هلِ اللهُ قادرٌ على أنْ يخلُقَ مِثلهُ؟
الحقوقيّ أحمدُ الكناني سؤالٌ هلِ اللهُ سبحانَهُ وتعالى قادرٌ على خلقِ إلهٍ مثلِهِ أو أقوى منهُ؟
لابُدَّ مِنَ التّأكيدِ أوّلاً على أنَّ اللهَ تعالى قادرٌ على كُلِّ شيءٍ؛ فكلُّ مَا هوَ دونَهُ سُبحانهُ وتعالى عِبادهُ وخلقهُ فتقُهَا ورتقُهَا بيدهِ بدؤهَا منهُ وعودُهَا إليهِ، إلَّا أنَّ الخلطَ الذي يتعمّدهُ الجاحدونَ هوَ في التّلاعبِ بطبيعةِ الشّيءِ الذي تتعلّقُ بهِ القُدرةُ، فاللهُ سُبحانهُ قادرٌ على أن يخلُقَ كلَّ شيءٍ من دونِ إستثناءٍ، إلّا أنَّ ما نقصدُهُ هوَ الشّيءُ المَسبوقُ بالعدمِ والقابلِ للخلقِ في نفسهِ، فالموجودُ إمّا أنْ يكونَ واجِباً للوجودِ بذاتهِ، وإمّا أن يكونَ مُمكنَ الوجودِ بذاتهِ، وإمّا مُستحيلَ الوجودِ بذاتهِ. واللهُ سبحانهُ وتعالى لا يُوصفُ بإيجادِ نفسهِ وإعدامِهَا فهوَ لا يُخلَقُ ولا يُعدَمُ؛ لأنَّ وجودهُ مِن ذاتهِ لذاتهِ لا مِن سببٍ خارجٍ عنهُ، وهوَ معنَى قولهِ تعالى: (هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡأٓخِرُ) (الحديدُ ٣)، أي ليسَ قبلهُ شيءٌ ولا بعدَهُ شيءٌ، وهذا بخلافِ مُمكنِ الوجودِ الذي يتساوى فيهِ طرفا الوجودِ والعدمِ، ولا يمكنُهُ الخروجُ مِن هذا الطّورِ إلى مرحلةِ الوجودِ والتّحقّقِ إلّا إذا تعلّقَتْ بهِ إرادةٌ خارجةٌ عَن ذاتِهِ وطبيعتِهِ، وبالتّالي عندمَا نقولُ إنَّ اللهَ قادرٌ على كلِّ شيءٍ إنّما نقصدُ قادرٌ على كلِّ المُمكِناتِ، فكُلُّ ما هوَ مُمكنٌ في نفسهِ فهوَ محكومٌ بقُدرتهِ تعالى، أمّا المُستحيلُ لذاتهِ فهوَ ليسَ بشيءٍ حتّى تتعلّقَ بهِ القُدرةُ، وإذا صحَّ أنْ يُقالَ لهُ شيءٌ فإنّما يصحُّ للإعتبارِ الذّهنيّ ليسَ إلّا، كمَا يُقالُ للعدمِ شيءٌ وهوَ عدمٌ، وبذلكَ نكتشفُ حجمَ المُغالطةِ التي يُروّجُ لهَا البعضُ، فبدلَ أن ينسِبُوا العجزَ للشّيءِ المُستحيلِ ينسبوهُ للقُدرةِ، معَ أنَّ العجزَ ليسَ في القُدرةِ وإنّما العجزُ في المُتعلّقِ، فمثلاً لا يُقالُ في حقِّ اللهِ تعالى إنّهُ يخلقُ ذاتَهُ أو يخلقُ مثلَهُ؛ لأنَّ الخلقَ هوَ إيجادُ الشّيءِ منَ العدمِ، واللهُ تعالى لَم يسبِق وجودَهُ عدمٌ، كمَا أنَّ الذي يقبلُ الخلقةَ مُفتقرٌ في وجودِهِ إلى سببٍ مؤثّرٍ فيهِ خارجٍ عَن ذاتهِ، وما كانَ يسبقهُ العدمُ ويقبلُ الخلقةَ لا يكونُ مثلَ اللهِ سبحانَهُ ولا أَقْوَى منهُ أبدًا، أي أنَّ كلَّ ما هوَ مخلوقٌ مهمَا كانَ قدرهُ ومهمَا كانَت تسميتهُ فهوَ مسبوقٌ بالعدمِ ومُفتقرٌ لغيرهِ وهذا لا يكونُ إلهاً، الأمرُ الذي يدلُّ على الخطأِ في تركيبةِ السّؤالِ، فالذي يكونُ مخلوقاً لا يكونُ إلهاً وبالتّالي لا يصحُّ السّؤالُ عَن قُدرةِ اللهِ على خلقِ مثلهِ، إذ كيفَ تتحقّقُ المِثليّةُ وهوَ مخلوقٌ؟وفي المُحصّلةِ أنَّ قُدرةَ اللهِ تعالى لا تتعلَّقُ بالمُستحيلاتِ؛ لأنَّ المُستحيلَ والمَعدومَ ليسَ بشيءٍ ولا وجودَ لهُ حتّى يكونَ مَشمولًا بقولهِ تعالى: ﴿وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرُۢ) ( ١٢٠ المائدةُ). وقَد وُجّهَ مثلُ هذا السّؤالِ إلى الإمامِ عليٍّ (عليهِ السّلامُ) فقيلَ لهُ: هَل يقدرُ ربّكَ أن يُدخلَ الدّنيا في بيضةٍ، مِن غيرِ أن تصغُرَ الدّنيا أو تكبُرَ البيضةُ؟ قالَ: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لا يُنسَبُ إلى العجزِ، والذي سألتَنِي لا يكونُ) .
اترك تعليق