لماذا خلق الله الخلق
الأخُ المُحترمُ، السّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ
إذا عرفنا بأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ هوَ خالقُ كُلِّ شيءٍ, ومُقدّرُهُ تقديراً كما في قولهِ تعالى: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾ [الفُرقان: 2] , إذا عرفنَا ذلكَ وآمنّا بهِ, سنعرفُ أيضاً أنَّ اللهَ تعالى لَم يخلِق ما خلقَ منَ السّمواتِ والأرضينَ وما بينَهُما منَ الأنواعِ المُختلفةِ مِن خلقِه إلّا لأغراضٍ متنوّعةٍ بيّنها اللهُ سبحانه وتعالى نفسُه في كتابِه العزيزِ تعودُ بالنّفعِ على مخلوقِه العظيمِ الإنسان, فَهَلُمَّ معي نستطلِع ما وردَ في القرآنِ العظيمِ مِن آياتٍ بيّناتٍ لها صلةٌ وثيقةٌ بالجوابِ عَن سؤالكَ, فمِن ذلكَ: قولُه تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾, أي أنَّ غايةَ خلقِ الإنسانِ والموجودِ الآخرِ المُسمّى بـ(الجنّ) هيَ العبادةُ , وانظُر إلى قولِه تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُم أَيُّكُم أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [هود: آية 7] , فهُنا اللهُ سُبحانَه وتعالى يُبيّنُ في هذهِ الآيةِ أنَّ الهدفَ مِن خلقِ السّماوات والأرضِ هوَامتحانُ الإنسانِ واختبارُه وتمحيصُه. ولاحِظ قولَه تعالى: ﴿اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُم وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ ﴾ [إبراهيم32]. إذْ بيّنَ اللهُ جلَّ وعلا أنَّهُ بعدَ خلقِ السّماواتِ والأرضِ وإنزالِ الماءِ مِنَ السّماءِ على الأرضِ لينمو الزّرعُ والثّمرُ بهدفِ أنْ يكونَ كُلُّ ذلكَ سهلاً في مُتناولِ أيديكُم , وهكذا الحالُ معَ السّفنِ التي تركبونها وتحملُ بضائعَكُم لغرضِ الإنتقالِ بها مِن مكانٍ إلى آخر, كلُّ ذلكَ سهّلهُ اللهُ تعالى لكُم, وهكذا الحالُ مِن خَلقِ الأنعامِ والجبالِ ونحوَهما , فإنّهُ قَد بيّنَ الهدفَ مِن خلقِها كمَا في قولِه تعالى: ﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُم فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ [النّحل5], ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [النّحل8], وكذلكَ قولُه تعالى: ﴿وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُم كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُم لَعَلَّكُم تُسْلِمُونَ ﴾ [النّحل81 ], وكذلكَ قولُه تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَد أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾. [الطّلاق: آية 12], فلَو دقّقَ الإنسانُ العاقلُ في هذهِ الآياتِ لرأى أنَّ بعضَها مُقدّمةٌ لبعضِها الآخرِ، فالعلمُ والمعرفةُ مُقدّمةٌ للعبوديّةِ، والعبادةُ هيَ الأُخرى مُقدّمةٌ للإمتحانِ وتكامُلِ الإنسانِ، وهذا مُقدّمةٌ للإستفادةِ مِن رحمةِ اللهِ, ويُؤيّدُ ذلكَ ما وردَ مِن رواياتٍ عَن أئمّةِ أهلِ البیتِ (علیهم السّلام) في هذا الصّددِ, إذْ روى الشّيخُ الصّدوقُ (رضوانُ اللهِ تعالى عليه) في کتابِه (التّوحيد) بإسنادِه إلى إبنِ أبي عُميرٍ قالَ: قلتُ لأبي الحسنِ مُوسى بنِ جعفرٍ (عليهِ السّلام): ما معنَى قولِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلّم): إعملوا فكلٌّ مُيسّرٌ لِما خُلقَ له؟ فقالَ: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ خلقَ الجِنَّ والإِنسَ ليعبدوهُ, ولَم يخلُقهُم ليعصوهُ وذلكَ قولُه عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ فيسَّرَ كُلّاً لِما خُلِقَ لهُ, فويلٌ لمَن إستحبَّ العمى على الهُدى. وفي كتابِ (العللِ) بإسنادهِ إلى أبي عبدِ اللهِ عليهِ السّلام قالَ: خرجَ الحُسينُ بنُ عليٍّ عليهِ السّلام على أصحابِه فقالَ: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ما خلقَ العِبادَ إلّا ليعرفوهُ، فإذا عرفوهُ عبدوه، فإذا عبدوهُ إستغنوا بعبادتِه عن عبادةِ مَن سِواه.
اترك تعليق