كيفَ يمنعُ عليٌّ (ع) رسولَ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ) مِن كتابةِ وصيّتهِ ويرميهِ بالهذيانِ حاشاهمَا؟!
فريد الحكيم/ عليُّ بنُ أبي طالبٍ يرضَى بقولِ عمرَ بنِ الخطّابِ لذلكَ لم يأتِ بكتابٍ ليكتبَ فيهِ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ.
سيرةُ أميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ ووضعهُ الطّبيعيّ واشتهارُ طاعتهِ المطلقةِ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ تمنعُ مِن هذا الفرضِ وتعدمُ هذا الإحتمالَ ولو على سبيلِ الفرضِ والخيالِ.
بالإضافةِ إلى عدمِ وجودِ أيّ دليلٍ على حضورِ أميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ معهُم حينهَا.
إضافةً إلى عدمِ ذكرِ كلِّ مَن شرحَ الحديثَ اسمَ عليٍّ عليهِ السّلامُ فيمَن كانَ هناكَ ومِن بابِ أولى فيمَن وافقَ عمرَ في قولهِ واتّهامهِ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ بالهجرِ والهذيانِ.
بالإضافةِ إلى نصِّ الحديثِ على اختلافِ مَن كانَ حاضراً إلى فريقينِ؛ منهُم مَن وافقَ عمرَ ومنهُم مَن ردَّ عليهِ بشدّةٍ وقوّةٍ حتّى حصلَ الاختلافُ واللّغطُ ومِن ثمَّ الطّردُ مِن حضرتهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ.
ثمَّ إنَّ مَا سيوصِي بهِ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ بشكلٍ واضحٍ وأكيدٍ إنّمَا هوَ الوصيّةُ بإمامةِ أميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ على الأمّةِ وخلافتهِ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ بشكلٍ مكتوبٍ بعدَ أن بلّغَ ذلكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ لأمّتهِ لعدّةِ مرّاتٍ ولسنواتٍ طويلةٍ.
حتّى أنَّ هذا الأمرَ كانَ مشهوراً بعدَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ مثلَ:
مَا رواهُ البخاريّ (3/ 186) ومسلمٌ (5/ 75): (عنِ الأسودِ قالَ ذكرُوا عندَ عائشةَ أنَّ عليّاً كانَ وصيّاً فقالَت متَى أوصَى إليهِ وقَد كنتُ مسندتهُ إلى صدري أو قالَت حِجري فدعَا بالطّستِ فلقَد انخنثَ فِي حِجري فمَا شعرتُ أنّهُ قَد ماتَ فمتى أوصَى إليهِ).
وفِي هذا النّصِّ فائدتانِ: الأولى أنَّ عائشةَ لم ترفُضْ مبدأ الوصيّةِ ولم تردَّ على السّائلِ بأنّهُ يهوديٌّ أو متأثّرٌ باليهودِ خصوصاً أنّهُ لا يعقلُ أن يسألهَا عَن ذلكَ مثلُ ابنِ سبأ أو مَن تأثّرَ بهِ.
والثّانيةُ أنَّ عائشةَ أنكرتِ الوصيّةَ عَن طريقِ إنكارهَا كونَ عليٍّ وصيّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ لأنّهُ لم يكُن آخرَ النّاسِ عهداً برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وهذهِ مُغالطةٌ مِنها حيثُ يمكنُ جعلهُ وصيّاً قبلَ ذلكَ، هذا مِن جهةٍ ومِن جهةٍ أخرى إنَّ عليّاً فِعلاً كانَ آخرَ النّاسِ عهداً بهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ كمَا روَتْ ذلكَ أمُّ المؤمنينَ أمُّ سلمةَ حيثُ قالَت (كمَا رواهُ أحمدُ وأبو يعلى والطّبرانيّ باختصارٍ كمَا قالَ الهيثميُّ فِي مجمعِ زوائدهِ (9/112) وقالَ: ورجالهُم رجالُ الصّحيحِ غيرَ أمِّ موسَى وهيَ ثقةٌ):
(والذي أحلفُ بهِ إن كانَ عليٌّ لأقربُ النّاسِ عهداً برسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ قالَت: عُدنا رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ غداةً بعدَ غداةٍ يقولُ: جاءَ عليٌّ مراراً قالَت وأظنّهُ كانَ بعثهُ في حاجةٍ قالَت فجاءَ بعدُ فظننتُ أنَّ لهُ إليهِ حاجةٌ فخرجنَا منَ البيتِ فقعدنَا عندَ البيتِ وكنتُ مِن أدناهُم إلى البابِ فأكبَّ عليهِ عليٌّ فجعلَ يسارّهُ ويناجيهِ ثمَّ قُبِضَ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ مِن يومهِ ذلكَ وكانَ أقربَ النّاسِ بهِ عهداً).
وهناكَ صحابيٌّ آخرُ كعائشةَ حاولَ إخفاءَ وإنكارَ أمرِ الوصيّةِ كمَا روى البخاريُّ ومسلمٌ ذلكَ قبلَ حديثِ عائشةَ السّابقِ عَن طلحةَ بنِ مصرفٍ قالَ: سألتُ ابنَ أبي أوفى: هَل كانَ النّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلّمَ أوصَى؟! فقالَ: لا، فقلتُ: كيفَ كتبَ على النّاسِ الوصيّةَ أو أُمِرُوا بالوصيّةِ؟ قالَ: أوصَى بكتابِ اللهِ!
وأكّدَ هذهِ الحقيقةَ وقُتِلَ صبراً لأجلِهَا الصّحابيُّ الجليلُ وراهبُ الصّحابةِ حجرٌ بنُ عديٍّ حيثُ روى إبنُ كثيرٍ الأمويّ المتعصّبُ تلميذُ ابنِ تيميّةَ فِي تاريخهِ البدايةُ والنّهايةُ (8/ 56) قولهُ:
(إنَّ هذا الأمرَ لا يصلحُ إلّا فِي آلِ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ).
وكمَا أكّدهُ اللهُ فِي كتابهِ بقولهِ تعالى: (إنّمَا أنتَ منذرٌ ولكلِّ قومٍ هادٍ). وقالَ ابنُ عبّاسٍ فِي تفسيرِ هذهِ الآيةِ: (لمَّا أنزلَت وضعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ يدهُ على صدرهِ وقالَ: أنَا المنذرُ وأومأ إلى عليٍّ وقالَ: وأنتَ الهادِي، بكَ يهتدِي المهتدونَ بعدِي). وحسّنهُ الحافظُ ابنُ حجرٍ بعدَ أن نقلهُ عنِ الطّبريّ وكذلكَ قالَ الهيثميّ فِي المجمع (7/ 41): رجالُ المسندِ ثقاتٌ، ورواهُ الحاكمُ فِي المستدركِ وصحّحهُ (3/ 130).
فتبيّنَ أنّهُ لا محيصَ عَن كونِ الوصيّةِ تخصُّ أمرَ ولايةِ عليٍّ عليهِ السّلامُ على الأمّةِ بعدَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وبذلكَ يتبيّنُ خرافةُ القولِ أو الإحتمالُ بأنَّ عليّاً منعَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ مِن كتابةِ الوصيّةِ لهُ واتّهمهُ بالهجرِ والهذيانِ والعياذُ باللهِ معَ أنَّ اللهَ تعالى أذهبَ عنهُ الرّجسَ وطهّرهُ تطهيراً وجعلهُ نفسَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ.
ونختمُ بقولِنا: إنَّ ابنَ عبّاسٍ حبرُ الأمّةٍ وترجمانُ القرآنِ إنّمَا هوَ تلميذٌ نجيبٌ لأميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ فكيفَ يلتزمُ خدمتهُ وولايتهُ وهوَ يعلمُ أنّهُ صاحبُ الرّزيّةِ أو شريكٌ فيهَا وماذا كانَ يقصدُ أصلاً بقولهِ وبكائهِ على تلكَ الرّزيّةِ والمُصيبةِ التي يسبُّ بهَا مَن حالَ بينَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وكتابتهِ الوصيّةَ والتي لو كتبهَا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ لمَا بكَى مِن حسرتِها ابنُ عبّاسٍ على ما جرى مِن دونِ كتابتهَا وهذا دليلٌ قاطعٌ على حزنِ ابنِ عبّاسٍ على عدمِ كتابةِ الوصيّةِ وعتَبهِ بَل رزيّتهِ على مَن منعَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ مِن كتابةِ تلكَ الوصيّةِ لحصولِ الفسادِ والضّلالِ فلو كانتِ الوصيّةُ فِي أبي بكرٍ فأبو بكرٍ لم يختلِفْ أحدٌ معهُ فِي خلافتهِ سواءٌ عَن اختيارٍ أو اضّطرارٍ ولم يحدثْ مَن خالفَ شيئاً يذكر حتّى يستدعِي بكاءَ ابنِ عبّاسٍ على ما جرى ومَا حُرمتِ الأمّةُ مِن وصيّةِ نبيّهَا صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ لهَا وتأمينهَا منَ الضّلالِ إلّا لوِ افترضنَا الوصيّةَ لعليٍّ عليهِ السّلامُ التي لم تحصُلْ خلافتهُ المباشرةُ بعدَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ بسببِ تلكَ الرزيّةِ فحصلَ مَا لا تحمَدُ عقباهُ ومَا أبكى ابنَ عبّاسٍ وجعَلهُ يصفُ ذلكَ المنعَ مِن كتابةِ الوصيّةِ التي لن تضلَّ الأمّةُ مِن بعدهَا بالرّزيّةِ والمُصيبةِ وكفكفتهِ لتلكَ الدّموعِ الغاليةِ مِن حبرِ الأمّةِ وعالمِها وتلميذِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وأميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ.
اترك تعليق