ماذا فعلَ عليٌّ (عليهِ السّلامُ) عندمَا جاءَ للحُكمِ هَل خالفَ المُتقدّمينَ عليهِ أم سارَ على منهجِهِم؟!
راشِد المغربي/: هَل غيّرَ شيئاً عليٌّ رضيَ اللهُ عنهُ عندما أصبحَ خليفةً مِن منهجِ الخُلفاءِ الذينَ سبقوهُ أم إستمرَّ على منهجهِم وقُرآنهِم مثلاً ردَّ فدكاً أو أخرجَ القُرآنَ الذي أخفاهُ عنهُم أو منعَ التّراويحَ أو جاءَ بأمرٍ جديدٍ لَم يكُنْ موجوداً في عهدِهِم؟؟؟
السّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُلا يَخفى عليكُم أنَّ أميرَ المؤمنينَ عليّاً (عليهِ السّلامُ) رفضَ العملَ بسيرةِ الشّيخينِ عندمَا عَرضُوا عليهِ الخلافةَ بعدَ مقتلِ عُمرَ، فقَد رَوى أحمدُ في مُسندهِ: عَن أبي وائلٍ، قالَ: قلتُ لعبدِ الرّحمنِ بنِ عوفٍ : كيفَ بايعتُم عُثمانَ وتركتُم عليّاً ، قالَ : ما ذنبي قَد بدأتُ بعليٍّ ، فقلتُ : أبايعكَ على كتابِ اللهِ وسُنّةِ رسولهِ وسيرةِ أبي بكرٍ وعُمر، قالَ : فقالَ فيما إستطعتُ ، قالَ : ثمَّ عرضتُهَا على عُثمانَ فقبِلَهَا [ مسندُ أحمدَ 1: 75]وفي تاريخِ إبنِ كثيرٍ : فأخذَ عبدُ الرّحمنِ بيدهِ ( أي يدُ عليٍّ عليهِ السّلامُ)، فقالَ : هَل أنتَ مُبايعي على كتابِ اللهِ وسُنّةِ نبيّهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ) وفعلِ أبي بكرٍ وعُمرَ ، قالَ : اللّهمَّ لا ولكِنْ على جهدي مِن ذلكَ وطاقتِي ، قالَ : فأرسلَ يدهُ ، وقالَ : قُم إليّ : يا عُثمانُ ، فأخذَ بيدهِ ، فقالَ : هَل أنتَ مُبايعي على كتابِ اللهِ وسُنّةِ نبيّهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ) وفعلِ أبي بكرٍ وعُمرَ ، قالَ : اللّهمَّ نعَم [ البدايةُ والنّهايةُ 10: 212]وفي تاريخِ الطّبريّ : فقالَ عبدُ الرّحمنِ : إنّي قَد نظرتُ وشاورتُ فلا تجعلنَّ أيّهَا الرّهطُ على أنفسِكُم سبيلاً ودَعا عليّاً ، فقالَ : عليكَ عهدُ اللهِ وميثاقُهُ لتعملنَّ بكتابِ اللهِ وسُنّةِ رسولهِ وسيرةِ الخليفتينِ مِن بعدهِ ، قالَ : أرجو أن أفعلَ وأعملَ بمبلغِ علمِي وطاقتِي ، ودعا عُثمانَ ، فقالَ لهُ مثلَ ما قالَ لعليٍّ ، قالَ : نعَم فبايعَهُ ، فقالَ عليٌّ : حبوتهُ حبوَ دهرٍ ليسَ هذا أوّلَ يومٍ تظاهرتُم فيهِ علينا فصبرٌ جميلٌ واللهُ المستعانُ على ما تصفونَ [ تاريخُ الطّبريّ 4: 233]فهذهِ النّصوصُ صريحةٌ في رفضهِ عليهِ السّلامُ العملَ بسيرةِ الشّيخينِ وما أدخلاهُ مِنَ البدعِ في الدّينِ كصلاةِ التّراويحِ وغيرِهَا .. يبقى الكلامُ لِماذا لَم يُغيِّرْ ما أحدثَهُ القومُ مِن أمورٍ ليسَت مِنَ الدّينِ ؟جوابهُ : أمّا صلاةُ التّراويحِ ، فقَد جاءَ في " الكافي " بسندٍ مُعتبرٍ مِن خُطبةِ أميرِ المُؤمنينَ (عليهِ السّلامُ ) في تأسّفهِ على بعضِ ما حدثَ بعدَ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ) : (واللهِ لقَد أمرتُ النّاسَ أن لا يجتمعُوا في شهرِ رمضانَ إلّا في فريضةٍ وأعلمتُهُم أنَّ إجتماعَهُم في النّوافلِ بدعةٌ فتنادى بعضُ أهلِ عسكري مِمَّن يُقاتلُ معي: يا أهلَ الاسلامِ غُيّرَتْ سُنّةُ عُمَر يَنهانا عنِ الصّلاةِ في شهرِ رمضانَ تطوّعاً ولقَد خِفتُ أن يثوروا في ناحيةٍ جانبَ عسكري مَا لقيتُ مِن هذهِ الأمّةِ منَ الفُرقةِ وطاعةِ أئمّةِ الضّلالةِ والدّعاةِ إلى النّارِ) . [ الكافِي 8 : 63]هذهِ الخُطبةُ صحّحها المُحقّقُ البحرانيّ في " الحدائقِ النّاضرةِ " ج11 ص 85 ، والنّراقيّ في " مُستندِ الشّيعةِ " ج8 ص 14 ، وحسّنهَا السّيّدُ الخُوئيُّ كمَا في تقريراتِ الصّلاةِ ، ص 27. ورَوى الشّيخُ الطّوسيُّ (قُدّسَ سِرّهُ ) بسَندٍ موثّقٍ عَن عمارٍ عَن أبي عبدِ اللهِ عليهِ السّلامُ قالَ : سألتهُ عَنِ الصّلاةِ في رمضانَ في المساجدِ قالَ : لمَّا قدمَ أميرُ المُؤمنينَ عليهِ السّلامُ الكوفةَ أمرَ الحسنَ بنَ عليٍّ عليهِ السّلامُ أن يُنادي في النّاسِ لا صلاةَ في شهرِ رمضانَ في المساجدِ جماعةً ، فنادى في النّاسِ الحسنُ بنُ عليٍّ عليهِ السّلامُ بمَا أمرهُ بهِ أميرُ المُؤمنينَ عليهِ السّلامُ فلمَّا سمعَ النّاسُ مقالةَ الحسنِ بنِ عليٍّ صاحُوا : واعمراهُ واعمراهُ فلمَّا رجعَ الحسنُ إلى أميرِ المُؤمنينَ عليهِ السّلامُ قالَ لهُ : ما هذا الصّوتُ ؟ فقالَ : يا أميرَ المُؤمنينَ النّاسُ يصيحونَ : واعُمراهُ واعمراهُ ، فقالَ أميرُ المُؤمنينَ عليهِ السّلامُ : قُل لهُم صلّوا . إنتهَىقالَ الشّيخُ الطّوسيُّ: فكانَ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ أيضاً لمّا أنكرَ أنكرَ الإجتماعَ ولَم يُنكِر نفسَ الصّلاةِ ، فلمّا رأى أنَّ الأمرَ يفسدُ عليهِ ويفتتنُ النّاسَ أجازَ وأمرَهُم بالصّلاةِ على عادتِهِم فكلُّ هذا واضحٌ بحمدِ اللهِ . [ تهذيبُ الأحكامِ 3: 70 ، وانظُر توثيقَ الرّوايةِ في : الحدائقِ النّاضرةِ 10 : 522، وجواهرَ الكلامِ 13 : 141 ]هذا وقَد شهدَ الشّوكانيُّ في كتابهِ " نيلُ الأوطارِ " ج3 ص 516 بأنَّ العترةَ - وعليّاً عليهِ السّلامُ سيّدُ العترةِ - يقولونَ ببدعيّةِ صلاةِ التّراويحِ .يبقَى السّؤالُ هُنا : هَل يجوزُ للحاكمِ أن يُبقيَ النّاسَ على أمرٍ ما - وإن كانَ خلافَ الحقِّ - إذا خشيَ الفتنةَ ؟!الجوابُ : يجوزُ لهُ ذلكَ ، طبقاً للقاعدةِ المعروفةِ في التّزاحمِ بينَ الأهمِّ والمُهمِّ ، فالمُهمُّ هوَ تطبيقُ الحقِّ ولكنَّ الأهمَّ هوَ حفظُ النّظامِ العامِّ وعدمُ تعريضِ أمنِ الدّولةِ للخطرِ بسببِ قضيّةٍ جُزئيّةٍ ، وهذا ما فعلهُ النّبيُّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ ) في مواقفَ كثيرةٍ ، نذكرُ مِنهَا: أخرجَ البُخاريُّ في صحيحهِ بسندهِ ، عنِ الأسودِ بنِ يزيدَ ، عَن عائشةَ ، قالَت : ( سألتُ النّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ ، عنِ الجدرِ [ المُرادُ بهِ حجرُ الكعبةِ الشّريفةِ ] أمنَ البيتِ هوَ ؟ قالَ: نعَم . فقلتُ : فمَا لهُم لَم يُدخِلوهُ في البيتِ ؟ قالَ : إنَّ قومكِ قَصُرَتْ بهِمُ النّفقةُ . قلتُ : فما شأنُ بابهِ مُرتفعاً ؟ قالَ : فعلَ ذلكَ قومُكِ ليُدخلُوا مَن شاءُوا ويمنَعُوا مَن شاءُوا ، ولولا أنَّ قومكِ حديثُ عهدٍ بالجاهليّةِ فأخافُ أن تُنكرَ قلوبُهُم أن أُدخِلَ الجدارَ في البيتِ وأن أُلصِقَ بابَهُ في الأرضِ ) [صحيحُ البُخاريّ 2 : 190 ، 1584 كتابُ الحجِّ ، بابُ فضلِ مكّةَ وبُنيانِهَا ]فهُنا نجدُ أنَّ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ ) يشهدُ بأنَّ وضعَ الحجرِ في زمانهِ هوَ خلافُ ما ينبغِي أن يكونَ عليهِ وأنَّ أهلَ الجاهليّةِ قَد غيّرُوا في مكانهِ طِبقاً لرغباتِهِم ، ومعَ ذاكَ هوَ يخشى أن يُعيدَهُ على ما كانَ عليهِ خشيةَ الفِتنةِ لأنَّ قُريشاً حديثةُ عهدٍ بالجاهليّةِ .أمّا عدمُ إرجاعهِ ( عليهِ السّلامُ ) لفدكَ فقَد وردَت عِدّةُ أحاديثَ في بيانِ سببِ عدمِ الإرجاعِ هذا ، منهَا مَا ذكرهُ الشّيخُ الصّدوقُ في كتابهِ " عللُ الشّرائعِ " تحتَ بابِ : العِلّةُ التي مِن أجلِهَا تركَ أميرُ المُؤمنينَ فدكاً لمّا ولى النّاسَ ، جاءَ فيهِ : عَن إبراهيمَ الكرخيّ قالَ : سألتُ أبا عبدِ اللهِ " عليهِ السّلامُ " فقلتُ لهُ لأيّ علّةٍ تركَ عليٌّ بنُ أبي طالبٍ " عليهِ السّلامُ " فدكاً لمّا ولى النّاسَ فقالَ : للإقتداءِ برسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ لمّا فتحَ مكّةَ وقَد باعَ عقيلٌ بنُ أبي طالبٍ دارَهُ فقيلَ لهُ يا رسولَ اللهِ ألا ترجعُ إلى داركَ ؟ فقالَ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وهَل تركَ عقيلٌ لنَا داراً إنّا أهلُ بيتٍ لا نَسترجعُ شيئاً يُؤخذُ مِنّا ظُلماً . فلذلكَ لَم يسترجِعْ فدكاً لمّا ولى .[ عللُ الشّرائعِ 1: 155].أمّا القرآنُ الذي جمعهُ أميرُ المؤمنينَ ( عليهِ السّلامُ ) فهوَ قَد إعترفَ بوجودهِ أهلُ السّنّةِ قبلَ الشّيعةِ ، وهوَ ليسَ فيهِ زيادةٌ أو نقيصةٌ عنِ المصحفِ الموجودِ الآنَ لكنّهُ مُرتّبٌ بحسبِ النّزولِ ، وفيهِ ذكرُ النّاسخَ والمنسوخَ وبعضَ التّفسيرِ والتّأويلِ .قالَ إبنُ جزيٍ الغرناطيّ الكلبيّ في كتابهِ " التّسهيلُ لعلومِ التّنزيلِ " : (( كانَ القُرآنُ على عهدِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ مُتفرّقاً في الصّحفِ وفي صدورِ الرّجالِ ، فلمّا تُوفّيَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قعدَ عليٌّ بنُ أبي طالبٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ في بيتهِ ، فجمعهُ على ترتيبِ نزولهِ ، ولَو وُجِدَ مصحفهُ لكانَ فيهِ علمٌ كبيرٌ ، ولكنّهُ لَم يُوجَد )) [ التّسهيلُ لعلومِ التّنزيلِ 1: 12]وقالَ إبنُ عبدِ البرِّ بسندهِ عَن مُحمّدٍ بنِ سيرينَ أنّهُ قالَ :((فبلغنِي أنّهُ كتبَ عليٌّ تنزيلهُ ولو أصيبَ ذلكَ الكتابُ لكانَ فيهِ علمٌ )) [ الإستيعابُ في معرفةِ الأصحابِ ، القسمُ الثّالثُ : 94]وعنِ إبنِ اشتةَ في " الإتقانِ " : (( كتبَ في مصحفهِ النّاسخَ والمَنسوخَ )) [ الإتقانُ - للسّيوطيّ - 1: 58]وعنِ السّيوطيّ : (( جمهورُ العُلماءِ إتّفقُوا على أنَّ ترتيبَ السُّورِ كانَ بإجتهادِ الصّحابةِ ، وأنَّ إبنَ فارسٍ إستدلَّ لذلكَ بأنَّ منهُم مَن رتّبهَا على النّزولِ وهوَ مصحفُ عليٍّ كانَ أوّلهُ إقرأ ثمَّ نون ثمَّ المزّمّلُ هكذا ذكرَ السّورَ إلى آخرِ المكّيّ ثمَّ المدنيّ )) [ الإتقانُ 1: 66] وللإطّلاعِ على صحّةِ هذهِ الأقوالِ وردِّ الشّبهاتِ حولَ موضوعِ وجودِ المصحفِ المذكورِ ننصحُ بمُراجعةِ كتابِ " سلامةُ القرآنِ منَ التّحريفِ " لمُؤلّفهِ الدّكتورِ فتحُ اللهِ المُحمّديّ ، ص 419 ، الذي تابعَ بعضَ الدّعاوى التي تُشكّكُ بثبوتِ هذهِ النّسبةِ في كتبِ أهلِ السّنّةِ وفنّدهَا واحدةً واحدةً.أمّا الشّيعةُ فقَد ذكرُوا المصحفَ المَذكورَ في كُتبِهِم ، رواياتٍ وأقوالاً.فقَد جاءَ عَن أميرِ المُؤمنينَ عليٍّ ( عليهِ السّلامُ ) قولهُ : ( ما نزلَتْ آيةٌ على رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ إلّا أقرأنيهَا و أملاهَا عليَّ، فأكتبُهَا بخطّي. و علّمنِي تأويلَهَا و تفسيرَهَا و ناسخَهَا و منسوخهَا و مُحكمهَا و مُتشابهَهَا. و دعا اللهَ لي أن يُعلّمنِي فهمها و حفظَهَا، فما نسيتُ آيةً مِن كتابِ اللهِ، و لا عِلماً أملاهُ عليِّ فكتبتهُ منذُ دعا لي ما دعا ) [ الكافي للشّيخِ الكُلينيّ 1: 64] وجاءَ عنِ الإمامِ الباقرِ ( عليهِ السّلامُ ) : ( ما إدّعى أحدٌ منَ النّاسِ إنّهُ جمعَ القُرآنَ كُلّهُ كمَا أُنزلَ الاّ كذّابٌ وما جمعهُ وحفظهُ كمَا نزّلهُ اللهُ تعالى إلاّ عليٌّ بنُ أبي طالبٍ عليهِ السّلامُ والأئمّةُ مِن بعدهِ) [ الكافِي 1: 228]وجاءَ عَنِ الشّيخِ الصّدوقِ ( عليهِ الرّحمةُ ) : (( وقَد نزلَ منَ الوحي الذي ليسَ بقُرآنٍ . . . وكانَ أميرُ المُؤمنينَ عليٌّ عليهِ السّلامُ جمعَهُ فلمّا جاءَ بهِ قالَ هذا كتابُ ربّكُم كمَا أُنزلَ على نبيّكُم لَم يزِدْ فيهِ حرفاً ولا ينقصُ منهُ حرفٌ)) [ الإعتقاداتُ في دينِ الإماميّةِ : 92] فمرويّاتُ الشّيعةِ وكلماتُهُم تُطابقُ تماماً ما وردَ في كلماتِ أهلِ السّنّةِ عنِ المِصحفِ المَذكورِ .. ولكِن أينَ هذا المصحفُ الآنَ، ومَا هوَ مصيرهُ ؟!!مِن أهلِ السّنّةِ نجدُ مَن يُخبرُنَا عَن ذلكَ ، ذكرَ عبدُ الكريمِ الشّهرستانيّ ( 548 هـ) في كتابهِ " مفاتيحُ الأسرارِ ومصابيحُ الأنوارِ " : (( وهوَ عليهِ السّلامُ لمّا فرغَ مِن تجهيزِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وتغسيلهِ وتكفينِهِ والصّلاةِ عليهِ ودفنهِ ، آلى أنْ لا يرتديَ برداءٍ إلاّ لجُمعةٍ حتّى يجمعَ القُرآنَ ، إذ كانَ مأموراً بذلكَ أمراً جزماً فجمعهُ كمَا اُنزلَ مِن غيرِ تحريفٍ وتبديلٍ وزيادةٍ ونُقصانٍ وقَد كانَ أشارَ النّبىُّ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ إلى مواضعِ التّرتيبِ والوضعِ والتّقديمِ والتّأخيرِ . . . ويُروى أنّهُ لمَّا فرغَ مِن جمعهِ أخرجهُ هوَ وغلامُهُ قنبرٌ إلى النّاسِ وهُم في المسجدِ . . . وقالَ لهُم هذا كتابُ اللهِ كمَا أنزلهُ على مُحمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ جمعتُهُ بينَ اللّوحينِ فقالُوا : إرفَع مصحفكَ لا حاجةَ بنَا إليهِ ، فقالَ واللهِ لا ترونَهُ بعدَ هذا أبداً إنّما كانَ عَلَيَّ أن اُخبرَكُم حينَ جمعتُهُ . فرجعَ بهِ إلى بيتهِ قائِلاً ( يا ربِّ إنّ قومي إتّخذوا هذا القرآن مهجوراً ) ، وتركَهُم على ما هُم عليهِ كما تركَ هارونُ عليهِ السّلامُ قومَ أخيهِ موسى بعدَ إلقاءِ الحُجَّةِ عليهِم وإعتذرَ لأخيهِ بقولهِ : ( إنّي خشيتُ أن تقولَ فرّقتَ بينَ بني إسرائيلَ ولَم ترقُب قولِي ) . . . )) [ مفاتيحُ الأسرارِ ومصابيحُ الأبرارِ 1: 121 ]وفي مصادرِ الشّيعةِ ، رَوى الشّيخُ الكُلينيُّ في " الكافي " : (( عَن سالمٍ بنِ سلمةَ قالَ : قرأَ رجلٌ على أبي عبدِ اللهِ ( عليهِ السّلامُ ) وأنا أستمعُ حروفاً منَ القُرآنِ ليسَ على ما يقرؤُهَا النّاسُ ، فقالَ أبو عبدِ اللهِ ( عليهِ السّلامُ ) : كُفَّ عنَ هذهِ القراءةِ اِقرأ كمَا يقرأُ النّاسُ حتّى يقومَ القائمُ فإذا قامَ القائمُ ( عليهِ السّلامُ ) قرأ كتابَ اللهِ عزَّ وجلَّ على حدّهِ وأخرجَ المصحفَ الذي كتبهُ عليٌّ ( عليهِ السّلامُ ) وقالَ : أخرجَهُ عليٌّ ( عليهِ السّلامُ ) إلى النّاسِ حينَ فرغَ منهُ وكتبهُ فقالَ لهُم : هذا كتابُ اللهِ عزّ وجلّ كمَا أنزلَهُ اللهُ على مُحمّدٍ ( صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ ) وقَد جمعتُهُ مِنَ اللّوحينِ فقالوا : هوَ ذا عندَنَا مصحفٌ جامعٌ فيهِ القُرآنُ لا حاجةَ لنَا فيهِ ، فقالَ أما واللهِ ما ترونَهُ بعدَ يومِكُم هذا أبداً ، إنّما كانَ عليّ أن أُخبِرَكُم حينَ جمعتهُ لتقرؤوهُ )). [ الكافِي 2: 633]وقَد تسألُ : لِماذا لَم يُظهِرِ الإمامُ ( عليهِ السّلامُ ) هذا القُرآنَ الذي كتبَهُ أيّامَ حُكمهِ وخلافتهِ ؟!! نقولُ : يُجيبُنا عَن ذلكَ أميرُ المُؤمنينَ ( عليهِ السّلامُ ) نفسُهُ ، فعندمَا سألَهُ طلحةُ بعدَ مُدّةٍ أنْ يُظهِرَ هذا القُرآنَ للنّاسِ ، وقالَ لهُ : لا أراكَ يا أبا الحسنِ أجَبتَنِي عمّا سألتُكَ عنهُ مِن أمرِ القُرآنِ ألا تُظهرهُ للنّاسِ . قالَ يا طلحةُ عمداً كففتُ عَن جوابكَ فأخبِرنِي عمّا كتبَ عُمرُ وعُثمانُ أقرآنٌ كُلّهُ أم فيهِ مَا ليسَ بقُرآنٍ ؟ ! قالَ طلحةُ بَل قُرآنٌ كلّهُ . قالَ إن أخذتُم بمَا فيهِ نجوتُم منَ النّارِ ودخلتُم الجنّةَ فإنَّ فيهِ حُجّتنَا وبيانَ حقّنا وفرضَ طاعتِنَا ، فقالَ طلحةُ : حسبي ، أمّا إذا كانَ قُرآناً فحسبِي .[ كتابُ سُليمٍ : 212 ، التّفسيرُ الصّافي 1: 42، الإحتجاجُ للطّبرسيّ 1: 225 ]يبقى السّؤالُ : ماذا قدّمَ عليٌّ ( عليهِ السّلامُ ) إذَن للمُسلمينَ عندمَا تولّى حُكمَهُم ؟الجوابُ : نقلَ لنا التّأريخُ أنَّ النّاسَ في عهدِ أميرِ المؤمنينَ عليٍّ (عليهِ السّلامُ) عاشُوا الرّخاءَ بأروعِ صُورهِ بحيثُ لَم يُوجَد فقيرٌ واحدٌ في دولتهِ ولَم يوجَد شخصٌ بلا مَسكنٍ يأويهِ ، فقَد نُقلَ عنهُ (عليهِ السّلامُ) أنّهُ قالَ : " ولعلَّ في الحجازِ أو اليمامةِ مَن لا عهدَ لهُ بالشّبعِ أو لا طمعَ لهُ بالقرصِ " فهذا الكلامُ منهُ (عليهِ السّلامُ) ينفي وجودَ الفُقراءِ في الكوفةِ - التي يقطُنُهَا أربعةُ ملايينَ حسبَ إحصائيّاتِ المُؤرّخينَ - ويُشكّكُ في وجودِ الفقرِ في البلادِ البعيدةِ عنهُ ، الأمرُ الذي يكشفُ عَن مدى الرّخاءِ الذي عاشهُ النّاسُ في زمانهِ (عليهِ السّلامُ) .وقَد نقلَ أحمدُ في فضائلهِ وإبنُ أبي شيبةَ في مُصنّفهِ وغيرُهُمَا ، أنّهُ (عليهِ السّلامُ) قالَ : " مَا أصبحَ بالكوفةِ أحدٌ إلّا ناعِماً ، وأنَّ أدناهُم منزلةً مَن يأكلُ البرَّ ويجلسُ في الظّلِّ ويشربُ مِن ماءِ الفُراتِ " .فهذهِ هيَ حالُ الرّخاءِ التي عاشَهَا النّاسُ في زمانهِ وهُم يُعدّونَ بالملايينِ لا تجدُ فيهِم فقيراً واحِداً وقولهُ ( عليهِ السّلامُ ) : " ما أصبحَ بالكوفةِ أحدٌ إلّا ناعِماً " صريحٌ في هذا المعنَى . أمّا الحُرّيّاتُ السّياسيّةُ والتّعبيرُ عنِ الرّأي فحدّث ولا حرجَ ، فالتّعبيرُ عنِ الرّأي مُتاحٌ للجميعِ بأروعِ ما يكونُ بشرطِ أن لا تُؤذيَ الآخرينَ ولا تتجاوزَ على حُقوقِهِم ، فلَم يكُن يمنعُ الخوارجَ - وهُم معارضوهُ - مِن بيتِ المالِ وكانَ يُعطيهِم عطاءَهُم. فدولةٌ لا فقيرَ فيهَا ، والرّخاءُ يعمُّ أطرافَهَا ، والحُرّيّاتُ السّياسيّةُ مكفولةٌ فيهَا ، أيُّ دولةٍ عظيمةٍ هذهِ ، وهَل توجدُ مِثلُهَا في تاريخِنَا المُعاصرِ فضلاً عَن تاريخِنَا الغابرِ .وهذا كلّهُ تحقّقَ في غضونِ أربعِ سنواتِ فقَط وأشهرٍ ، هيَ مُدّةُ حُكمِهِ (عليهِ السّلامُ) ، فما بالُكَ لو كانَ الأمرُ بيدهِ (عليهِ السّلامُ) بعدَ وفاةِ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) مُباشرةً وإستمرَّ إلى ثلاثينَ عاماً ، أي إلى يومِ وفاتهِ (عليهِ السّلامُ) ولَم يُنغِّصْ عليهِ النّاكثونَ والمارقونَ والقاسطونَ عليهِ إدارةَ بلادِ الإسلامِ ؟ هَل لكَ أن تتصوّرَ الرّخاءَ والسّعادةَ والإستقرارَ التي يُمكِنُ أنْ ينعُمَ بهِ المُسلمونَ والبشرُ بوجودِ مثلِ هكذا قائدٍ وإمامٍ يحكمُهُم ؟!ومِن هُنا تعرفُ السّرَّ الذي جعلَ الأممَ المُتّحدةَ تُعلنُ في 2002 أنَّ الإمامَ عليّاً بنَ أبي طالبٍ (عليهِ السّلامُ) هوَ أعدلُ حاكمٍ في تأريخِ البشريّةِ !!ودُمتُم سالِمينَ.
اترك تعليق