هَل هناكَ بشرٌ قبلَ آدمَ؟
موسى الموسويّ /: هلِ الإنسانُ القديمُ المعروفُ بكرمانيون ونيادرتال وغيرهِم، خُلِقَ قبلَ آدمَ (عليهِ السّلامُ) أم بعدهُ؟ وإن كانَ بعدهُ فلماذا نُسبَ اكتشافُ النّارِ للإنسانِ القديمِ بينمَا كانَ أولادُ آدمَ هابيلَ وقابيلَ يقدّمونَ الأضاحِي على النّارِ كقربانٍ للهِ (عزَّ وجلَّ) وهذا دليلٌ لوجودِ النّارِ؟
كلُّ مَا هوَ متوفّرٌ مِن معلوماتٍ عنِ الإنسانِ مَا قبلَ آدمَ لا تكفِي لتكوينِ رؤيةٍ علميّةٍ متكاملةٍ، وإنّمَا هيَ مجرّدُ تصوّراتٍ تنقصُهَا الوثائقُ القطعيّةُ، فقَد جاءَ فِي الموسوعةِ العربيّةِ: اُكتشفَتْ أحافيرُ زعمُوا أنّهَا لأناسٍ منقرضينَ كإنسانِ ـ بكّينَ و إنسانِ جاوه و إنسانِ نياندرتال، وإنسانِ بلتداون ـ وغيرهَا، وكلّهَا تدلُّ على أنَّ الإنسانَ القديمَ كانَ أقلَّ رُقِيّاً مِنَ الإنسانِ المُعاصرِ، وهكذا الحالُ لجميعِ الكائناتِ، إذ تدلُّ الأحافيرُ ـ في رأي التّطوّريّينَ ـ على أنّهَا تطوّرتْ مِن كائناتٍ أقلَّ رُقيّاً، ولكِن تبيّنَ بعدَ التّدقيقِ فِي تلكَ الأحافيرِ أنَّ الوثائقَ التي جُمعَتْ فِي هذا المجالِ لم تكُنْ كافيةً ولا دقيقةً، ويعترفُ داروين نفسهُ بهذا حينَ يقولُ: على الرّغمِ مِن أهميّةِ الأحافيرِ دليلاً على حدوثِ التّطوّرِ، فإنَّ السّجلَّ الجيولوجيّ أشبهُ مَا يكونُ بكتابٍ فُقِدَتْ بعضُ صفحاتهِ ولم يبقَ منهُ سِوى صفحاتٍ قليلةٍ مُتناثرةٍ، وفِي تلكَ الصّفحاتِ الباقيةِ لم يبقَ إلّا كلماتٌ قليلةٌ فِي كلِّ صفحةٍ.
ويقولُ الأستاذُ هارون يحيى في كتابِ التّضحيةِ عندَ الحيوانِ: سمَّى الدّارويّنيونَ الجدَّ الأعلى للإنسانِ باسمِ قردِ الجنوبِ، وفِي الحقيقةِ لم تكُنْ هذهِ المخلوقاتُ إلّا نوعاً منَ القرودِ المُنقرضةِ، وثبتَ ذلكَ علميّاً عَن طريقِ الأبحاثِ التي أجراهَا باحثانِ مشهورانِ فِي علمِ التّشريحِ وهُمَا الأميركيُّ تشارلس أوكسنارد والبريطانيّ اللّورد سوللي زوكرمان، وأثبتَا أنَّ هذا النّوعَ مِنَ الكائناتِ الحيّةِ لا يمُتُّ بأيّةِ صلةٍ للإنسانِ.
وعليهِ هُناكَ خلافٌ كبيرٌ بينَ العلماءِ المُناصرينَ للتّطوّرِ أنفسهِم، حيثُ لم يُجمِعُوا على رؤيةٍ واحدةٍ تؤكّدُ وجودَ إنسانٍ بدائيٍّ قبلَ الإنسانِ الحاليِّ، فالنّظريّةُ الخاصّةُ بنشوءِ الإنسانِ مِن مخلوقٍ نصفهُ قردٌ ونصفهُ الآخرُ إنسانٌ مَا هيَ إلّا نظرةٌ خياليّةٌ مستندةٌ إلى نوعٍ مِنَ الدّعايةِ المُضلّلةِ لجعلِها صحيحةً فِي دُنيا العلمِ ولكنَّ الحقيقةَ أنَّ هذهِ النّظريّةَ لا تستندُ إلى أيِّ دليلٍ علميٍّ يثبتُ صحّتهَا أو صحّةَ فرضيّتهَا.
وقَد توصَّلَ لهذهِ الحقيقةِ ـ اللّورد سوللي زاكرمان ـ الذي أجرَى أبحاثاً على مُتحجّراتِ ـ أوسترالوبيثيكوس ـ ولمدّةِ خمسَ عشرَ سنةً، وهذا الباحثُ يُعتبَرُ مِن أشهرِ عُلماءِ المتحجّراتِ فِي بريطانيا في نظريّةِ التّطوّرِ فبالرّغمِ مِن إيمانهِ بنظريّةِ التّطوّرِ اعترفَ بعدَ أبحاثهِ بأنّهُ لا توجدُ سلسلةٌ تطوّريّةٌ تمتدُّ مِنَ الكائناتِ الشّبيهةِ بالقرودِ إلى إنسانِنا الحاليّ.
ولابُدَّ مِنَ الإشارةِ إلى أنَّ وجودَ إنسانٍ قبلَ آدمَ لا يُثبتُ نظريّةَ التّطوّرِ، فقَد يكونُ هناكَ بشرٌ قبلَ آدمَ فِي هذهِ الأرضِ وهُم خلقٌ للهِ كمَا خلقَ اللهُ آدمَ، وقَد جاءَتْ في بعضِ الرّواياتِ إشارةٌ إلى ذلكَ كمَا فِي روايةِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السّلامُ): (إنَّ اللهَ خلقَ ألفَ آدمَ قبلَ آدمكُم ........)، ومعَ وجودِ مثلِ هذهِ الرّواياتِ لا يتمكّنُ الباحثُ منَ الوصولِ إلى نتيجةٍ قطعيّةٍ، فهوَ مِنَ الأمورِ الغيبيّةِ التي لا يصلُ فيهَا الإنسانُ إلى اليقينِ إلّا بعدَ تضافرِ الأدلّةِ وظهورِهَا بشكلٍ واضحٍ لا لَبسَ فيهِ.
أمّا اكتشافُ النّارِ ونسبتهُ للإنسانِ القديمِ فلا علاقةَ لهُ بنظريّةِ التّطوّرِ، فالكلامُ التّاريخيُّ عَن اكتشافِ النّارِ إنّمَا لهُ علاقةٌ بصناعةِ الإنسانِ للنّارِ، فهَل كانَ ذلكَ عَن طريقِ ضربِ الحجارةِ بعضِها ببعضٍ؟ أم عَن طريقِ فركِ الأعوادِ حتَّى تشتعلَ؟ ولا علاقةَ لهُ بمعرفةِ الإنسانِ بنفسِ النّارِ لأنّهَا معروفةٌ بوصفِها جزءاً منَ الطّبيعةِ فالبراكينُ ومَا فيهَا مِن حممٍ قديمةٌ بقدمِ الأرضِ.
اترك تعليق