محمد أركون واشكالية الإسلاميات التطبيقية
إنّ منهج (الإسلاميات التطبيقية) الذي تبناه محمد أركون كركيزة لمشروعه في (نقد العقل الإسلامي) يُعتبر أو يَعتبره هو أو يعتبره محبوه ومريدوه (السوبر تغيير) الذي جاء ليحقق التجديد، وأركون هو الرائد في وضع الفكرة والمصطلح.
يقصد بالإسلاميات التطبيقية: تطبيق منهجيات العلوم الإنسانية ومصطلحاتها على دراسة الإسلام عبر مراحل تاريخه الطويل(1).
أو: أنها المنهج الذي يتناول بالدرس كل ما يتعلق بالحياة البشرية عموماً(2). وتعني كلمة الإسلاميات: الخطاب الذي يهدف إلى العقلانية في دراسة الإسلام(3). أو: قراءة ماضي الإسلام وحاضره انطلاقاً من تعبيرات المجتمعات الإسلامية ومطالبها الراهنة(4).
لقد أطلق محمد أركون نداءه في سبعينيات القرن العشرين لتجديد منهجي في مجال الدراسات المطبقة على الإسلام، إلا أنّ نزعة المحافظة المنهجية السائدة في أوساط الإستشراق حالت دون سماع النداء، مضافاً إلى عدم مبالاة الباحثين في تجذير الانثروبولوجيا النقدية لثقافات العالم(5). وقد دافع محمد أركون عن (الإسلاميات التطبيقية) كمنهج علمي في البحث، وذلك لإجبار العقل الشغّال في العلوم الاجتماعية على النزول إلى جميع الأماكن التي تتجلى فيها تلك المعرفة الجدلية الدائرة بين الأصولية والعولمة، أو بين الحركات الجهادية والعولمة(6).
وبمجرد تتبع علمي للمسألة نلاحظ بأنّ روح (الإسلاميات التطبيقية) مقتبس من كتابٍ لعالم الأناسة (الانثروبولوجيا) الفرنسي (روجيه باستيد) المعنون بـ(الاناسة التطبيقية).
وهذا يعني أنّ محمد أركون لم يكن تلفيقياً في فكرته، بل كان تلفيقياً حتى في العنوان، بل هو اقتبس العنوان بنوع من الإقتباس المقارب للسرقة.
كما وأنّه لم يقدّم تعريفاً نظرياً للإسلاميات التطبيقيّة من حيث الماهية، وإنّما اكتفى بإبراز مهامها النقدية وتقديم بعض سماتها وخلفياتها الفلسفية إذا دعت الحاجة لذلك(7).
أما في مجال نقده (للعقل الإسلامي) فهو يطرح بديلاً عنه يسميه أركون بـ(العقل المنبثق) أو (الإستطلاعي )(8).
لقد كان هدف محمد أركون هو بناء (إسلاميات تطبيقية) من خلال محاولة تطبيق المنهجيات العلمية على القرآن الكريم، و من ضمنها تلك التي طبقت على النصوص المسيحية، وهي التي أخضعت النص الدّيني لمحك (النقد التاريخي المقارن) و (التحليل الألسني التفكيكي) و (للتأمل الفلسفي) المتعلق بإنتاج المعنى وتوسعاته وتحولاته.
إنّ عبارة أو مصطلح أو مفهوم (الإسلاميات التطبيقية) مستمدة ـ أصلاً ـ من مفهوم (العقلانية التطبيقية) أو (المطبقة) الذي بلوره مؤرخ العلم الفرنسي (غاستون باشلار) في حقل الابستمولوجيا، واستخدمه عالم الانثروبولوجيا (روجيه باستيد) في كتابه (الانثروبولوجيا التطبيقية)، أما مقولة (نقد العقل الإسلامي) فتحيل إلى كتاب الفيلسوف الألماني الشهير (إيمانويل كانط) الموسوم بـ(نقد العقل الخالص)(9).
لم يلتزم محمد أركون في تعامله مع النصوص بمنهج واحد فقط، بل كان طرحه عبارة عن هجين مناهجي، مكوّن من عدّة مناهج، إذ لم يلتزم بمنهج واحد خاص به لنعرف من خلاله توجهاته، فإذا كانت ركائز ومنطلقات المشروع الأركوني ـ عموماً ـ ثلاثة، فإن منهجه في القراءة والتحليل والنقد والتنظير كان خليطاً عجيباً لا يوجد خط بياني واضح له.
إنّ (محمد أركون قام بدراسات ألسنية وتاريخية وانثروبولوجية، وحاول المزج بين عدّة مناهج طبّقها على التراث العربي الإسلامي. وهي نفس المناهج التي طبقها علماء فرنسا على تراثهم اللآتيني المسيحي الأوربي، وأركون تأثر في البداية بـ(ريجيس بلاشير) المحترف في فقه اللغة " الفيلولوجيا " وتعلم منه منهجية تحقيق وتدقيق النصوص ومقارعتها ببعضها البعض ودراستها على الطريقة التاريخية الوضعية، ولم يكتف بذلك لاسيّما وأنّ توجهاته كانت متعددة كنتاج لفضوله الشخصي ومطالعاته الواسعة، وهو طالب بالجزائر تأثر بلوسيان فيفر، لاسيما بمنهجيته في علم التاريخ )(10).
إنّ تعدد المناهج هو الذي يشكّل أهم ميزة في المشروع الأركوني(11)، فمحمد أركون وتحت وطأة تعدد المناهج، والتي من شأنها أن تخلق فوضى في صميم الإسلاميات التطبيقية، لا سيّما إذا أدركنا، بأن كل منهج بطبيعته يتكامل مع مبادئه، ولا يسمح أن يتبادل المقدمات والنتائج مع منهج آخر، فإن أركون يتقن لعبة تدبير هذه المناهج و خلق فجوات لامتصاص تصادماتها المتوقعة. وتلك هي أهم ميزة في الإسلاميات التطبيقية. وهو ما يبرر كل التناقضات التي تقف عليها في القراءة الأركونية للتراث العربي والإسلامي(12).
فلقد تميز أسلوبه بالخلط العجيب بين النظرية والتطبيق، إذ دائماً ما ينظّر لشيء، ويأتي التطبيق لشيء آخر، ولا ندري سبب ذلك، أهو الجهل أم التعمد أم ماذا؟
لقد استقى محمد أركون أفكاره من مدارس متعددة ومتنوعة إلى حد الخلط المناهجي، وفي طيات البحث بيان واضح لخارطته الفكرية أو ما يسميه بعضهم بالحرتقة(13). فإن الجمع بين المدارس المختلفة والمتعارضة في بعض الأحيان لا يمكن أنْ نصفه بالتجانس، ذلك أنّ لكل مدرسة أدواتها، وأساليبها، ونتائجها الخاصة بها، وهي بذلك قد تتصادم فيما بينها، ما يحول دون الأخذ بها فضلاً عن إعطائها أي نتيجة مفيدة. ثم إنّ من سمات (المشروع) الوضوح، وليس من سماته الخلط والتجميع؟!
وهذا ما دعا بعضهم إلى القول بأنّ التماسك المعرفي لبرنامج أركون يثير مشكلة(14).
فعندما تقوم منظومة أركون على مدارس ومفكرين يزدرون العقل والمنطق وغيرهما من العلوم كدولوز وفوكو ودريدا، كيف يمكن أنْ يؤسس لمنظومة يمكن الحكم عليها بالصحة؟ وهل أنّها تفقد المنطق أو تعتقد به؟ فإن كانت تفقده فما هو معيار قبولها، وإن كانت تعتقد به فكيف تتناسب مع المتبنيات الأصلية؟(15).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإسلام، أوربا، الغرب، محمد اركون، ص 178.
(2) نقد العقل الإسلامي عند محمد اركون، مختار الفجاري، ص 43.
(3) تاريخية الفكر العربي الإسلامي، محمد اركون، ص 51 .
(4) نافذة على الإسلام، محمد اركون، ص 11 .
(5) الفكر الأصولي و استحالة التأصيل، محمد اركون، ص 242 .
(6) م، ن.
(7) مختار الفجاري، مصدر سابق، ص 42 .
(8) الفكر الأصولي و استحالة التأصيل، محمد اركون، ص 321 .
(9) ينظر: أعلام الفكر العربي، السيد ولد أباه، ص 139 .
(10) جولة في فكر محمد اركون، ادريس ولد القابلة، ص3 .
(11) ينظر: خرائط ايديولوجية ممزقة، إدريس هاني، ص 210 .
(12) خرائط ايديولوجية ممزقة، ص 212 .
(13) رون هاليبر ، مصدر سابق ، ص 156 .
(14) م، ن، ص 44 .
(15) القراءة الاركونية للقرآن، ص 375 .
اترك تعليق