كيفَ يمكنُ الإعتمادُ على بعضِ الرّواةِ الذينَ يُوثّقُهم الشّيخُ النّجاشيّ, ويُضعّفُهم الشّيخُ الطّوسيّ أو بالعكس, ألا يُعَـدُّ هذا دليلاً على بطلانِ علمِ الرّجال ؟
إنَّ مسألةَ اِختلافِ أقوالِ نُقّادِ الجرحِ والتّعديلِ في الرّاوي الواحدِ بأنْ يُوثّقهُ بعضُهم ويُضعّفُه بعضُهم الآخر, قَد بيّنَها أهلُ العلمِ حينَ عرضوا لهذهِ المسألةِ, فأسّسوا لذلكَ أساساً متيناً ينفعُ في حلِّ هذا الإشكالِ, وهذا الأساسُ يتكوّنُ مِن عدّة صورٍ.
إحداها: أنْ يُقدَّمَ قولُ الجارحِ على المُعدِّل مُطلقاً, لأنَّ المُعدّلَ يخبرُ عمّا ظهرَ لهُ مِن حالِ الرّاوي, في حينِ أنّ قولَ الجارحِ يشتملُ على زيادةِ علمٍ لم يطّلِع عليها المُعدِّل.
والثّانية: أنّ يُقدّمَ قولُ المُعدِّلِ على قولِ الجارحِ مُطلقاً, باِحتمالِ أنَّ المُعدّلَ قَد اِطّلعَ على توبةِ ذلكَ الرّاوي وعزوفهِ عمّا بدرَ منهُ سابِقاً, فيترتّبُ على ذلكَ تجدّدُ ملكةِ العدالةِ فيه, فلا مانعَ حينئذٍ مِنَ الأخذِ عنهُ.
والثّالثةُ: إمكانُ الجمعِ بينَ قولي المُعدّلِ والجارحِ بحيثُ لا يلزمُ تكذيبُ أحدِهما للآخرِ في شهادتِه,. مثالُه: أنْ يقولَ المُزكّي: هذا الرّاوي عدلٌ, ويقولَ الجارحُ فيه: رأيتُه يشربُ الخمرَ. فهُنا يُقدّمُ الجرحُ.
أو لا يمكنُ الجمعُ بينَ قوليهما في صورةِ ما إذا قالَ الجارحُ: رأيتُه يشربُ الخمرَ في أوّلِ ظُهرِ الخميس, ويقولُ المعدّلُ: رأيتُه في نفسِ الوقتِ يُصلّي؛ ففِي هذهِ الحالةِ لا يمكنُ الجمعُ بينَ قوليهِما, وحينئذٍ لا بُدَّ منَ الرّجوعِ إلى المُرجّحاتِ الأُخرى كالأكثريّةِ والأعدليّةِ والأورعيّةِ والأضبطيّةِ ونحوِها, ومِن بابِ المثالِ لتقريبِ هذهِ الصّورةِ إلى القارئِ بأنْ نقولَ: إذا رأينا الرّاوي يُوثّقُه أكثرُ نُقّادِ الحديثِ ويُضعّفُه الأقلُّ عدداً منهُم , فحينئذٍ يذهبُ بعضُ أهلِ العلمِ إلى ترجيحِ التّعديلِ على الجرحِ مِن جهةِ كثرةِ المُعدّلينَ , وهكذا الحالُ لو كانَ المُعدّلونَ لهذا الرّاوي منَ الإماميّةِ العدولِ, والمُضعّفونَ لهُ هُم مِنَ الفِرقِ المُخالفةِ لهُم كالفطحيّةِ والواقفيّةِ ونحوِهما. فهُنا يُرجّحُ قولُ الإماميّةِ على قولِ المُخالفينَ, فإنْ لَم يتّفِق التّرجيحُ وجبَ التّوقّفُ في شأنِ هذا الرّاوي, فإذنْ: ما دامَ هُناكَ حلولٌ لهذهِ المسألةِ , فلا يمكنُ الرّكونُ لمَن يُطلقُ الحُكمَ ببُطلانِ علمِ الرّجالِ وخُصوصاً مِـمّنْ ليسَ هوَ مِن ذوي الإختصاصِ في علمِ الحديثِ والرّجال.
اترك تعليق