لماذا سكت علي (عليه السلام) عندما هجموا على داره؟!
كيف يمكن الامام وهو قالع باب خيبر ان يبقى مكتوف الايدي ولايحرك ساكنآ حينما ضربوا فاطمة وهي سيدة النساء ع؟
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أهمُّ شُبهةٍ يطرحُها المُشكّكونَ في قضيّةِ الهجومِ على بيتِ الزّهراءِ عليها السّلام والإعتداءِ عليها هوَ أنّه لو ثبُتَ هذا الأمرُ فإنّ فيهِ إزدراءً وطعناً بأميرِ المؤمنينَ عليه السّلام الذي لَم يُحرِّك ساكِناً للدّفاعِ عَن حليلتِه التي ضُربَت أمامَ عينيه!
ومِن أوائلِ الذينَ أثاروا هذهِ الشّبهةَ, الفضلُ بنُ رزبهان الذي قالَ: لو صحَّ هذا دلَّ على عجزِ عليٍّ -حاشاهُ عن ذلكَ- فإنَّ غايةَ عجزِ الرّجلِ أن يُحرقَ هوَ وأهلُ بيتِه وإمرأتُه في دارِه وهوَ لا يقدرُ على الدّفعِ ، ومثلُ هذا العجزِ يقدحُ في صحّةِ الإمامةِ.
وللجوابِ نذكرُ عدّةَ نقاطٍ :
النّقطةُ الأولى : وصيّةُ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه) لأميرِ المُؤمنينَ (عليه السّلام) بالصّبرِ:
أجابَ الشّيعةُ أعلى اللهُ بُرهانَهم على هذا الإشكالِ بأنَّ النّبيَّ المُصطفى صلّى اللهُ عليهِ وآله قَد أوصى أميرَ المُؤمنين عليه السّلام بالصّبرِ وتركِ مُجاهدةِ القومِ وقَد وردَ في ذلكَ رواياتٌ كثيرةٌ في كُتبِهم:
منها ما ذكرَه سُليمٌ بنُ قيسٍ (رضيَ اللهُ عنه) في كتابِه ضمنَ روايةٍ إحتوَت وصيّةِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله الأخيرةِ ساعةَ وفاتِه, قالَ: يا عليّ، إنّكَ ستلقى بعدي مِن قُريشٍ شدّةً، مِن تظاهرِهم عليكَ وظُلمِهم لكَ, فإن وجدتَ أعواناً عليهم فجاهدهُم وقاتِل مَن خالفَك بمَن وافقَك، فإن لَم تجِد أعواناً فاصبِر وكُفَّ يدكَ ولا تُلقِ بيدكَ إلى التّهلكةِ، فإنّكَ مِنّي بمنزلةِ هارونَ مِن مُوسى، ولكَ بهارونَ أسوةٌ حسنةٌ, إنّهُ قالَ لأخيهِ مُوسى: إنَّ القومَ إستضعفوني وكادُوا يقتلونَني. كتابُ سُليمٍ بنِ قيس.
وروى الشّيخُ قُدّسَ سِرّه في الغيبةِ بسندٍ صحيحٍ عَن ابنِ عبّاسٍ (رضيَ اللهُ عنه) قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه في وصيّتِه لأميرِ المؤمنينَ عليه السّلام : يا عليّ إنَّ قُريشاً ستظاهرُ عليكَ، وتجتمعُ كلمتُهم على ظُلمِكَ وقهرِك، فإن وجدتَ أعواناً فجاهدهُم ، وإن لَم تجِد أعواناً فكُفَّ يدكَ واحقُن دمكَ، فإنَّ الشّهادةَ مِن ورائِك لعنَ اللهُ قاتلكَ. غيبةُ الطّوسيّ
إذَن عندَنا وصيّةٌ ثابتةٌ عنِ النّبيّ المُصطفى صلّى اللهُ عليهِ وآله لأميرِ المؤمنينَ عليه السّلام بحفظِ دمِه وعدمِ خوضِ نزاعٍ مُسلّحٍ معَ القومِ إلّا إذا إجتمعَ حولَهُ عددٌ كافٍ منَ النّاسِ حدّدته بعضُ الرّواياتِ بأربعينَ رجُلاً.
وقد سعى أميرُ المؤمنينَ عليه السّلام لجمعِ هذهِ العدّةِ واستنصرَ المُهاجرينَ والأنصارَ كما تقدّمَ إلّا أنّهُ لَم يستجِب لهُ إلّا عددٌ قليلٌ جِدّاً ثلاثةٌ أو أربعةٌ أو سبعةٌ كما ذكرَت النّصوصُ.
مصادرُ الوصيّةِ في كتبِ أهلِ السّنّةِ:
قَد يتساءلُ القارئُ العزيزُ: هَل ثبتَت هذهِ الوصيّةُ لأميرِ المُؤمنينَ في كُتبِ المُخالفينَ؟ أم أنَّ هذهِ الوصيّةَ هيَ مِن مُختصّاتِ كُتبِ الشّيعةِ فقَط؟
والجوابُ: إنَّ نفسَ هذهِ الوصيّةِ قَد وردَت في المصادرِ الرّوائيّةِ عندَ أهلِ السّنّةِ والجماعةِ, وهيَ قولُ النّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه لأميرِ المُؤمنينَ عليٍّ عليهِ السّلام: سيكونَ بعدي إختلافٌ أو أمرٌ فإن إستطعتَ أن تكونَ السّلمَ فافعَل. مُسندُ الإمامِ أحمَد.
وقَد علّقَ الهيثميُّ على سندِ هذهِ الرّوايةِ بقولِه: رواهُ عبدُ اللهِ ورجالُه ثقاتٌ.
راجِع مجمعَ الزّوائدِ.
كما صحّحَ الخبرَ أحمد شاكر في تحقيقِه على مُسندِ أحمدَ بنِ حنبلٍ وقالَ: إسنادُه صحيحٌ.
لماذا هذهِ الوصيّةُ؟
قَد يظنُّ البعضُ أنَّ هذهِ الوصيةَ هيَ مُجرّدُ تكليفٍ شخصيٍّ لأميرِ المؤمنينَ عليه السّلام ولا واقعَ لها في الخارجِ, ولهذا أشكلَ البعضُ أنّهُ لا يمكنُ قبولُ هذهِ الوصيّةِ لكونِها لا فائدةَ فيها سِوى إضعافِ موقفِ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ عليه السّلام.
وهذا غيرُ صحيحٍ, ومنشأُ هذا الإشتباهِ هوَ النّظرةُ القاصرةُ للأوضاعِ العامّةِ لبلادِ المُسلمينَ في ذلكَ الوقتِ:
فمَن يقرأُ الأحداثَ قراءةً سياسيّةً بحتةً يجدُ أنَّ الدّولةَ الإسلاميّةَ الفتيّةَ كانَت مُستعدّةً للدّخولِ في حربٍ أهليّةٍ حقيقيّةٍ ستعصفُ بكُلِّ ما بناهُ النّبيّ المُصطفى صلّى اللهُ عليهِ وآلِه في هذهِ السّنواتِ العشرِ:
فبلادُ فارس كانَت تحكمُها إمبراطوريّةٌ قويّةٌ يمتدُّ تاريخُها إلى مئاتِ السّنينِ ذاتُ أطماعٍ توسعيّةٍ كبيرةٍ جِدّاً خصوصاً بعدَ أن هزمَت الإمبراطوريّةَ البيزنطيّةَ في بعضِ المعاركِ وتوسّعَت على حسابِها.
وبلادُ الرّومِ تحكمُها إمبراطوريّةٌ قويّةٌ أيضاً مُنيَت بأكثرَ مِن هزيمةٍ مِن قِبلِ الفُرسِ وهيَ تسعى لتدارُكِ هذهِ الهزائمِ وبتعويضِ الخسائرِ والحلقةُ الأضعفُ بينَ الثّلاثةِ هيَ دولةُ المُسلمينَ الفتيّة.
أمّا جزيرةُ العربِ فهيَ مُتذبذةٌ بينَ الحفاظِ على إسلامِها وبينَ المُتنبّئينَ الذين ظهرُوا في بعضِ مناطقِهم كمُسيلمةَ الكذّابِ والأسودِ العنسيّ وسجاحٍ وغيرِهم الذينَ طالما إنتظرُوا وفاةَ النّبيّ.
أمّا مكّةُ المُكرّمةُ فهيَ آخرُ المناطقِ دخولاً للإسلامِ أو بتعبيرٍ أصحٍّ (الإستسلامُ) حيثُ خافَ صناديدُ قُريشٍ مِن إنتقامِ المُسلمينَ مِنهُم نتيجةَ التّعذيبِ والتّنكيلِ الذي لا قوهُ منهُم في بدايةِ الإسلامِ وفي الحروبِ التي دارَت بينَهم, ومِن هُنا اعتبرَ مسلمةُ الفتحِ مِنَ المُؤلّفةِ قلوبُهم.
أمّا المدينةُ المنوّرةُ فيكفينا تصويرُ القُرآنِ الكريمِ للتّركيبةِ الإجتماعيّةِ فيها: (ومِمَّن حولَكم مِنَ الأعرابِ مُنافقونَ ومِن أهلِ المدينةِ مردُوا على النّفاقِ لا تعلمُهم نحنُ نعلمُهم سنُعذّبُهم مرّتين), فالمدينةُ مُحاطةٌ بالأعرابِ الذينَ عُبِّرَ عنهُم في آيةٍ أُخرى (أشدُّ كُفراً ونِفاقاً) وفي داخلِها مجموعةٌ منَ المُنافقينَ الذينَ مردُوا على النّفاقِ بمعنى أنّهُم أجادُوا تمثيلَ دورِ المُسلمِ بحيثُ لا يمكنُ تمييزُهم عَن غيرِهم, ويكفينا لمعرفةِ دورِ هؤلاء مُحاولتُهم إغتيالَ النّبيّ في غزوةِ تبوك سنةَ 9هـ, مِمَّا يُبيّنُ عِظم َنفوذِهم في المُجتمعِ المدنيّ في ذلكَ الوقت.
ولا ننسى قبائلَ اليهودِ التي كانَت مُحيطةً بالمدينةِ الُمنوّرةِ وكانُوا يحيكونَ المُؤامراتِ لإسقاطِ الدّولةِ الإسلاميّةِ وإفشالِ دعوةِ المُسلمينَ, حِقداً منهُم على الإسلامِ وأهلِه, وقَد كانَ لهُم دورٌ كبيرٌ في الحروبِ التي قامَ بها كُفّارُ قُريشٍ ضدَّ المُسلمينَ لا سيّما غزوةِ الأحزابِ التي كادَت أن تذهبَ بالإسلامِ وأهلِه.
ومِن هُنا فقَد أجلى النّبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه قِسماً مِنَ القبائلِ اليهوديّةِ التي شاركَت في هذهِ المؤامراتِ وزادَ الحقدُ والبغضاءُ في قلوبِهم.
فلو حصلَ نزاعٌ مُسلّحٌ بينَ أميرِ المُؤمنينَ عليهِ السّلام الذي يدينُ له بالولاءِ قسمٌ كبيرٌ منَ المُسلمينَ الذينَ سبقَ أن سمعُوا فضائلَه ومناقبَه منَ النّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله بَل بايعوهُ قبلَ سنةٍ واحدةٍ في الغديرِ, وعلى رأسِ هؤلاءِ الجيشُ المُجهّزُ لقتالِ الرّومِ والذي يقودُه أسامةُ بنُ زيدٍ وبينَ حزبِ السّقيفةِ الذينَ تحالفُوا معَ بعضِ الأعرابِ الذينَ كانُوا يُحيطونَ بالمدينةِ وبعضِ كِبارِ قُريشٍ الذينَ يحملونَ أحقاداً بدريّةً أحديّةً حُنينيّةً في قلوبِهم على عليٍّ، فستكونُ الخسائرُ فادحةً منَ الطّرفين وستستغلُّ الأطرافُ الخارجيّةُ كالفُرسِ والرّومِ هذا الصّراعَ الدّاخليّ لاِجتياحِ بلادِ المُسلمينَ وإعادةِ السّيطرةِ عليهم ولمَا قامَت للإسلامِ قائمةٌ بعدَ ذلكَ اليومِ.
ويظهرُ منَ القرائنِ أنَّ المُنافقينَ كانُوا ينتظرونَ وقوعَ مثلِ هذا الخلافِ للفتكِ بالإسلامِ وأهلِه, فقد روى القومُ: جاءَ أبو سفيان بنُ حربٍ إلى عليٍّ بنِ أبي طالبٍ عليهِ السّلام, فقالَ: ما بالُ هذا الأمرِ في أقلِّ قُريشٍ قلّةً وأذلّها ذلّةً يعني أبا بكرٍ, واللهِ لئِن شئت لأملأنّها عليه خيلاً ورجالاً, فقالَ عليٌّ: لطالَ ما عاديتَ الإسلامَ وأهلَه يا أبا سفيان([20]).
فاعتبرَ أميرُ المؤمنينَ عليه السّلام عرضَ أبا سفيان وتحريضَه على القتالِ عداءً منهُ للإسلامِ وكيداً منهُ لأهلِه.
وأفضلُ بيانٍ لِما قُلناهُ هوَ ما نقلَه ابنُ أبي الحديدِ المُعتزليّ على لسانِ أميرِ المُؤمنينَ عليه السّلام, قالَ: وقد روى عنهُ عليه السّلام أنَّ فاطمةَ عليها السّلام حرّضتهُ يوماً على النّهوضِ والوثوبِ فسمعَ صوتَ المُؤذّنِ (أشهدُ أنَّ مُحمّداً رسولُ الله), فقالَ لها: أيسرُّكِ زوالُ هذا النّداءِ منَ الأرضِ؟ قالَت: لا, قالَ: فإنّهُ ما أقولُ لكِ. شرحُ نهجِ البلاغةِ لابنِ أبي الحديد.
فقيامُ نزاعٍ مُسلّحٍ بينَ الطّرفين يعني نهايةَ الإسلامِ وسقوطَ الدّولةِ التي تأوي المُسلمينَ وتحميهِم.
هَل سكتَ الإمامُ عليٌّ عليهِ السّلام عندَ ضربِ الزّهراء؟
دائماً ما يصوِّرُ أصحابُ الإشكالِ أنَّ أميرَ المُؤمنين عليه السّلام لَم يُحرِّك ساكِناً عندَما هجمُوا على بيتِ النّبوّةِ واعتدُوا على الزّهراءِ عليها السّلام واتّخذَ موقفَ المُتفرّجِ مِن هذا الحدثِ, وهذا ما يرفضُه كلُّ عاقلٍ خصوصاً معَ ما عُرِفَ مِن غيرةِ وشجاعةِ الأميرِ.
والحقُّ أنَّ هذهِ الفكرةَ غيرُ صحيحةٍ فليسَ أميرُ المؤمنينَ عليه السّلام الذي تُضربُ زوجتُه ويبقى مُتفرِّجاً, بَل إنَّ النّصوصَ الشّريفةَ ذكرَت موقفهُ في الدّفاعِ عَن حليلتِه بنتِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه:
فقَد روى سُليمٌ (رضيَ اللهُ عنه) في كتابِه واصِفاً المشهدَ:...فوثبَ عليٌّ عليهِ السّلام فأخذَ بتلابيبِه ثُمَّ نترَهُ فصرعَه ووجأَ أنفَه ورقبتَه وهمَّ بقتلِه، فذكرَ قولَ رسولِ اللهِ وما أوصاهُ به، فقالَ: (والذي كرّمَ مُحمّداً بالنّبوّةِ -يا بن صِهاك- لولا كتابٌ منَ اللهِ سبقَ وعهدٌ عهدَهُ إليَّ رسولُ اللهِ لعلمتَ أنّكَ لا تدخلُ بيتي)؛ فأرسلَ عُمرُ يستغيثُ، فأقبلَ النّاسُ حتّى دخلوا الدّارَ وثارَ عليٌّ إلى سيفِه, فرجعَ قنفذٌ إلى أبي بكرٍ وهوَ يتخوّفُ أن يخرُجَ عليٌّ إليهِ بسيفِه، لِما قَد عرفَ مِن بأسِه وشدّتِه, فقالَ أبو بكرٍ لقُنفذ: ( إرجِع، فإن خرجَ وإلّا فاقتحِم عليهِ بيتَه، فإن إمتنعَ فأضرِم عليهِم بيتَهم النّارَ), فانطلقَ قُنفذُ الملعونُ فاقتحمَ هوَ وأصحابُه بغيرِ إذنٍ، وثارَ عليٌّ إلى سيفِه فسبقوهُ إليه وكاثَروهُ وهُم كثيرونَ، فتناولَ بعضُهم سيوفَهُم فكاثروهُ وضبطوه فألقَوا في عُنقِه حبلاً وحالَت بينَهم وبينَه فاطمةُ عليها السّلام عندَ بابِ البيتِ، فضربَها قنفذُ الملعونُ بالسّوطِ فماتَت حينَ ماتَت وإنَّ في عضدِها كمثلِ الدّملجِ مِن ضربتِه، لعنَهُ اللهُ ولعنَ مَن بعثَ بهِ. كتابُ سُليمٍ.
فمِن هُنا نعلمُ أنَّ الصّورةَ المَرسومةَ في أذهانِ البعضِ حولَ موقفِ عليٍّ عندَ الهجومِ على بيتِه غيرُ صحيحةٍ بلِ الثّابتُ هوَ دفاعُه عَن بيتِ الوحي بالمقدارِ الذي أُذنَ لهُ فيه.
(قضيّةُ عُثمان) باءٌ تجرُّ وباءٌ لا تجرّ!!
المُلاحَظُ أنَّ أصحابَ هذهِ الشّبهةِ التي مللنا مِن تكرارِها يعتبرونَ هذا الموقفَ مِن أميرِ المُؤمنينَ عليه السّلام مطعناً فيه ومنقصةً لشأنِه, لكِن نجدُ أنّهُم ينسبونَ نفسَ هذا الموقفِ لعُثمان بَل أعظمَ منه!
فقَد روَت المصادرُ التّاريخيّةُ قصّةَ إحراقِ القومِ لبابِ عُثمان وهجومِهم على دارِه وما حصلَ عندَ ذلكَ:
فقد روى ابنُ كثيرٍ في تاريخِه عندَ تعرّضِه إلى كيفيّةِ قتلِ عُثمان: فكانَ أوّلُ مَن دخلَ عليهِ رجلٌ يُقالُ لهُ الموتُ الأسودُ فخنقَهُ خنقاً شديداً حتّى غشيَ عليه، وجعلَت نفسُه تتردَّدُ في حلقِه، فتركَهُ وهوَ يظنُّ أنّهُ قَد قتلَهُ، ودخلَ ابنُ أبي بكرٍ فمسكَ بلحيتِه ثُمَّ ندَّ وخرجَ، ثُمَّ دخلَ عليهِ آخرُ ومعهُ سيفٌ فضربَهُ بهِ فاتّقاهُ بيدِه فقطعَها، فقيلَ: إنّهُ أبانَها: وقيلَ: بَل قطعَها ولم يُبِنها، إلّا أنَّ عُثمانَ قالَ: واللهِ إنّها أوّلُ يدٍ كتبَت المفصلَ، فكانَ أوّلُ قطرةِ دمٍ مِنها سقطَت على هذهِ الآيةِ: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } ثمَّ جاءَ آخرُ شاهِراً سيفَهُ فاستقبلَتهُ نائلةُ بنتُ الفرافصةِ لتمنعَهُ منهُ، وأخذَت السّيفَ فانتزعَه منها فقطعَ أصابعَها ثُمَّ إنّهُ تقدّمَ إليهِ فوضعَ السّيفَ في بطنِه فتحاملَ عليه،...وفي روايةٍ أنَّ الغافقيَّ بنَ حربٍ تقدّمَ إليهِ بعدَ مُحمّدٍ بنِ أبي بكرٍ فضربَهُ بحديدةٍ في فيهِ، ورفسَ المِصحفَ الذي بينَ يديهِ برجلِه فاستدارَ المصحفُ ثمَّ إستقرَّ بينَ يدي عُثمان, وسالَت عليهِ الدّماءُ، ثُمَّ تقدّمَ سودانُ بنُ حمرانَ بالسّيفِ فمانعَتهُ نائلةُ فقطعَ أصابعَها فولَّت فضربَ عجيزتَها بيدِه وقالَ: إنّها لكبيرةُ العجيزةِ, وضربَ عثمانَ فقتلَه، فجاءَ غلامُ عثمان فضربَ سودان فقتلَه، فضربَ الغلامُ رجُلاً يقالُ لهُ قترة فقتلَه. تاريخُ الأممِ والملوكِ
وقريبٌ منهُ ما نقلَه ابنُ الأثيرِ في كاملِه, قالَ: ثارَ قتيرةُ وسودانُ بنُ حمرانَ والغافقيّ فضربَهُ الغافقيُّ بحديدةٍ معهُ وضربَ المِصحفَ برجلِه فاستدارَ المصحفُ واستقرَّ بينَ يديهِ وسالَت عليهِ الدّماءُ وجاءَ سودانٌ ليضربَهُ فأكبَّت عليهِ إمرأتُه وإتّقَت السّيفَ بيدِها فنفحَ أصابعَها فأطنَّ أصابعَ يديها وولَّت فغمزَ أوراكَها وقالَ إنّها لكبيرةُ العجزِ وضربَ عُثمانَ فقتلَه. الكاملُ في التّاريخ.
إذَن عثمانُ حُوصِرَ بيتُه وأُحرقَ بابُه وهاجمَهُ القومُ وانتهى الأمرُ بقتلِه بَل وبالإعتداءِ على زوجتِه بصورةٍ مُخزيةٍ كما مرَّ في هذهِ النّصوصِ التّاريخيّةِ, عِلماً أنَّ عُثمانَ كانَ خليفةً في ذلكَ الوقتِ وكانَت بيدِه كلُّ جيوشِ المُسلمينَ, فلماذا لم يُدافِع عَن نفسِه وعَن زوجتِه واكتفى بقراءةِ القُرآن؟
وعندما نسألُ هذا السّؤالَ يجيبُنا مُحبّوهُ أنَّ سببَ إمتناعِه عنِ الدّفاعِ عَن نفسِه وعَن عرضِه هوَ إلتزامُه بوصيّةٍ أوصاهُ إيّاها رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه تتعلّقُ بخصوصِ هذهِ الحادثةِ:
فقَد روى التّرمذيُّ بسندِه: عَن أبي سهلةَ قالَ: قالَ لي عُثمانُ يومَ الدّارِ إنَّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه قَد عهدَ إليَّ عهداً فأنا صابرٌ عليه. سننُ التّرمذيّ
اترك تعليق