حولَ زواجِ عمرَ بنِ الخطّابِ مِن أمِّ كلثومٍ
مروان/: قبلَ مدّةٍ ليسَتْ ببعيدةٍ بثَّتْ قناةُ (وصالٍ) مُناظرةً بينَ رافضيٍّ وسنّيٍّ وكانَ الموضوعُ هَل عمرُ رضيَ اللهُ عنهُ تزوّجَ أمَّ كلثومٍ رضيَ اللهُ عنها، فخرجَ الرّافضيُّ بنظريّةٍ عجيبةٍ وهيَ أنَّ العقدَ وقعَ لكنَّ الدّخولَ لم يقَعْ!
الأخُ مروانٌ المحترمُ، السّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ
هذا الزّواجُ محلُّ كلامٍ وأخذٍ وردٍّ بينَ المؤرّخينَ والباحثينَ، وتوجدُ فيهِ ثمانيةُ أقوالٍ على التّوالِي:
1- القولُ الأوّلُ: عدمُ وقوعِ التّزويجِ بينَ عمرَ وأمِّ كلثومٍ.
وقد ذهبَ إلى هذا الرّأيّ الشّيخُ المفيدُ (ت 413) فِي المسائلِ السّروريّةِ (المسألةُ العاشرةُ)، وكذا في المسائلِ العكبريّةِ (المسألةُ الخامسةَ عشرَ)، ولهُ رسالةٌ بهذا الصّددِ طُبعَتْ على انفصالٍ ضِمنَ منشوراتِ مؤتمرِ الشّيخِ المفيدِ.
هذا، وقد كذّبَ خبرَ التّزويجِ عُلماءُ آخرونَ كالسّيّدِ مير ناصر حسين اللّكهنوي الهِندي في كتابهِ (إفحامُ الأعداءِ والخصومِ بتكذيبِ ما افترَوهُ على سيّدتنَا أُمِّ كلثومٍ)، والشّيخِ محمّد جواد البَلاغي فِي كتابه (تزويجُ أُمّ كلثومٍ بنتِ أميرِ المؤمنينَ وإنكارُ وقوعهِ)، وغيرهُم.
2- القولُ الثّانِي: وقوعُ التّزويجِ ولكِنْ عَن إكراهٍ.
مُستدلّينَ بنصوصٍ متعدّدةٍ، ذَكروهَا فِي كُتبهِم. وقَد ذهبَ إلى هذا الرّأي السّيّدُ المُرتضى (ت 436) في كتابهِ الشّافِي، وتنزيهِ الأنبياءِ، والمجموعةِ الثّالثةِ مِن رسائلهِ.
3- القولُ الثّالثُ: إنَّ المتزوَّجَ منهَا لم تكُنْ إبنةَ الإمامِ عليٍّ (عليهِ السّلامُ) بَل كانَت رَبيبتَهُ.
وهيَ إبنةُ أسماءَ بنتِ عميسٍ زوجةِ الإمامِ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ، أي أنّهَا ابنةُ أبي بكرٍ، واُختُ محمّدٍ بنِ أبِي بكرٍ، وبذلكَ تكونُ أُمُّ كلثومٍ ربيبةَ الإمامِ عليٍّ وليسَتِ إبنتهُ.
انظُر هذا الكلامَ عندَ الشـّيخِ النّقـديّ فِي الأنوارِ العلويّةِ: 426.
قالَ السّيّدُ شهابُ الدّينِ المَرعشي فِي تعليقاتهِ على إحقاقِ الحقِّ: ثمَ ليُعلمَ أنَّ أُمَّ كلثـومٍ التي تزوّجهَا الثّانِي كانَت بنتَ أسماءَ وأختَ محمّدٍ هذا، فهيَ ربيبةُ مولانا أميرِ المؤمنينَ ولم تكُن بنتهُ، كمَا هوَ المشهورُ بينَ المؤرّخينَ والمحدّثينَ، وقَد حقّقنَا ذلكَ، وقامتِ الشّواهدُ التّاريخيّةُ في ذلكَ، واشتبهَ الأمرُ على الكثيرِ منَ الفريقينِ، وإنِّي بعدَ مَا ثبتَ وتحقّقَ لديَّ أنَّ الأمرَ كانَ كذلكَ، إستوحشتُ التّصريحَ بهِ فِي كتاباتِي; لزعمِ التّفرّدِ في هذا الشّـأنِ، إلى أن وقفـتُ على تأليفٍ فِي هذهِ المسألةِ للعلاّمةِ المُجاهدِ السّيّدِ ناصر حسين الموسويّ الكـنوي أبانَ عَنِ الحقِّ وأسفرَ وسمَّى كتابهُ (إفحامُ الخصومِ في نفي تـزويجِ أُمّ كلثوم).
4-القولُ الرّابعُ: إنَّ الإمامَ عليَّاً زوّجَ عمرَ بنَ الخطّابِ جنيَّةً تشبهُ أمَّ كلثومٍ.
وهذا القولُ ضعيفٌ وإن رَواهُ القطبُ الرّاوندي (ت 573) في كتابهِ (الخرائجُ والجرائحُ)، وحجّهُ وقوّاهُ الشّيخُ عبدُ النّبيّ الجزائري فِي كتابهِ "المبسوطُ في الإمامةِ".
ويستندُ قائلوهُ إلى أنَّ للنّـبيِّ والإمـامِ سلطـةً على الجـنِّ بإذنِ اللهِ، كمَا كانَ لسـليمانَ (عليهِ السّلامُ) سلطةً عليهِـم، وأنَّ وقـوعَ الشّـبهِ ليسَ ببعيدٍ، فقد شُـبِّهَ على الظّـلمةِ عيسَـى بنُ مريمَ بيهـوذا فقُتِلَ وصُلِبَ.
5- القولُ الخامِسُ: إنكارُ وجودِ بنتٍ للإمامِ عليٍّ (عليهِ السّلامُ) اسمُهَا أمُّ كلثومٍ.
وأصحابُ هذا القولِ يقولونَ أنَّ "أُمُّ كلثومٍ" هوَ كنيةٌ لزينبَ الصّغرى أو الكُبْرى أو لرقيّةَ، أمَّا وجودُ بنتٍ اسمُهَا: أُمُّ كلثومٍ، فلم يُعرَفْ عندَ المحقّقينَ، إذ لو كانَ ذلكَ لعُرفَ تاريخُ ولادتِهَا، ومكانُ دفنهَا، وبمَا أنَّ الأخبارَ خاليةٌ مِن ذلكَ، فإنَّ هذا يشيرُ إلى التّشكيكِ في وجودِهَا.
وقَد ذهبَ إلى هذا الرّأيّ جمعٌ منَ العامّةِ والشّيعةِ.
6- القولُ السّادسِ: إنَّ للإمامِ عليٍّ بنتينِ باسمِ أمِّ كلثومٍ، إحداهُمَا مِن فاطمةَ، والأخرى مِن أمِّ ولَدٍ.
وقَد ذهـبَ إلى هذا الرّأيِّ بعضُ أعلامِ العامّةِ والشّيعةِ.
7- القولُ السّابعُ: تزويجُهَا مِن عمرَ، لكنَّ عُمرَ ماتَ ولم يدخُلْ بهَا.
وإلى هذا ذهبَ بعضُ أعلامِ الشّيعةِ وبعضُ العامّةِ. فقَد قالَ النّوبختيُّ ـ مِن أعلامِ القرنِ الثّالثِ الهجريّ ـ مِنَ الشّيعةِ الإماميّةِ فِي كتابهِ "الإمامةُ": أُمُّ كلثومٍ كانَت صغيرةً وماتَ عنهَا عمرُ قبلَ أن يدخلَ بهَا.
8- القولُ الثّامنُ: وهوَ المشهورُ عندَ العامّةِ وملخَّصـهُ أنَّ عمرَ تـزوّجَ أمَّ كلثومٍ ودخلَ بهَا وأولدهَا زيداً ورقيّةَ.
هذهِ هيَ الأقوالُ الثّمانيةُ فِي هذا الزّواجِ (اللّغزِ) على حدِّ تعبيرِ السّيّدِ عليٍّ الشّهرستانيّ فِي كتابهِ القيِّمِ (زواجُ أمِّ كلثومٍ) يمكِنُ مراجعتُهَا فِي الكتابِ المذكورِ ومتابعةُ التّحقيقِ فيهَا وترجيحُ أيّ الأقوالِ منهَا.
ودُمتُم سالِمينَ.
اترك تعليق