال الحديث ج18ص116 رقم الترجمة: (11591).

2- عبد الله بن عبد الرحمان الأصمّ البصريّ ضعيف غال، ليس بشيء، وله كتاب في الزيارات يدلّ على خبث عظيم ومذهب متهافت، وكان من كذّابة أهل البصرة [ينظر خلاصة الأقوال ج1ص349 رقم الترجمة: (22).

3- الهيثم بن واقد الجزريّ لم يتعرّض له الكشيّ، وأمّا النجاشيّ فلم يذكر فيه التوثيق، [ينظر معجم رجال الحديث ج20ص266 رقم الترجمة: (13433).

4- ميمون بن عبد الله: مجهول [ينظر المفيد من معجم الرجال الحديث ص3038].

وأمّا من حيث المتن، فإنّ رأي أمير المؤمنين (عليه السلام) في أهل الجمل وصفين كان معروفا وبيانه، وفيما يلي أذكر بعض الشواهد:

1- أمره النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بالبراءة منهم قال (عليه السلام) : (وأمرني أن أبرأ من الناكثين وهم أصحاب الجمل، ومن القاسطين وهم أصحاب الشام، ومن الخوارج وهم أهل النهروان..) [اختيار معرفة الرجال ص278].

2- أمره النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بقتالهم وذلك «عهد النبيُّ (صلّى الله عليه وآله)، لعليّ وقال: لا بدّ من أن تقاتل الناكثين وهُم أهل البصرة، والقاسطين وهُم أهل الشام، والمارقين وهُم أهل النهروان. فقاتلهم عليٌّ (عليه السلام) جميعاً» [دلائل الإمامة: ص٢٦٠ ح١٩١-٢٧].

وفي رواية عنه (عليه السلام) قال: (أمرني بقتال ثلاثة, الناكثين والقاسطين والمارقين, فقد قاتلت الناكثين والقاسطين وأنا مقاتل إن شاء الله المارقين بالسعفات بالطرقات بالنهروانات [وما أدري أين هو] ؟ (كفاية الطالب ص169).

3- ذمّه (عليه السلام) لهم كما في خطبة له (عليه السلام) حين بلغه خبر الناكثين وفيها يذمّ عملهم و يلزمهم دم عثمان ويتهدّدهم بالحرب‏ قال: (فَإِنْ أَبَوْا أَعْطَيْتُهُمْ حَدَّ السَّيْفِ وَكَفَى بِهِ شَافِياً مِنَ الْبَاطِلِ وَنَاصِراً لِلْحَقِّ وَمِنَ الْعَجَبِ بَعْثُهُمْ [بَعْثَتُهُمْ‏] إِلَيَّ أَنْ أَبْرُزَ لِلطِّعَانِ وَأَنْ أَصْبِرَ لِلْجِلَادِ هَبِلَتْهُمُ الْهَبُولُ لَقَدْ كُنْتُ وَمَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ وَلَا أُرْهَبُ بِالضَّرْبِ وَإِنِّي لَعَلَى يَقِينٍ مِنْ رَبِّي وَ غَيْرِ شُبْهَةٍ مِنْ دِينِي [نهج البلاغة ج 1 ص 21].

وفي خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) بعد معركة الجمل: قال: (... لو كانت عائشة طلبت حقّاً وأهانت باطلاً لكان لها في بيتها مأوى وما فرض الله عليها الجهاد وأنّ أوّل خطئها في نفسها وما كانت والله على القوم إلّا أشأم من ناقة الحجر وما أزداد عدوّكم بما صنع الله إلّا حقداً وما زاداهم الشيطان إلّا طغياناً ولقد جاؤوا مبطلين وأدبروا ظالمين..)

ومن كتاب لأمير المؤمنين (عليه السلام) إلى قرضة بن كعب وأهل الكوفة قال: (ولاذ أهل البصرة بعائشة فقتل حولها عالم جمّ لا يحصي عددهم إلّا الله، ثمّ ضرب الله وجه بقيّتهم فأدبروا فما كانت ناقة الحجر بأشام منها على أهل ذاك المصر مع ما جاءت به من الحوب الكبير في معصيتها ربّها ونبيّها واغترار من اغترّ بها وما صنعته من التفرقة بين المؤمنين وسفك دماء المسلمين بلا بيّنة ولا معذرة ولا حجّة لها.[أنظر كتاب الجمل للشيخ المفيد ص 403].

ومن كلام لأمير المؤمنين (عليه السلام) في ذمّ أهل صفّين (جفاة طغام، وعبيد أقزام. جمعوا من كلّ أوب، وتلقطوا من كلّ شوب .. [نهج البلاغة ج ٢ ص٢٣٠]

ومن خطبة لأمير المؤمنين (عليه السّلام) : " لما غلب أصحاب معاوية أصحابه عليه السّلام على الشريعة : قد استطعموكم القتال ، فأقرّوا على مذلّة وتأخير محلّة أو رووا السيوف من الدماء ترووا من الماء فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين ، ألَا وإنّ معاوية قاد لمّة من الغواة وعمس عليهم الخير ، حتّى جعلوا نحورهم أغراض المنيّة "[ نهج البلاغة ص 88].

فإذا عرفت ذلك، فأعلم أنّه لا يمكن لأمير المؤمنين (عليه السلام) أنْ يندم على قتاله الناكثين والقاسطين وقد أمره النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بالبراءة منهم وقتالهم وبذلك يتّضح كذب ما نُسب للإمام عليّ (عليه السلام). ونكتفي بهذا القدر والحمد لله أوّلاً وآخرا.