لماذا لم يفسر النبي كل آيات القرآن كما حدث في آية الكساء والمباهلة حتي لا يحدث اللغط والاختلاف؟؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اشكر حضراتكم علي اهتمامكم سؤالي بخصوص تفسير أية الكساء , الله تعالي ذكر مصطلح أهل البيت وهو في اللغة يشمل الازواج وفي الشرع فسره النبي بالاحاديث عند الفريقين الشيعي والسني انه خاص بالامام علي والسيدة فاطمة والسبطين عليهم السلام أجمعين وسؤالي بخصوص باقي الأيات التي يتم تفسيرها باجتهاد العلماء في المذهب السني من خلال السياق وعلوم الائمة في المذهب الشيعي ايضا من خلال السياق لماذا لم يفسر النبي كل آيات القرآن كما حدث في آية الكساء والمباهلة حتي لا يحدث هذا اللغط والاختلاف؟؟ اشكركم لسعة صدركم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : أقولُ: إنَّ المفتاحَ في الجوابِ عَن هذا السّؤالِ يكمنُ في قولِه تعالى: ((وأنزلنا إليكَ الذّكرَ لتُبيّنَ للنّاسِ ما نُزِّلَ إليهم)) [النّحل:44], إذْ إنَّ المُتدبّرَ لآياتِ الكتابِ العزيزِ, والمؤمنَ بشرعِ اللهِ تعالى وبرسالةِ نبيّهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه), سيعرفُ أنَّ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه) قَد إمتثلَ خطابَ اللهِ تعالى فبيّنَ للنّاسِ ما نُزِّلَ إليهم, وهذا الأمرُ رُبّما لا يختلفُ فيهِ إثنانِ لعدّةِ أمورٍ, منها 1- مقالةُ أميرِ المؤمنينَ عليه السّلام المشهورةُ والثّابتةُ عنهُ حينَ خطبَ على المنبرِ قائِلاً: (سلوني فواللهِ لا تسألوني عَن شيءٍ يكونُ إلى يومِ القيامةِ إلّا حدّثتُكم, وسلوني عَن كتابِ اللهِ عزَّ وجلّ, فواللهِ ما مِن آيةٍ إلّا وأنا أعلمُ أبليلٍ نزلَت أم بنهارٍ أم في سهلٍ أم في جبل كما في ترجمةِ أميرِ المؤمنينَ عليه السّلام في كتابِ الجرحِ والتّعديلِ لابن أبي حاتمٍ الرّازيّ , برقمِ (1055)؟ وهذهِ المقالةُ وما احتوَت عليهِ مِن مضامينَ عاليةٍ قطعاً قد تعلّمَها أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلام مِن مدرسةِ خاتمِ الأنبياءِ والمُرسلينَ ؟ 2- ويؤيّدُ ذلكَ أيضاً القضيّةُ التّأريخيّةُ المشهورةُ والمعروفةُ بأنَّ أميرَ المؤمنينَ الإمامَ عليّاً عليه السّلام قَد اعتزلَ في بيتِه بعدَ قضيّةِ السّقيفةِ يجمعُ القُرآنَ على حسبِ نزولِه ووقائعِه كما في كتابِ سيرِ أعلامِ النّبلاءِ للذّهبيّ في ترجمةِ أميرِ المؤمنينَ عليه السّلام وغيرِه؟ فإذا تبيّنَ ذلكَ فاعلم أنَّ بيانَ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه) للآياتِ القُرآنيّةِ لا يعني بالضّرورةِ أنَّ الذينَ سمعُوا بذلكَ سيلتزمونَ بما بيّنَه لهُم النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه), وخصوصاً معَ تفاوتِ العقولِ ووجودِ المُنافقينَ وأصحابِ الأهواءِ في حياتِه بكثرةٍ, والآياتُ في سورةِ التّوبةِ وكثيرٌ منَ الأحاديثِ الموجودةِ في الصّحيحينِ والسُّننِ تُثبتُ ذلكَ, فلا يُنكرُ هذا الأمرَ إلّا مكابرٌ أو معاندٌ لا ينفذُ نورُ الحقِّ إلى قلبِه؟ بَل إنَّ وجودَ المُنافقينَ وأصحابِ الأهواءِ بينَ أصحابِ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وبقاؤهم بعدَ وفاتِه قَد أثرَّ تأثيراً سلبيّاً على مُجرياتِ الأحداثِ, وتغييرِ كثيرٍ منَ الأمورِ , وما اختلافُ المُسلمينَ إلى فرقٍ كثيرةٍ ومذاهبَ مُتعدّدةٍ إلّا شاهدٌ على ذلكَ, فعلى سبيلِ المثالِ: لو تأمّلنا جيّداً تفسيرَ النّبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله) لآيةِ التّطهيرِ بذلكَ الأسلوبِ الواضحِ لكانَ المُفترضُ أنْ لا يحصلَ اختلافٌ ولغطٌ فيما بينَ المُسلمينَ في هذهِ الآيةِ؛ ولكِنْ على العكسِ مِن ذلكَ؛ فلا نزالُ إلى يومِنا هذا نرى طائفةً كبيرةً منَ المُسلمينَ مِن كافّةِ المذاهبِ تصرُّ على مُخالفةِ تفسيرِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) لأهلِ البيتِ بالخمسةِ أهلِ الكساءِ, وتذهبُ إلى إدخالِ زوجاتِه في ضمنِ هذا المفهومِ, حتّى يبقى الواقعُ الموروثُ لديهم طِبقاً لِـما كانَ عليه آباؤهم وأجدادُهم؟ إلى غيرِ ذلكَ منَ الأمورِ والحقائقِ الثّابتةِ.
فالنّتيجةُ التي لا بُدَّ منها أنَّ النّبيّ (صلّى اللهُ عليه وآلِه) قَد بيّنَ للنّاسِ كلَّ شيءٍ على أكملِ وجهٍ وأتَمِّ وظيفةٍ, ولكنَّ كثيراً منهُم لم يمتثلُوا كلَّ ما جاءَ عنه ,لأسبابٍ كثيرةٍ ساعدَت على ذلكَ أشرنا إلى بعضٍ منها آنفاً, وإليكَ مزيداً منها على عُجالةٍ, فمنها 1- ما فعلهُ أبو بكرٍ وعمر بأحاديثِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله) مِن بعدِه, فبمُجرّدِ تسلّمِهما السُّلطةَ جمعا الأحاديثَ المكتوبةَ التي كانَت عندَ جماعةٍ منَ الصّحابةِ فحرقوها وأتلفوها بذريعةِ عدمِ اختلاطِها بالقُرآنِ, (كما في ترجمتِهما في تذكرةِ الحُفّاظِ للذّهبيّ وغيرِه), 2- أنَّ عُمرَ بنَ الخطّابِ لَم يكتفِ بذلكَ بَل عمدَ إلى أنْ يمنعَ الصّحابةَ مِن روايةِ أحاديثِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله), وتوعّدَ المُخالفينَ بمُحاسبتِهم وضربِهم بالدّرّةِ, وهذا معروفٌ أيضاً مِن سيرةِ عُمرَ بنِ الخطّابِ, أشارَ إليهِ: كُلُّ مَنْ كتبَ في كيفيّةِ تدوينِ الأحاديثِ النّبويّةِ قديماً وحديثاً, 3- مِن بعدِ ذلكَ توالَت الأحداثُ والفتنُ والحروبُ وخصوصاً في عهدِ أميرِ المؤمنينَ عليه السّلامُ إلى أنْ تسلّمَ معاويةُ الحُكمَ فجرَت في عهدِه الويلاتُ تلو الويلاتِ على المُسلمينَ, بَل ثبُتَ عنهُ كما في صحيحِ مُسلمٍ وغيرِه أنّهُ كانَ يأمرُ بسبِّ الإمامِ عليٍّ عليهِ السّلام , وقد اتُّخِذَ السّبُّ سُنّةً خلالَ مدّةِ خلافةِ بني أميّةَ التي بلغَت زهاءَ ثمانينَ سنةً , فتخيَّل كيفَ يمكنُ أنْ يُفسَّرَ القرآنُ في عهدِ بني أميّةَ, معَ أنَّ مُعظمَ آياتِ القُرآنِ نازلٌ في شأنِ أميرِ المؤمنينَ وأهلِ بيتِه الأطهارِ؟ 4- وهكذا الحالُ معَ خلفاءِ بني العبّاسِ ووعّاظِهم الذينَ ضُرِبَ المثلُ بظُلمِهم لأهلِ البيتِ (عليهم السّلام) , إذْ يقولُ القائلُ في ذلكَ: إنَّ ما فعلَهُ بنو أُميّةَ في أهلِ البيتِ عليهم السّلام هوَ عُشرُ أو معشارُ ما فعلهُ بنو عمِّهم العبّاسيّونَ فيهم مِن ظُلمٍ وتشريدٍ وقهرٍ وتنكيلٍ وقتلٍ, وغيرِ ذلكَ منَ الأمورِ التي حالَت دونَ وصولِ التّفسيرِ الصّحيحِ الذي بيّنَهُ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه) لآياتِ الكتابِ العزيزِ. فنأملُ أنْ نكونَ قد هيّأنا لكَ خُلاصةً واضحةً لِـما جرى مِن أحداثٍ كانَت هيَ السّببَ الرّئيسَ في الخلافِ الحاصلِ بينَ المُسلمينَ في تفسيرِ آياتِ القُرآنِ العظيمِ. ودُمتم سالِمينَ.
اترك تعليق