هَلْ صِفاتُ اللهِ مُخالِفَةٌ لِلعلمِ؟
يَقولُ المُلحِدونَ: كَيفَ نُؤمِنُ بالإلهِ ونَحنُ نَرى أنَّ الأوصافَ الّتي يُطلقُها المُؤمنونَ على هذا الإلهِ تَتناقَضُ معَ حَقائقِ ومُسلَّماتِ العِلمِ؟! فمَثلاً حينَما نَسألُهم عنْ مَكانِ وجودِ هذا الإلِهِ المُتخيَّلِ يُجيبونَ وبِكلِّ بَساطةٍ: لا يُمكِنُ تَحديدُ مَكانِهِ، لأنَّهُ هوَ خارجُ الزّمانِ والمكانِ. انظروا إلى هذهِ الإجابَةِ الّتي تتَناقَضُ مع العِلمِ، إذ كيفَ يمكِنُ أنْ يوجدَ شيءٌ خارجَ الزَّمانِ والمكانِ ونحنُ نَعلمُ أنَّ الزمانَ والمكانَ حاكمانِ على كلِّ الوجودِ؟
يُوحي هذا السُّؤالُ بأنَّ الإلحادَ يَستَندُ في إنكارِهِ للهِ على تَناقُضِ الصِّفاتِ الإلهيَّةِ معَ العِلمِ، وهذهِ ليسَتْ مُجرَّدَ مُغالطَةٍ وإنّما مُخادَعَةٌ ماكِرَةٌ؛ لأنَّ الكَلامَ عنِ الصِّفاتِ يأتي مُتأخِّراً عنِ الكَلامِ في أصلِ وجودهِ، والإلحادُ يَستبِقُ البَحثَ عنِ الصِّفَةِ بالبَحثِ عنِ الوجودِ، وبالتّالي فَالإلحادُ مَوقِفٌ سابِقٌ لِلحديثِ عنِ الصِّفاتِ، ولسانُ حالِ المُلحدِ عِندَما يتَحدَّثُ المؤمنُ مَعهُ في الصِّفات هو :(ثَبِّتِ العَرشَ ثمَّ انقُشْ عَليهِ)، وعَليهِ فإنَّ طَبيعةَ الخِلافِ بَينَ المُلحدِ والمُؤمنِ تتَحرَّكُ في دائرةِ السُّؤالِ هلْ لِلكونِ صانِعٌ أمْ لا؟. فإنْ كانتِ الإجابَةُ بِنَعَم يَأتي البَحثُ عن الصِّفَةِ وهلْ هِيَ تَنسجِمُ معَ العِلمِ أم لا؟ وحينَها يُصبِحُ المُلحِدُ مُطالبَاً أيضاً بأنْ يصِفَ اللهَ الّذي أثبتَهُ بِما لا يتَنافى معَ العلمِ، أمّا إذا أصَرَّ المُلحِدُ على نَفيّ وجودِ اللهِ فَحينَها لا يُمكِنُ أن يَكونَ المُبرِّرُ لإلحادهِ هوَ تَنافي الصِّفَةِ معَ العِلمِ.
وسُؤالهُ عنْ مَكانِ وجودِ اللهِ يَكشِفُ عنْ تَشويشٍ وإضطِرابٍ في طَريقةِ تَفكيرهِ ومُستوى فَهمِهِ، لِكَونِ صِفاتِ اللهِ شيءٌ والسُّؤالُ عنْ مَكانِهِ شَيءٌ آخرُ لا عِلاقةَ لهُ بالصِّفة، فإذا سَألنا مَثَلاً عنْ صِفاتِ فُلانٍ مِنَ النّاسِ لا يُمكنُ أن تكونَ الإجابَةُ بِتحديدِ مَكانِ وجودهِ، ومِنَ الواضِحِ أنَّ البَحثَ عنِ المَكانِ لهُ عِلاقَةٌ بِطَبيعةِ الشَّيءِ، فإنْ كانَ الشَّيءُ يَنتمي إلى عالمِ المادَّةِ فإنَّ المَكانيَّةَ ليسَتْ صِفةً له وإنَّما منْ لَوازمهِ الذّاتيةِ، وبِمعنى آخرَ أنَّ كلَّ شَيءٍ في عالمِ الخَلقِ مَحكومٌ بِعاملِ الزَّمانِ والمَكانِ، وكلُّ شيءٍ مَحكومٌ بالزَّمانِ والمَكانِ لابُدَّ أنْ يكونَ حادِثاً لمْ يَكنْ ثمَّ كان، وإذا ثَبتَ ذلكَ لا بُدَّ أنْ يكونَ الصّانعُ الَّذي أوجدَ هذا الكونَ ليسَ منْ طَبيعةِ الكَونِ؛ إذ لو كانَ مِنْ طَبيعتهِ لَكانَ هوَ أيضاً مَكانيَّاً وزَمانيّاً وحينَها لا يَصُحُّ أنْ يَكونَ إلهاً، وهكذا لا بُدَّ أنْ يَكونَ الخالِقُ خارجٌ عنِ المَخلوقاتِ وبالتّالي خارِجٌ عنِ الزَّمانِ والمَكانِ، وما وَقعَ فيهِ السّائلُ منْ مُغالطَةٍ هو البَحثُ عن إلهٍ مِنْ سنخِ المَخلوقاتِ وهذا لا يَكونُ إلهاً وإنَّما مَخلوق.
والبَحثُ في هذا الأمرِ مِنْ إهتماماتِ العَقلِ وليسَ مِنْ إهتماماتِ التَّجربَةِ الحِسِّيَّةِ، لأنَّ الكَلامَ عن إثباتِ وجودِ إلهٍ أو نَفْيِهِ مِنَ المَباحِثِ الفلسفيَّةِ الّتي تَعتمِدُ على البُرهانِ العَقليّ، والبَحثِ العِلميّ مِنَ الأساسِ لا يَتحرَّكُ في هذهِ الدّائرةِ الفَلسفيَّةِ، أو كَما يُقالُ خارِجٌ تَخَصُّصاً عنْ دائِرَةِ المُختبراتِ العِلميَّة، وبالتّالي مُحاكمَةُ النَّتائجِ الفَلسفيَّةِ بِمعاييرِ المُختبَرِ مُحاكمَةٌ تَحتوي على رُعونَةٍ لا يَقَعُ فيها إلّا مَغرور.
اترك تعليق